الخليج الجديد-
قال تحليل نشره موقع «ناشيونال إنتريست» إن السعودية وحلفاءها يحاولون التقدم في المنطقة العربية لإصلاح ما أفسدته «عقيدة أوباما» القائمة على الانسحاب من المنطقة وعدم التدخل عسكريا لأسباب إنسانية (جرائم الأسد)، أو سياسية لمحاصرة النفوذ الإيراني والميليشاوي الشيعي الذي نتج عنه دول فاشلة، وتنظيم «الدولة الإسلامية».
وقال التحليل الذي كتبه المحلل السياسي السعودي «نواف عبيد» أن ما تفعله السعودية هو «عقيدة سلمان»، التي ترد بها المملكة على فشل عقيدة «أوباما» في المنطقة.
ويشير «عبيد» في التقرير الذي جاء بعنوان: «عقيدة سلمان.. الرد السعودي على ضعف أوباما» إلى أن «عقيدة أوباما» التي شرحها مقال «جيفري جولدبرغ» في مجلة «ذي أتلانتيك»، كشفت أن «أمريكا والسعودية في مسار تصادمي حول القرارات الاستراتيجية في الشرق الأوسط»، وأنها متعارضة تمامًا مع «عقيدة سلمان» التي تتبناها المملكة من أجل استعادة السلام والاستقرار في المنطقة.
ويحذر الكاتب السعودي أمريكا من أنها «ستخسر كثيرًا بابتعادها عن المملكة»، لأن «النفوذ الأمريكي في العالم العربي كان معتمدا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، إلى حد كبير على العلاقة الخاصة مع المملكة».
وكان الرئيس «أوباما» عبر عن هذه العقيدة في حملته الانتخابية الأولى عندما قال إن «الولايات المتحدة لا تستطيع استخدام قوتها العسكرية لحل المشاكل الإنسانية»، ثم قال لمجلة «ذي أتلانتيك» أن أمريكا رفضت توريط السعودية لها في حروب طائفية، وستركز على آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بدلا من المنطقة العربية.
وأوضحت مقالة جولدبرغ أنَّ «عقيدة أوباما» لا تظهر التردد الكبير للرئيس الأمريكي تجاه التدخل العسكري في المنطقة لقمع إيران أو الأسد أو داعش فقط، لكنها أظهرت أيضا تخليه عن العالم العربي، ودعمه المعلن لإيران القوية، حتي أنه دعا الرياض لاقتسام النفوذ معها في المنطقة.
و«هذا ما يفسر قراراته التي اتخذها بعدم مهاجمة بشار الأسد رُغم تجاوزه الخط الأحمر باستخدام الأسلحة الكيميائية، والإذعان لطموحات إيران الإقليمية وتوقيع الاتفاقية النووية، والسماح بنمو المليشيات الشيعية في العراق، وتجنب الضغط على إسرائيل بالقضية الفلسطينية، والتساهل مع تنظيم الدولة، لأنه ليس تهديدا وجوديا على الولايات المتحدة»، بحسب الكاتب.
البديل «عقيدة سلمان»
ويقول الكاتب أن الوسيلة الوحيدة لإصلاح ما أفسدته عقيدة «أوباما»، هي «عقيدة سلمان»؛ التي تري أن بشار الأسد يجب خلعه من السلطة، وأنه يجب التصدي لطموحات إيران الإقليمية والنووية، والتصدي للمليشيات الشيعية في العراق وسوريا ولبنان واليمن باعتبارها «منظمات إرهابية يجب تدميرها»، وأن العالم يجب أن يعترف بدولة فلسطين، إضافة إلى ضرورة محاربة تنظيمي «الدولة الإسلامية» و«القاعدة».
ويشير إلى أن أبرز خلاف في الرؤى بين العقيدتين، يكمن في تأكيد السعودية أن إيران هي سبب المشاكل الأمنية الكبرى في الشرق الأوسط، بينما يري «أوباما» أن السعودية «تشارك» أو «تتقاسم» النفوذ في المنطقة مع إيران، معتبرا هذا «محض هراء، بالنظر إلى أن طهران تدعم الإرهاب بشكل غير محدود»، بحسب قوله.
3 عناصر في عقيدة سلمان
ويشرح المحلل السعودي ما يقول إنها ثلاثة عناصر بارزة تميز «عقيدة سلمان» التي يشدد على أنها لم تظهر فجأة، لكن لها جذور تاريخية، وهي:
(أولًا): ظهور عقيدة سلمان جاء نتيجة «حاجة استراتيجية»، بعد الانسحاب المتزايد للقيادة الأمريكية من المنطقة، كنتيجة لعقيدة «أوباما».
(ثانيًا): أن عقيدة سلمان لها جذور في التاريخ العربي، تتعلق بمواجهة النفوذ الايراني على مدار التاريخ، ولذلك لن يسمح الملك «سلمان» لإيران، التي تسعى لإعطاء الأقلية الشيعية اليد العليا في العالم الإسلامي، بتجاوز 1400عام من وجود الأغلبية السُنية.
(ثالثا): عقيدة سلمان مدعومة بتطورات واسعة وتحوّلات كبيرة في السعودية، على المستويات العسكرية والسياسية والتحالفات العربية.
150 مليار دولار لتوسيع منظومة الدفاع
ويشرح ما قصده في الفقرة الثالثة قائلا أن: «التدخل العسكري السعودي الذي حدث خلال الخمس سنوات الماضية لم يسبق له مثيل، حيث أنفقت المملكة ما يقارب 150 مليار دولار لتوسيع منظومة الدفاع (شراء أسلحة حديثة) وسيزداد هذا المبلغ بقيمة 100 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة».
أيضا هناك تدخل سعودي عسكري متزايد في المنطقة بديل للتدخل الامريكي، حيث شارك الجيش السعودي والقوات الحليفة في عدة نقاط ساخنة، حيث تدخل في البحرين في عام 2011، وفي الحرب الحالية في اليمن لقتال الميليشيات الإيرانية، كما تشارك القوات الجوية السعودية في التحالفات المضادة لداعش في سوريا، ويتوقع أن تتوسع للعراق في المستقبل القريب.
أيضا ضمن هذه التطورات، أعلنت المملكة عن تحالف مكون من 34 دولة ضد الإرهاب (زاد فيما بعد إلى 40 دولة)، من بينهم باكستان ومصر وتركيا وماليزيا ونيجيريا، وأكمل هذا التحالف تدريبات كبيرة أُطلق عليها اسم «رعد الشمال»، حول مدينة حفر الباطن العسكرية مؤخرا، شارك به 150 ألف جندي من 20 دولة يتدربون على سيناريوهات المعركة المحتملة.
المملكة ستتدخل في العراق وسوريا
ويشدد المحلل السعودي علي أن هذا التحالف ورغم أنه يركز حاليا علي ضرب تنظيم «الدولة الإسلامية» وتنظيم «القاعدة»، إلّا أنه «يتدرب على تدخلات محتملة في العراق وسوريا ضد الميليشيات الشيعية المتنامية هناك، والمدعومة من إيران، والمكّونة مما يقارب 75 ألف مقاتل غير نظامي، مزودين بأسلحة قوية».
ويرجع هذا لتجاهل إدارة «أوباما» تلك الميليشيات، بالرغم من أنها تهديد إقليمي كبير، مؤكدا: «الأمر مسألة وقت فحسب قبل أن يضطر التحالف الجديد الذي تقوده السعودية على القيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي السورية والعراقية».
ويختم تقريره بتأكيد أن «عقيدة أوباما» التي بشرت بحقبة جديدة من عزوف الجيش الأمريكي عن التدخل في المنطقة، «أدت إلى الفوضى ونزيف المزيد من الدماء، ولملء هذا الفراغ القاتل، كان على السعودية وحلفائها التقدم في محاولة لإعادة النظام لمنطقة تعاني من دول فاشلة، وتنظيم الدولة الإسلامية، والوكلاء الإيرانيين».
ولهذا ينصح الإدارة الامريكية الجديدة القادمة بعد «أوباما» -الذي أوشكت رئاسته على الانتهاء- أن «تكون أكثر واقعية وإيجابية تجاه دور أمريكي فعلي يستهدف جلب الاستقرار لأكثر المناطق أهمية استراتيجية في العالم (المنطقة العربية)».