علاقات » اميركي

المعيار الجديد في العلاقات الاميركية-السعودية

في 2016/04/18

ترجمة راصد الخليج- ناشيونال انترست- كاماك بيري، ريتشارد  سوكولسكي-

قمة دول مجلس التعاون الخليجي-الأميركي الأسبوع المقبل في الرياض هي الفرصة الأخيرة لإدارة أوباما لمعالجة العلاقة الأميركية السعودية. وبينما تعتبر القمة من الناحية الرسمية متعددة الأطراف بين الولايات المتحدة ودول الخليج الست، سوف تتركز كل الأنظار على الرئيس أوباما والملك سلمان. وسيسعى كلا الزعيمين إلى إظهار الكياسة. غير أن العلاقة التي يشوبها انقسامات متزايدة  سوف تتناقض مع الصور الرسمية، والتصريحات المألوفة المحيطة بهذا اللقاء. ولا شك أنه من المستبعد  أن تنهار في أي وقت قريب العلاقات بين البلدين. ولكن ما لم تعمل الرياض وواشنطن على صياغة تفاهم جديد لما يمكن أن تتوقعه كل منهما من الأخرى، فإن ركائز تعزيز العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية سوف تتواصل في التآكل.

الخلفية

تعتمد المملكة العربية السعودية وعلى مدى عقود على الولايات المتحدة في امنها الخارجي. فمن الطبيعي، نظرا لهذا الاعتماد، وغياب التكافؤ في القوة بين البلدين، أن تشعر المملكة بالقلق إزاء الالتزامات الأمنية الأمريكية، وتتحسس من أي علامة لا تدل على ان هذه المساندة غير مشروطة،  او انها أقل مما هو مطلوب.

إن الغضب الذي أظهره الرئيس أوباما نحو  السلوك الانتهازي للمملكة العربية السعودية خلال حواره مع جيفري غولدبرج في صحيفة أتلانتك أثار اهتماما كبيرا. وبدورهم، يشكو السعوديون ـ الحذرون عادة ـ سرا وعلانية، من أن الولايات المتحدة لم تعد حليفا موثوقا به، وأنها تخلت عن المملكة العربية السعودية لحساب مسعى خطير وهمي لتحسين العلاقات مع إيران، وأن اهتمام واشنطن بمصالح المملكة يشهد تراجعا.

من المؤكد أن الخلافات بين أمريكا والسعودية حول قضايا معينة ليست شيئا جديدا، فهي تعود إلى الاربعينيات مع قيام إسرائيل، ومرت بفترات توتر مثل الحظر النفطي عام 1973 وبعدها هجمات الحادي عشر من ايلول سبتمبر. . ولكنهما يحذران أولئك الذين يأملون أن تعود السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية إلى سابق عهدها، بعد رحيل أوباما،  من خيبة الأمل.

النقطة المحورية لهذا الاختلاف هو إيران. وكان رد إدارة بوش الثانية بنتيجة الحادي عشر من ايلول سبتمبر هو غزو العراق عام 2003 والذي مهد الطريق لعودة ظهور إيران كقوة إقليمية. التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والسعودية كان يمكن التغطية عليها طالما بقي عشرات الآلاف من القوات الأميركية في العراق. غير ان سحب إدارة أوباما هذه القوات والاتفاق النووي مع ايران قد خلقا دينامية جديدة في الشراكة التي يمتد عمرها  لسبعة عقود.

على المستوى الاستراتيجية تتشارك الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بمصلحة مشتركة في منع الهيمنة الإيرانية على المنطقة. السعوديون، مع ذلك، لديهم تقييمهم الاكثر سوداويا حول التهديد الإيراني ويفضلون دحر النفوذ الايراني من خلال سياسات المواجهة التي تؤجج المعارضة السنية في إيران، وأتباعها الشيعة في لبنان وسوريا والعراق واليمن. وفي المقابل، يبدو أن إدارة أوباما أقل قلقا بشأن التدخل الإقليمي الإيراني، وتنحاز الى الدبلوماسية والحوار لكبح جماح الطموحات الإيرانية لأنها تضر بالمصالح الأمريكية.

الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على حد سواء يبحثون عن هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية»، لكن المملكة قد وجهت هذه الاهتمام لاحتواء التوسع الإيراني. وفي الوقت نفسه، فإنها تستمر في تصدير التفسير الحرفي والمتشدد للإسلام، وهو النسخة الذي يغذي أيضا أيديولوجية تنظيم «الدولة الاسلامية». الرئيس أوباما شكى في حديثه الى غولدبرغ أن السعوديين والإيرانيين بحاجة ان يتعلموا ان "العيش المشترك" عبر تخفيض التوترات والعمل على حل الصراعات الإقليمية. ولكن إجراءات الرياض، كقرار إعدام رجل الدين الشيعي المعارض نمر النمر، يمكن أن تظهر انها تهدف إلى رفع مستوى التوتر في المنطقة، وبالتالي منع التقارب الأمريكي الإيراني الذي يمكّن إيران والمملكة العربية السعودية ان تكونا على مسافة واحدة من الولايات المتحدة.

لا شك ان أمريكا والمملكة العربية السعودية تستفيدان بالتأكيد من مكافحة الإرهاب والتعاون الاستخباراتي، لذلك لا يرجّح أن ن يتراجعا عن ذلك بسبب الخلافات السياسية الأوسع نطاقا. حيث يحرص البلدان على حماية تدفق البترول من الخليج. بيد أن اكتشاف البترول الصخري في أمريكا الشمالية، والتحسينات في كفاءة وقود السيارات أديا إلى تراجع اعتماد أمريكا على واردات البترول من الخليج على نحو كبير. وتهدف السياسة النفطية السعودية بحق إلى الحفاظ على حصتها في السوق، بغرض إغراق سوق متخم بالفعل لإخراج البترول الصخري الأمريكي وغيره من المنتجات عالية التكلفة من السوق. ومن ثم، فالنتيجة النهائية لذلك، أن البلدين صارا فجأة متنافسين شرسين اقتصاديا.

وبينما تقترب قمة أمريكا والخليج، لا يستطيع اي منهما حسم الأمر. فمازال السعوديون يعتمدون على الدعم العسكري الأمريكي ومازالوا يثمنون علاقتهم بالولايات المتحدة. ومن ثم، فهم يتجنبون استعداء الرئيس أوباما وسيديرون القمة بحيث تبدو ناجحة. كما يتطلع أوباما إلى الاستفادة من آخر رحلاته الرئاسية إلى شبه الجزيرة العربية لتعزيز إرثه. ومن المتوقع أن يفلح في الضغط على دول الخليج حي تمتنع عن اتخاذ خطوات من شأنها تقويض الاتفاق النووي الإيراني، مع طمأنتهم إلى أنهم يستطيعون الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة لضمان الأمن الخارجي وكبح المزيد من  المغامرات الإيرانية. وسوف يرغب أوباما في اثبات دراكه أن الاتفاق النووي الإيراني سيكون أكثر أمنا إذا كان لدول الخليج مصلحة في نجاحه. كما سيؤكد أيضا على تقدير بلاده لعلاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من الخلافات، والتزامها بدعم الشراكة مع السعودية.

الوضع الطبيعي الجديد

ومع ذلك، فإن الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية، التي كانت في السابق حجر الزاوية في أمن الولايات المتحدة في الخليج، تشهد تغيرات هيكلية عميقة. ويثير التحول في أولويات الولايات المتحدة الإقليمية والعالمية، والتغيرات الأساسية في سوق الطاقة العالمي، واستجابة أميركا إلى التوترات التي تجتاح الشرق الأوسط منذ عام 2011، فقدان ثقة متبادل ويشف خطوط الصدع العميقة.

وبمرور الوقت تفقد السعودية استقلالها مع الاعتماد على الحماية الأمريكية. ومع تزايد الشكوك حول استعداد أمريكا للعب إلى دور الشرطي في الإقليم إلى أجل غير مسمى ، تنتهج المملكة العربية السعودية سياسة خارجية أحادية أكثر جرأة، مصممة لمواجهة التهديد الإيراني، منذ تولي الملك سلمان العرش في يناير 2015. و أدى ذلك إلى تصرفات تراها إدارة أوباما متسرعة وسيئة، مثل الحملة العسكرية في اليمن، على الرغم من واشنطن أيدتها علنا بغرض طمأنة السعوديين بأن الولايات المتحدة  شريك يعتد به.

وبينما كانت النتائج الأولية للحملة مقلقة للغاية، ربما كان من المرجح ان يتعلم القادة السعوديون من أخطائهم إذا امتنعت الولايات المتحدة عن الوثوب لإنقاذهم. والواقع أن السعوديين يعيدون النظر في سياساتهم المتشددة تجاه اليمن ومصر. غير ان سياسات السعودية تتعثر في بلدان أخرى، مثل تخفيف نفوذها في لبنان، والتخلي عن النفوذ تماما لإيران، مثلما فعل السعوديون في العراق من خلال رفض  التعامل مع الحكومة التي يقودها الشيعة.

أن المعيار الجديد للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية سيكون أقل جرأة. وسوف يخفض كلا الجانبين سقف التوقعات من الأخر، ويستمر الاختلاف، وأحيانا بحدة، بشأن القضايا الأمنية الإقليمية المهمة، ولكن سوف يبحثان عن توافق عندما تتداخل مصالحهما.

. ويبدو أن خطابي الولايات المتحدة والمسئولين السعوديين لا يعبر عن تحالف أو حتى "شراكة استراتيجية" بأي معنى حقيقي للمصطلح. وبدلا من ذلك، سيكون بينهما علاقة أكثر واقعية ومستدامة، خالية من الأوهام والمفاهيم الخاطئة، يمكن أن تقلل من خيبات الأمل وتسمح بالتعاون العملي.. يجب ان يستغل الرئيس أوباما والملك سلمان مباحثاتهما الخاصة في القمة لبدء حوار صريح والبناء على أولوياتهما وتوقعاتهما، حول كيفية تعزيز العلاقات بينهما