ترجمة راصد الخليج- ناشيونال انترست -نواف عبيد-
في 21 نيسان، سيفعل باراك أوباما ما يستطيع فعله في زيارته الى العربية السعودية والتي من المرجع ان تكون الاخيرة له بوصفه رئيس الولايات المتحدة. يأتي هذا في الوقت الذي أد تشابك ايديولوجيات "عقيدة أوباما" و " عقيدة سلمان " إلى تباين متزايد مثير للقلق في الرأي حول القضايا الأساسية التي تؤثر في العالم العربي: الحروب الأهلية السورية والليبية، وصعود تنظيم القاعدة ووتنظيم داعش والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي ومختلف الثورات التي ترعاها إيران، عبر وكلاء الإرهاب. وسيكون أيضا على الطاولة موضوع واحد حيث كان بين البلدين اتفاق ضمني على الأقل: هو الحرب التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، حيث يتطلع إلى المحادثات على انها دخول في مرحلة جديدة. وعلى الرغم من الكثير من "العلاقة الخاصة" في جهود مكافحة الإرهاب، وتسليم أنظمة سلاح، والتجارة والاستثمار والتعليم، فالرئيس سيجتمع مع القيادة السعودية التي نمت مستقلة على نحو متزايد، بوصفها قيادة تستجيب وتغوص في الظروف الجيوسياسية المتغيرة بشكل متسارع في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي الأوسع.
هناك سببان رئيسيان لهذه الحزم السعودي الجديد في قلب عقيدة سلمان الناشئة. أولا، ما يسمى الربيع العربي الذي أدى، خلال دوامة كبيرة في المنطقة، إلى حالة من الفوضى وسفك الدماء الذي اضطر بالسعوديين وحلفائهم في كثير من الأحيان للمشارك ومعالجة الأمن الدولي والإقليمي دون موافقة او تشاور مع الولايات المتحدة. ثانيا، في حين يقبل السعوديون أن الاتفاق النووي الإيراني اصبح الآن أمرا واقعا، لكن القضية هي الطريقة التي نفذ بها وهي طريقة تثير الشك للغاية. ليس فقط انها تمت بسرية ودون استشارة الرياض، بل ان أوباما بذل جهوده ضد الأسد من أجل تهدئة الإيرانيين. النتيجة لهذا القرار بات واضحا الآن: أكثر من 250،000 قتيل سوري وملايين اللاجئين.
من أجل دعم الاستراتيجية الجديدة المستقلة التي هو في صلب رؤية الملك سلمان، ذهب السعوديون لانفاق أكثر من 150 مليار $ لإنشاء بنية تحتية لتعزيز الدفاع، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع بنحو 100 مليار $ على مدى خمس سنوات.كما انهم قادوا تحالفا إسلاميا من أربع وثلاثين دولة لمحاربة الإرهاب، ومعظم هذه الدول قامت بالفعل بمناورات عسكرية كبيرة سميت «رعد الشمال»، مع أكثر من 150،000 جندي من عشرين دولة على الحدود الشمالية للمملكة مع العراق. وأخيرا، فإن السعوديين لديهم خطط لبناء ما لا يقل عن ثلاث قواعد عسكرية جديدة في مناطق "خارجية قريبة"، مع واحدة تعمل بالفعل في جيبوتي.
الحرب في اليمن هي أحدث ثمرة في هذه الرؤية الاستراتيجية الجديدة. منذ أكثر من سنة، بدأت قوات التحالف بقيادة سعودية التدخل عسكريا في الحرب الأهلية التي البلاد، وعند هذه النقطة يتم ببطء محاصرة المتمردين في صنعاء، بعد أن تم طردهم من عدن وتعز. وقد تم قبول اتفاق وقف إطلاق النار للأمم المتحدة من قبل الطرفين، والمحادثات ستبدأ قريبا مع عودة حكومة الرئيس اليمني المنتخبة شرعيا، عبده ربه منصور هادي، إلى العاصمة. وهذا الإنجاز السعودي الوشيك في اليمن سيبشر بنهاية النفوذ الإيراني في شبه الجزيرة العربية (بعد فشل محاولة طهران في البحرين عام 2011)، ويُقدم دليلا ملموسا كيف ان عقيدة سلمان تغيير المشهد السياسي في الشرق الأوسط..
الإجراءات السعودية الأخيرة ضد حزب الله في لبنان هي دليل آخر على الدور القيادي الحازم للمملكة في منطقة الشرق الأوسط. في الشهر الماضي، سحب السعوديون اربعة مليارات دولار كانت بمثابة مساعدات للبنان، ونصحوا السياح السعوديين تجنب البلاد، وأعلنت ان هذه المنظمة المدعومة من طهران، والتي أصبحت محور المشهد الاجتماعي والسياسي والعسكري في لبنان ، هي مجموعة إرهابية. على الرغم من ان هذه الخطوة تدين شريحة من دولة - تقع على الحدود مع إسرائيل وتستضيف ملايين اللاجئين من السوريين والفلسطينيين- لكنها تزيد من العزلة السياسية والاقتصادية وقريبا تشكل مأزقا ماليا، فان الحكومة السعودية مستعدة لاتخاذ الخيارات الصعبة اللازمة لمعالجة المظالم والاختلالات بشكل واضح في منطقة تتجاوز العديد من الكيانات الإرهابية الإقليمية التي ترعاها إيران: حزب الله وحركاته الشقيقة في الكويت والبحرين وقطاع القطيف في المملكة العربية السعودية والحشد الشعبي في العراق وسوريا. والحوثيين في اليمن، وجناح حماس العسكري في غزة.
في استعراض لدعم قيادة المملكة العربية السعودية في العالم العربي، تنازلت مصر مؤخرا عن موقعين استراتيجيين من جزر البحر الأحمر، تيران وصنافير، وعودتهما إلى المملكة. الأمر لم يقتصر على هذه الخطوة لتمتين التحالف المصري السعودي الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي المتنامي ، ولكنه ينذر أيضا بإنشاء المشروع الذي تمت مناقشته كثيرا على مدى عقود: وهو إنشاء الجسر البري بين اثنين من أبرز الدول العربية. هذا الجسر، الذي تبين انه سيحمل اسم العاهل السعودي، سيعمق التفاعل التجاري بين البلدين، ويوفر آلاف فرص العمل للفقراء المصريين، كما انه سيطور اقتصاديا شبه جزيرة سيناء البالغة الأهمية. كما أنه سيسهل التعاون العسكري، مما يؤمن سهولة في نقل قوات ومدرعات ودبابات القتال الرئيسية في شمال المملكة لعمليات النشر المستقبلية، ودعم سبعة ألوية جديدة من الجيش السعودي من شأنها أن تكون بمثابة قوة قتالية جوهرية للقيادة السعودية للتحالف الإسلامي .
مراقب سياسي سعودي غرد في الآونة الأخيرة : «من جامعة القاهرة أشعل أوباما الربيع العربي ومن جامعة القاهرة الملك سلمان انطفأه». هذا اشارة الى خطاب الرئيس أوباما في حزيران يونيو عام 2009 ، الذي ينظر إليه الآن على انه المحفز لثورات ما سمي بالربيع العربي، والملك سلمان حاز مؤخرا على درجة الدكتوراه الفخرية تقديرا لجهوده في «المساهمات في رفاهية العالم». قد يتساءل البعض لماذا هذا "الربيع العربي " بحاجة إلى أن يسقط. الجواب لأنه أُشعل من قبل الرئيس الذي احتط نفسه بمن المفترض انهم "خبراء" الشرق الأوسط الذين افتقروا للقواعد الاساسية في فهم الحضارة والثقافة الإسلامية والعربية، والذي لا يزال الى الآن لا يدرك أن "الثورة" التي يدعمونها بحماس قد دمرت تقريبا كل شيء في طريقها. فقط السعوديون وحلفاؤها العرب، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، كان لديها العزم والموارد اخماد الحريق.
بينما سيترك أوباما وعقيدته مكتبه قريبا، فان زيارته الأخيرة إلى المملكة هي الفرصة الأخيرة له، ويجب أن يفكر بقدر من الفائدة، في تحسين العلاقات الأمريكية السعودية، حتى يتمكن من ترك بيئة دبلوماسية واستراتيجية أكثر إيجابية للإدارة المقبلة.
.