ستراتفور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
سوف يكون الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» محملا بالمزيد من الأعباء غير المعتادة حينما يسافر إلى العاصمة السعودية الرياض هذا الأسبوع. وقد تم التخطيط لهذه الزيارة باعتبارها فرصة للولايات المتحدة لطمأنة حلفائها في الخليج، وتعزيز التنسيق في عدد من القضايا الإقليمية. بدلا من ذلك فإن «أوباما» ينفق الكثير من وقته من أجل محاولة تهدئة مخاوف السعوديين بشأن مشروع قانون قيد النظر في مجلس النواب الأمريكي. ويهدف مشروع القانون إلى كشف الصلة بين المملكة العربية السعودية وبين هجمات 11 سبتمبر/أيلول. ومن المنتظر أن يرفع القانون، حال إقراره، الحصانة القضائية الممنوحة للحكومات في القضايا القانونية التي يشتبه خلالها بتورطهم في مقتل أمريكيين على الأراضي الأمريكية.
ونظرا لأن مشروع القانون يتناول قضية بالغة الحساسية هي أحداث 11 سبتمبر/أيلول فإنه يمثل نقطة تجمع جذابة بالنسبة إلى المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة ما في ذلك السناتور الجمهوري «تيد كروز» وكلا المرشحين الديمقراطيين. ولكن الإدارة الأمريكية الحالية حاولت اتخاذ موقف أكثر هدوءا مراعية في ذلك هدفين رئيسيين: تجنب سابقة قد تعرض الحكومة الأمريكية بدورها لدعاوى قضائية في الخارج، والحفاظ على علاقة لائقة مع السعوديين في هذا الوقت المضطرب من عمر الشرق الأوسط. ولكن تشتيت هذه الضغوط الداخلية لن يكون أمرا سهلا. ولكن «أوباما» لن يخاطر بإثارة المزيد من نفور الرياض. بعد كل شيء، فإنه لا يزال يحتاج إلى دعم المملكة العربية السعودية من أجل احتواء «الدولة الإسلامية» والعمل كقوة موازنة سنية لعلاقة الولايات المتحدة الوليدة مع طهران.
وقد هددت المملكة العربية السعودية ببيع ما قيمته 750 مليار دولار من الأصول الأمريكية إذا تم تمرير مشروع القانون. وعلى الرغم من أن هذا التهديد، الذي سلمه وزير الخارجية السعودي بنفسه إلى البيت الأبيض، قد تلقى الكثير من الاهتمام بالفعل، إلا أنه يستحق فحصا أكثر دقة. باستثناء عدد قليل من المسؤولين رفيعي المستوى في واشنطن والرياض، فإنه لا أحد يستطيع أن يخبرنا على وجه اليقين بحجم استثمارات المملكة العربية السعودية في سندات الخزانة الأمريكية. ونحن نعرف، مع ذلك، أن وزارة الخزانة الأمريكية قد حزمت مقتنيات الرياض جنبا إلى جنب مع باقي الدول الرئيسية المصدرة للنفط، بما في ذلك الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، وقدرتها مجتمعة بـ281 مليار دولار في نهاية فبراير/شباط. ونظرا لأن الكثير من استثمارات الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة تقع في الصناديق الاستثمارية الخارجية والأسهم المختلفة في جميع أنحاء العالم، فإنه يمكننا أن نفترض أن المملكة العربية السعودية تمثل الجزء الأكبر من هذا المبلغ. وحتى مع ذلك، فإن مبلغ الـ281 مليار دولار يتضاءل بالمقارنة بحصة الصين أو اليابان من هذه السندات التي تبلغ 1.25 تريليون دولار و1.13 تريليون دولار على الترتيب.
من الناحية النظرية، يمكن للمملكة العربية السعودية أن توجه ضربة قوية لسندات الخزانة الأمريكية إذا قررت أن تقوم ببيع كامل هذه الأصول مرة واحدة. لكن البلاد سوف تضر نفسها بشكل أكبر، نظرا لأن إعلان بيع هذا الكم دفعة واحدة سوف يقلل من ثمن الأصول من البداية، لذا فإن المملكة العربية السعودية سوف تفقد المزيد من المال مع كل عملية بيع تالية. وحتى لو أرادت السعودية تفريغ جميع أصولها في آن واحد، فإنها سوف تظل في حاجة إلى إيجاد ما يكفي من المشترين على استعداد لشرائها دفعة واحدة لتجنب خسارة مالية كبيرة.
يمكن للمملكة العربية السعودية أن تقوم بتأطير عملية البيع تلك بوصفها كإجراء وقائي لمنع الولايات المتحدة من الاستيلاء عليها حال تمت إدانتها بالعلاقة بأحداث 11 سبتمبر/أيلول، وهو أمر من غير المرجح على أي حال. في حال قيامها بالاستيلاء على سندات الخزانة السعودية لأسباب سياسية، فإن الولايات المتحدة تخاطر بإمكانية اتخاذ إجراءات مماثلة ضد الأصول التي تملكها في بلدان أخرى كما أنها سوف تتسبب في تقويض الدولار الأمريكي. ويبدو أن الولايات المتحدة لن تقدم على هذه الخطوة التي سوف تؤذيها في المقام الأول.
لذلك فإن التهديد السعودي يبدو أشبه ما يكون بخيار نووي يعد بدمار متبادل مؤكد للمملكة العربية السعودية وللولايات المتحدة وللاقتصاد العلمي ككل. وكما هو معلوم، فإن المملكة العربية السعودية تعاني ضغوطا مالية غير مسبوقة. التوقعات قاتمة فيما يتعلق بأسعار النفط ولا تزال احتمالات الانتعاش بعيدة جدا. في هذه الأثناء، تبدو المملكة العربية السعودية بحاجة إلى سن إصلاحات اقتصادية لزيادة الثقة في اقتصادها. وتشمل هذه الإصلاحات جهود الخصخصة والتدابير الرامية إلى جذب المستثمرين الأجانب. وتأمل الرياض أيضا في دعوة الأموال الأجنبية إلى سوق الأسهم السعودية، وتقديم جزء من شركة النفط السعودية لاستكتاب عام أولي. ولكي تؤتي هذه البرامج أكلها، فإن الاقتصاد السعودي يجب أن يصبح أكثر انفتاحا وشفافية: التدخلات والصفقات التجارية ذات الدوافع السياسية ينبغي أن يتم التخلي عنها لصالح نهج تكنوقراطي أكثر تركيزا.
وبطبيعة الحال، إذا كانت الرياض سوف تقدم على تصفية أصولها، فإن ذلك من شأنه أن يقوض جهودها لجلب الثقة إلى اقتصادها. الرياض تواجه بالفعل مقاومة اجتماعية وسياسية كبيرة للإصلاحات المخطط لها في حين أن المستثمرين الأجانب لا يزالون محجمين. في حال أقدمت الولايات ، ويبقى الأمر احتمالا بعيدا، على تجميد كمية صغيرة من الأصول السعودية فإن الرياض لن تتضرر كثيرا. تواجه البلاد تهديدا أكبر بكثير إذا فشلت في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المحلية التي تشتد الحاجة إليها.