محمد الساعد- عكاظ السعودية-
يعتب العرب كثيرا على آخر ملوك الأندلس، الذي بكى ملكه المنفرط، وهو هارب من غرناطة باتجاه المغرب العربي جنوبا، ويتندرون بمقولة أمه الشهيرة «ابك كما تبك النساء ملكا ضيعته ولم تحافظ عليه مثل الرجال».
المعاتبون أنفسهم لا ينظرون إلى أسفل أقدامهم اليوم، فخمسون مليون عربي الآن ما بين مشرد وقتيل، وست دول عربية هدت على رؤوس أهلها أو كادت.
فليبيا منقسمة إلى ثلاث دويلات فعليا، وتونس مفتتة بين تياراتها المتنازعة، وسوريا مستقبلها بين ثلاث أو أربع دول، واليمن يعيش حالة انفصال فعلية بين يمن شمالي وجنوبي.
فهل ما فعله الأندلسيون بملكهم قريب، أو شبيه بما فعله العرب اليوم بأنفسهم، لا يجب أن نقول إن الغرب تآمر علينا فقط، يجب أن نقول إنه استخدم أكثر السهام سما وخطورة ورمى بها في عقر ديارنا، فقتل من قتل، وأصاب من أصاب.
لقد كان لشباب اليسار وبقايا مطلقات الاشتراكية العربية، الدور الأكبر في قيادة مشروع التغيير الذي بدأ العام 2008.
الخطير أن الذي تحالف معهم في تحقيق مشروعهم الكبير، كان تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي وملحقاته، من تنظيم داعش إلى القاعدة وجبهة النصرة الإرهابية.
أصبح اليسار العربي رأس الحربة، والصاعق الذي فجر القنبلة الإسلاموية المتطلعة للحكم بأية وسيلة، في سعيها القديم المتجدد للانفراد بالسطلة، وهدم الدول القائمة، وإنشاء دول جديدة بمواصفات شذاذ الآفاق القادمين من جحور السياسة.
لا شك أن المشهد على الورق كان رومنسيا جدا، لكنه حال تطبيقه على الأرض أسال الدماء وفجر المدن، وحول دولا كاملة إلى مجرد بشر يهيمون على وجوههم في أصقاع الدنيا بحثا عن لقمة صغيرة وملجأ لهم ولأطفالهم.
اليوم يزور الرئيس أوباما المنطقة بعد ثمانية أعوام من حكمه، وبعد ستة أعوام من انطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد، أو الفوضى الخلاقة، أو الخريف العربي، سمها ما شئت، لكنه منتج أمريكي مئة بالمئة، مثله مثل الكوكاكولا، والهمبرجر بالجبن المفضل في مدن الغرب.
هذه الزيارة مليئة بالنتائج، قبل حتى أن تكون مليئة بالأجندات، فسورية تحتاج إلى إعادة تأهيل بعد إهمال وتغافل أمريكي متعمد في التعاطي معها، وليبيا باعتراف الرئيس أوباما نفسه، حققت سياساته فيها فشلا ذريعا، والعراق لم ينج من سياسة أمريكا سيئة السمعة منذ الغزو 2003 وحتى اليوم، فلا العراق بقي كما هو، ولا تحول لواحة ديموقراطية، كما وعودهم التي أطلقوها عشية الغزو.
وتونس الدولة المستقرة قبل 2010، تعيش اليوم أحد أسوأ أيامها، اقتصاد متراجع وشعب فقير، وجيوب لداعش تريد أن تخلق إمارة إسلاموية على حدودها الجنوبية.
الأدهى من ذلك كله، أن أمريكا غير قادرة على الانسحاب من الشرق الأوسط كما خططت، ولا تزال تحمل يدا مرتعشة في التعاطي مع هذا المخلوق المكون من 30 دولة ونصف مليار شخص، وتسكنه طوائف وعرقيات وديانات مختلفة.
على أمريكا أن تكون جادة في رسائلها فإما طلاق بائن لا رجعة فيه مع العرب، وإما تحالف جاد وحقيقي، تخفف فيه أمريكا من أخطائها، وتعالج ما ارتكبته في حق شعوب هذه المنطقة منذ إسقاط بغداد وحتى اليوم، لأن أنصاف الحلول والسياسات الرمادية لن تستطيع الصمود، ولا اختراق حالة الريبة والشك بين الجانبين.