بوليتيكو- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
سافر الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» مؤخرا للمملكة العربية السعودية فيما قد تصنف أنها آخر زيارته الخارجية، وربما أكثرها عقما. لا يعود ذلك فقط إلى الجهود التي يبذلها الكونغرس من أجل وضع السعودية قيد المساءلة عن الدعاوى القضائية لعائلات ضحايا أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
في هذه الأيام، عندما تنظر كل من الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى المنطقة، فإن كلا منهما يطالع مشهدا شديد الاختلاف ومجموعات متضاربة المصالح. ترى الرياض أن هناك سلسلة من الصراعات التي يجب على الولايات المتحدة التدخل لحلها وسلسلة من الدول الفاشلة التي يجب إعادة تأهيلها. يريد السعوديون أن يحصلوا على التزام من «أوباما» بالتصدي لإيران وتغيير ميزان القوى في الحرب الأهلية السورية على حساب «بشار الأسد» وحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
نظرة واشنطن، على النقيض، تبدو أكثر ضيقا وطموحاتها أكثر تقييدا بكثير. ولا تزال الولايات المتحدة ملتزمة تجاه حربها على الإرهاب في المنطقة اعتمادا على الطائرات بدون طيار. إنها تسعى لإضعاف «الدولة الإسلامية» ومنعها من الاستيلاء على المدن الاستراتيجية في العراق. وهي تأمل أن الاجتماعات الدبلوماسية التي تجري في فيينا يمكن أن تسهم بطريقة أو بأخرى في التوصل إلى اتفاق تهدئة للحرب الأهلية السورية.
الأكثر من ذلك أن «أوباما» لا يبدو أنه يحمل أي سياسة حقيقية جديدة للإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، بغض النظر عن تطورات صفقة إيران النووية التي لا تمثل أي إنجاز بالنسبة إلى السعودية المصابة بالرهاب تجاه طهران. «أوباما»، الذي أعرب مؤخرا عن ضيقه من حلفاء الولايات المتحدة الذين وصفهم بأنهم «راكبون بالمجان»، أي أنه ببساطة يرغبون في الحصول على مكاسب في المنطقة أكثر مما يقدمونه بالفعل. كما أنه أعرب أن رغبته أن تقوم المملكة العربية السعودية وإيران بتشارك النفوذ دون أن يعطي أي توضيحات عن كيفية فعل ذلك. وبعد استثمار الكثير، يبدو أن الإدارة الأمريكية لم تعد راغبة في استئناف جهودها لصنع السلام بين (إسرائيل) والكيان الفلسطيني. أمريكا ليس لديها الرغبة في بناء البلاد، حتى في تلك الدول التي أسهمت في تدميرها مثل العراق وليبيا.
وفي خضم جهودها المبذولة لاحتواء إيران، فإن الولايات المتحدة قد لا تصل إلى حد استئناف العلاقات مع إيران كما تخشى الأنظمة الخليجية، حيث يبدو أن الأمر لا يعدو كونه رغبة في الوصول إلى تكيف تكتيكي مع طهران في أماكن مثل العراق وعلى قضايا مثل التعامل مع «الدولة الإسلامية». بالنسبة إلى إدارة «أوباما»، فإن الاتفاق النووي مع إيران هو إنجازها التاريخي، الذي يجسد مزايا التواصل مع عدو لدود أيدولوجيا. ولعل هذه هي المرة الأولى التي لا تعارض فيها الولايات المتحدة توسع نفوذ الجمهورية الإسلامية في الخليج الحيوي.
ومن المهم أن نعزو هذه النبضات إلى الرئيس «أوباما» والملك «سلمان» على حدة. من ناحية، فإن ميل «أوباما» تجاه الدبلوماسية على حساب القوة وتشككه في مواجهة حلفائه التقليديين ورغبته في رأب الصدع مع خصومه التاريخيين ازدرائه لمنطقة الشرق الأوسط وأحلام التحول نحو آسيا، كلها أمور قد أثارت مخاوف العالم العربي. السعوديون من جانبهم ينظرون إلى محاولات الكونغرس السابق الإشارة إليها باعتبارها دليل آخر على أن واشنطن لم تعد تقدر التحالف معهم (رغم التهديد باستخدام الفيتو ضد القانون من قبل البيت الأبيض). عبر التهديد بسحب أموالهم من الولايات المتحدة، فإن السعوديين يرسلون رسالتهم الخاصة أنهم في طريقهم للتعامل مع التحالف بنفس الدرجة من الاستخفاف الذي تظهره الولايات المتحدة في تعاملها معهم.
كيف آلت العلاقة إذن إلى هذا الوضع من السوء؟ بادئ ذي بدء، فإنها لم تكن على ذات القدر المتخيل من القوة والصحة. لقد كان هناك دائما شيء غير منطقي حول التحالف بين الديمقراطية الليبرالية وبين نظام ملكي تقليدي يعتمد على الشرعية الدينية وعائدات النفط من أجل الحفاظ على نفسه. خلال الحرب الباردة، ساهمت كراهية الجانبين للاتحاد السوفيتي في إخفاء هذه الخلافات. خلال فترة ما بعد الحرب الباردة، ساهمت الاحتياطيات النفطية الهائلة للمملكة والحاجة إلى التعامل مع نظام «صدام حسين» مرة أخرى في إخفاء هذه التناقضات الأساسية التي سممت هذه العلاقة. ومع أحداث 11 سبتمبر/أيلول، أسهمت حقيقة أن 15 من إجمالي 19 من الخاطفين كانوا من السعوديين في ضرب العلاقة مرة أخرى، ولكن ذلك أيضا قد تم تغافله مع تركيز الولايات المتحدة من جديد على العراق، ثم جاء التمرد والمحاولات المستعصية لإعادة تشكيل عراق ما بعد «صدام حسين» لتستنزف المزيد من جهود الولايات المتحدة.
اليوم، فإن إدارة «أوباما» لا ترى عدوا تحتاج إلى الدعم السعودي من أجل احتوائه. كان إيران تشغل هذا الدور مؤخرا، ولكن واشنطن بدت منشغلة أكثر بالوصول إلى اتفاق للحد من التسلح في طهران. وقد دفع السعي إلى إيجاد حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في وقت ما، واشنطن نحو البحث عن شركاء عرب، ولكن هذه الطموحات النبيلة لم تعد تستحوذ على اهتمامات واشنطن كما كان في السابق. وفي الوقت الذي تتغير فيه أسواق الطاقة وتصبح الولايات المتحدة أكثر استقلالا فإن النفط السعودي يصبح أقل أهمية، ويصير النفط بشكل عام عاملا أقل إغراء للحفاظ على تحالف دائم قائم على أسس هشة. وعلاوة على ذلك، فإن الشكوك بأن السعوديين كانوا يخوضون المعركة على الوجهين بشأن الحرب ضد الإرهاب، خصوصا الدعم السعودي المزعوم لتنظيم القاعدة، قد عادت من جديد إلى الواجهة.
لا ينبغي للسعوديين أن يسلموا لفكرة أن تغيير شاغل البيت الأبيض مطلع العام المقبل سيغير هذا الاختلال الخطير في المصالح أو هذا التغير الملحوظ في السياسات الأمريكية. «أوباما» ليس شخصية فريدة داخل الحزب الديمقراطي ولكنه يعكس مزاجه العام الذي تسيطر عليه خيبة الأمل تجاه الشرق الأوسط. وحتى في مثل هذا العام المضطرب، فإن ناخبي الحزب الجمهوري قد أظهروا سأمهم الخاص من الحرب مما أجبر مرشحيهم الأساسيين على شجب الرؤى توسعية لتغيير الثقافة السياسية للشرق الأوسط، وغرس الأنظمة الديمقراطية في قلب العالم العربي. الحزب الجمهوري الآن هو حزب من الصقور غير التدخليين حيث يلتزم مرشحوه بتدمير «الدولة الإسلامية» دون السعي إلى معالجة الأسباب الكامنة التي تغذي الإيديولوجيات المتطرفة.
في الوقت الذي يخوض فيه الشرق الأوسط حقبة جديدة من الانتقال العنيف، فإنه سوف يفعل ذلك إلى حد كبير بدون الولايات المتحدة. ويبقى أن نرى ما إذا كان القرن سوف يكون القرن الأمريكي في أي مكان آخر حول العالم لكنه لن يكون كذلك في الشرق الأوسط. ويبدو أن ساسة الولايات المتحدة على الجانبين قد تعبوا من إنفاق الموارد الثمينة لتحقيق الاستقرار في المنطقة.
على السطح، فإن قمة الولايات المتحدة مع دول الخليج سوف تحظى بنصيبها من الإعلانات عن الصداقة. ومن المرجح أيضا أن يتبعها أيضا حزم من الصفقات العسكرية حيث سترغب بعض الدول الأقل كفاءة عسكريا في العالم في الإضافة إلى ترسانتها. ولكننا ينبغي أن نعي أنه، وفي الوقت الراهن، فإن أي حديث عن تحالفات تاريخية ومبيعات الأسلحة لن يمكنه رأب الصدع المتزايد في وجهات النظر بين الجانبين.