بروس رايدل- المونيتور-
في 11 أيلول/سبتمبر 2011، كنتُ في البيت الأبيض عندما نفّذ أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة هجوماً على الولايات المتّحدة الأميركيّة. وبصفتي مساعد الرئيس الخاصّ لشؤون الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، كنتُ مسؤولاً عن التعامل مع حكومة المملكة العربيّة السعوديّة، مسقط رأس بن لادن وموطن 15 شخصاً من الخاطفين التسعة عشر الذين نفّذوا الجريمة الجماعيّة في ذلك اليوم. ومنذ 11 أيلول/سبتمبر، أثير جدل كبير حول الدور المحتمل الذي اضطلعت به الحكومة السعوديّة أو المسؤولين الحكوميّين السعوديّين في التخطيط للهجوم أو تمويله أو تنفيذه. وقد أُبقيت 28 صفحة من تقرير أعدّه مجلس الشيوخ حول دور السعوديّة بعيد الاعتداءات سريّة لأكثر من عشر سنوات. ولم يحظَ تقرير حديث تطرّق إلى هذه المواضيع السنة الماضية بالاهتمام الكافي.
كانت العلاقات السعوديّة الأميركيّة في العام 2001 متوتّرة. أراد الرئيس جورج بوش دعوة وليّ العهد السعوديّ الأمير عبدالله إلى اجتماع قمّة في البيت الأبيض. فقد كان وليّ العهد يتولّى إدارة المملكة بسبب مرض الملك فهد. لكنّه رفض مقابلة الرئيس لأنّه كان مستاء من ميل بوش الواضح إلى إسرائيل أثناء الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية. وشعر وليّ العهد بأنّ بوش ينحاز إلى رئيس الحكومة الإسرائيليّة أرييل شارون في قمعه العنيف للانتفاضة الفلسطينيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزّة. في تلك السنة، سافرتُ مرّتين برفقة وزير الخارجيّة كولين باول لمقابلة الأمير عبدالله، مرّة في الرياض ومرّة في باريس، بغية شرح موقف الرئيس وحثّ وليّ العهد على المجيء إلى واشنطن. لكنّه رفض رفضاً قاطعاً. وفي أوائل أيلول/سبتمبر، كتب بوش رسالة لوليّ العهد أعلن فيها تأييده إنشاء دولة فلسطينيّة تتعايش بسلام مع إسرائيل، فتراجعت القيادة السعوديّة عن موقفها ووافقت على عقد اجتماع.
في علاقتي مع السعوديّين، كان محاوري الرئيسيّ الأمير بندر بن سلطان، السفير السعوديّ إلى واشنطن وعميد السلك الدبلوماسيّ في المدينة. تعرّفتُ إلى بندر وعملتُ معه منذ العام 1990. وكنتُ قد رأيته قبل الاعتداءات بأقلّ من 72 ساعة، وتحدُثتُ إليه مرّات متعدّدة بشأن أحداث 11 أيلول/سبتمبر بعد أن أصبحت الأخبار حول مسؤولية تنظيم القاعدة واضحة بالنسبة إلى الحكومة الأميركيّة.
وسرعان ما طالت الاتّهامات السعوديّين بشأن دورهم في التخطيط للاعتداءات و/أو تمويلها. واتُّهمت زوجة بندر، الأمير هيفاء الفيصل، بإرسال الأموال لاثنين من الخاطفين السعوديّين أقاما في سان دييغو أثناء التحضير للاعتداءات. وزعم زكريا موسوي، الذي أدين بتهمة الضلوع في الإرهاب وسُمّي الخاطف العشرين، أنّ بندر شارك في تمويل القاعدة إلى جانب الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعوديّة وشقيق الأميرة هيفاء. وأطلق موسوي ادّعاءات كثيرة أخرى، بما فيها أنّ السفارة السعوديّة شاركت في مؤامرة لإسقاط طائرة الرئيس الأميركيّ في عهد إدارة كلينتون. ودأب الإعلام على مهاجمة السعوديّين الذين نفوا كلّ تلك الاتّهامات وغيرها.
في العام 2004، نظرت لجنة التحقيق في اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر عن كثب إلى دور السعوديّة المحتمل في المؤامرة، ولم تجد أيّ أدلّة تثبت ضلوع الحكومة السعوديّة أو المسؤولين السعوديّين في الاعتداءات. واستنتج تقرير المحقّقين – الذي صدر بشكل منفصل – حول تمويل الاعتداءات ما يأتي: "على الرغم من التكهّنات العامّة المستمرّة، ما من أدلّة... على أنّ الأميرة هيفاء بن فيصل أرسلت أموالاً إلى الخاطفين بطريقة مباشرة أو غير مباشرة". (الغريب أنّ لجنة 11 أيلول/سبتمبر لم تتّصل بي أو تقابلني إطلاقاً).
لكنّ المسألة لا تزال تثير جدلاً كبيراً بما أنّ صفحات التقرير الثماني والعشرين لا تزال سريّة. وهناك تقرير آخر ذو صلة لم يحظَ سوى بالقليل من الاهتمام. في العام 2014، طلب الكونغرس من مكتب التحقيقات الفدراليّ إجراء مراجعة خاصّة بشأن طريقة تطبيقه توصيات التقرير الخاصّ باعتداءات 11 أيلول/سبتمبر. وطلب منه أيضاً مراجعة ما إذا كان هناك أيّ دليل جديد غير متوافر للجنة 11 أيلول/سبتمبر من شأنه أن يغيّر استنتاجاتها بشأن منفّذي الهجوم والجهات الداعمة لهم، إن وُجدت، في الحكومات الأجنبيّة.
فأنشأ مكتب التحقيقات الفدراليّ لجنة لتولّي هذه المهمّة. ووافق ثلاثة خبراء خارجيّين على ترؤس اللجنة، وهم المدّعي العامّ السابق أد ميس، وعضو الكونغرس السابق من ولاية إنديانا، تيم رومر، والبروفسور في جامعة جورج تاون، بروس هوفمان، الذي يُعتبر من أهمّ الخبراء في مجال الإرهاب في البلاد. ومنح مكتب التحقيقات الفدراليّ اللجنة نفاذاً كاملاً إلى سجلاته وموظّفيه. وراجعت اللجنة أيضاً وثائق تمّ ضبطها من تنظيم القاعدة منذ 11 أيلول/سبتمبر، بما في ذلك وثائق عُثر عليها في مخبأ بن لادن في أبوت آباد في باكستان، في أيار/مايو 2011 لرؤية ما إذا كانت تحتوي على معلومات جديدة. وتمكّنت أيضاً من النفاذ إلى المعلومات التي تمّ الحصول عليها من معتقلي القاعدة.
ونُشر تقرير لجنة مكتب التحقيقات الفدراليّ السنة الماضية وهو متوافر على شبكة الانترنت. وقد وجد أنّه "ما من معلومات جديدة تمّ الحصول عليها منذ تقرير لجنة 11 أيلول/سبتمبر الصادر سنة 2004 من شأنها أن تغيّر استنتاجات لجنة 11 أيلول/سبتمبر المتعلّقة بالمسؤوليات عن اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر".
ونظرت لجنة مكتب التحقيقات الفدراليّ التي تأسست سنة 2015 بشكل خاصّ إلى بعض الاتّهامات المتعلّقة بضلوع السعوديّين المزعوم ووجدت أنّها غير موثوقة. وبعد مراجعة الوثائق التي ضُبطت في أبوت آباد وغوانتانامو، استنتجت ما يأتي: "لا يبيّن أيّ من هذه الأدلّة وجود أيّ مشاركين إضافيّين في التخطيط لاعتداءات 11 أيلول/سبتمبر أو تنفيذها" عدا عن أولئك المذكورين في تقرير لجنة 11 أيلول/سبتمبر. وبالفعل، إنّ الوثائق الجديدة التي توافرت في العقد الماضي منذ تقرير العام 2004 "تعزّز وتدعم القضايا ضدّ المتآمرين" الذين حدّدتهم اللجنة في العام 2004. وجاء في تقرير العام 2004: "لم يجد فريق عمل اللجنة أيّ أدلّة على أنّ الحكومة السعوديّة كمؤسسة أو كمسؤولين أفراد بارزين تدعم تنظيم القاعدة أو دعمته عمداً". لكنّ اللجنة أشارت إلى أنّ تنظيم القاعدة نظّم حملات لجمع الأموال في داخل المملكة قبل 11 أيلول/سبتمبر وأنّ السلطات السعوديّة لم تتحرّك لمنع ذلك. وبالفعل، لم يعقد السعوديّون العزم على محاربة القاعدة في الداخل وفي الخارج إلا بعد أن أعلن بن لادن الحرب على العائلة الملكيّة سنة 2003 ونفّذ موجة من الاعتداءات الإرهابيّة في المملكة العربيّة السعوديّة. وكانت حملة مكافحة الإرهاب التي قضت على القاعدة في المملكة بقيادة وليّ العهد الحاليّ محمد بن نايف.
يُعتبر تقرير مكتب التحقيقات الفدراليّ تحقيقاً جدياً وموثوقاً بشأن الوثائق الجديدة المتوافرة لتسليط الضوء على اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر. وبالتالي، ينبغي أن يولى مزيداً من الاهتمام في النقاش حول ضلوع السعوديّين أو غيرهم في الاعتداءات. وبالطبع، ينبغي أن ترفع إدارة أوباما السريّة عن الصفحات الثماني والعشرين من التقرير القديم كي يطّلع الجميع على محتواها. وإذا كان هناك أيّ دليل يورّط السعوديّين، ينبغي التحقيق فيه بعمق... إلا أنّ ذلك يبدو مستبعداً.