علاقات » اميركي

عهد سلمان والإخوان المسلمين من التقارب إلى الفتور ..ماذا تغير؟

في 2016/05/20

منذ مجيء الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم عقب مبايعته في 23 يناير 2015 برزت عدة سياسات وقرارات ومواقف تشير إلى تطور نوعي في علاقة المملكة مع جماعة الإخوان المسلمين وعلاقة الرياض بالتيارات والأحزاب والقوى السياسية المنبثقة منها في عدة عواصم عربية أهمها مصر واليمن، وأشار مراقبون إلى أن عهد سلمان بمثابة صفحة جديدة لطي التوترات التي سادت العلاقة في ظل الملك الراحل عبدالله آل سعود، لدرجة اعتبار قرار تصنيف جماعة الإخوان كمظمة إرهابية بأنه معلق أو شبه مجمد، بفعل الأمر الواقع حيث تحسنت علاقة الرياض بحزب الإصلاح اليمني المتحالف معها ضد انقلاب الحوثي- صالح، وتحسن العلاقة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، والتراجع عن الدعم المطلق لنظام الانقلاب في مصر نظام السيسي.

إلا أن هناك عدة مؤشرات تصاعدت في الأشهر الأخيرة تنم عن فتور بل ربما توتر شديد، في العلاقة بين الإخوان والرياض، جاءت بشكل عكسي بدعم سلمان لنظام السيسي في زيارته الأخيرة، وغض الطرف عن محاولة الإمارات الشريك الأكبر في اليمن استئصال حزب الإصلاح والإسلاميين، وصولا إلى صدور حكم يستند إلى قرار تصنيف جماعة  الإخوان بالإرهابية وتفعيله لأول مرة.

مكمن الخطورة ليس فقط في قرار الإدانة الذي يجرم فكرا ولكن في المرجعية التي استند إليها فقرار تصنيف الإخوان ب"الإرهابية" ظل محل انتقادات شديدة ومحور توقعات بالتراجع عنه وليس تجديده، ويحمل القرار تداعيات خطيرة على علاقة السعودية بالجماعة وعلى دورها الإقليمي وموقفها من قطار المصالحات الذي توقعت أوساط سياسية أن تقوده الرياض في عدة دول، وعلى حربها ضد الإرهاب بسبب هذا الخلط بين الإسلام العتدل والتنظيمات الإرهابية.

هنا تبرز تساؤلات ليس بشأنها إجابات واضحة، هل تقف زيارة سلمان للقاهرة والتفاهمات الجديدة مع نظام السيسي وراء هذه الخطوة بإحياء قرار تصنيف الإخوان كمنظمة إرهابية، وهل يعكس ذلك تدشين مسار جديد لسياسة المملكة الخارجية تقوم على دعم الأنظمة في مواجهة المشروع الإيراني وليس دعم تيارات الإسلام السياسي المعتدل؟

 

 

إحياء تصنيف الإخوان بالإرهابية

بعد نحو عامين من تصنيف الحكومة السعودية لجماعة الإخوان المسلمين منظمة "إرهابية"، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة في الرياض أمس (الثلاثاء) حكماً قضائياً بالسجن أربعة أعوام والإبعاد عن البلاد في حق مقيم مصري، ثبتت إدانته بتأييد الجماعة خلال فترة حكم حزب «الحرية والعدالة» لمصر قبل الانقلاب عليه في 3 يوليو، كما أدين بتأييد منظمات مقاتلة في سورية، ومحاولة الالتحاق بها.

يعد هذا الحكم الأول من نوعه الذي يصدر بحق مؤيد لجماعة الإخوان المسلمين في السعودية. وكانت وزارة الداخلية السعودية صنفت في العام 2014 ثمان منظمات وسمتها بالإرهابية، هي «داعش» و«النصرة» و«الإخوان» و«حزب الله السعودي» و«الحوثيين» و«تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» و«تنظيم القاعدة في اليمن» و«تنظيم القاعدة في العراق».

السعودية والإخوان وبينهما القاهرة وأبوظبي

يأتي إحياء قرار تصنيف الإخوان بالإرهابية عقب زيارة وصفت بالتاريخية للملك سلمان إلى القاهرة، أنعشت العلاقات بين نظام السيسي والرياض، وشهدت تطورات نوعية واستراتيجية اعتبرت تجديد دعم للنظام بما يخصم من رصيد الطرف الآخر الممثل بالإخوان والحراك الثوري.

دعم يمد في عمر النظام "مذكرات تفاهم واتفاقيات بقيمة 25 مليار دولار" كحصاد زيارة الأيام الخمس للملك سلمان بن عبد العزيز إلى مصر، كما وقعت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية اتفاقية مع شركة «أرامكو السعودية»، قبل وصول الملك سلمان إلى القاهرة ببضعة أيام، لتوريد كميات من المنتجات البترولية لمدة 5 سنوات، بقيمة إجمالية 23 مليار دولار.

كذلك تم إعادة ترسيم الحدود البحرية وحصول السعودية على الجزيرتين المصريتين تيران وصنافير.

إعادة دعم الرياض لنظام السيسي تزامن مع غض الطرف عن محاولة الإمارات استئصال حزب الإصلاح المحسوب على الإخوان في اليمن، بحسب مراقبين، فقد واصل وزير دولة الإمارات للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، هجومه على إخوان اليمن، واتهمهم بالتحالف مع تنظيم القاعدة الذي كان يسيطر على مدينة المكلا كبرى مدن حضرموت.

وحذر الكاتب ياسين التميم في مقال له بعنوان "التحالف يسلك خط "الدّرونز" في اليمن" بصحيفة "عربي 21 " من أنه لم تعد أهداف الحرب تلك التي كنا نعرفها وهي إعادة الشرعية إلى البلاد وطرد المليشيا من المدن وتجريدها من سلاحها، بل استئصال المقاومة المحسوبة على الإصلاح والخط الوطني في الحركة السلفية، وكلاهما شكل عمادَ المقاومة وطليعتَها، وصاحب أهم الإنجازات الميدانية التي تحققت طيلة الفترة الماضية.

علاقة عكسية    

رصدت دراسة بعنوان "السياسات السعودية تجاه الإخوان في عهد الملك سلمان" للباحث "أحمد التَّلاوي" في 26 يناير 2016 نشرها "المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية" أن "فترة الملك سلمان الأولى، شهدت الكثير من علامات التغيير، ففي الأشهر القليلة التي تلت تولي الملك سلمان للحكم، بدا وكأن الحكم الجديد في الرياض، سوف يسعى إلى مصالحة بين الإخوان والنظام الانقلابي في مصر، وتصفية الأجواء ما بين مصر وكل من تركيا وقطر، وتسوية المشكلات مع أطراف عدة في الإقليم تنتمي إلى الإخوان المسلمين، بما في ذلك حركة حماس.

كما كانت أزمة الحوثيين في اليمن، فرصة من أجل استعادة بعض الأرض؛ حيث سعت الرياض إلى الاستعانة بحزب التجمع اليمني للإصلاح إخوان اليمن، في مواجهة التحالف الذي نشأ بين الحوثيين والرئيس اليمني المخلوع، علي عبد الله صالح، وعادت وجوه قيادات إخوان اليمن للتواجد مجددًا في المملكة، بعد فترة جفاء طالت لسنوات.

إلا أن الأسابيع الأخيرة من العام 2015م، شهدت الكثير من التحولات في السياسات السعودية في كلا الملفَّيْن، الإخوان والعلاقات مع النظام الانقلابي في مصر، فكلما تحسنت الثانية؛ تراجعت الأولى، والعكس صحيح؛ فكلما تحسنت العلاقات بين الرياض والإخوان، بأية صورة، وفي أي مجال داخلي أو خارجي؛ كلما ساءت العلاقات بين الرياض والقاهرة.

بين الحرس القديم والجديد؟

وتشير الدراسة إلى أنه في خضم هذه التطورات، ظهرت بعض الأمور التي تشير إلى أن سياسات الملك سلمان، لا تحظى بقبول كامل من الحرس القديم في النظام السعودي، في ظل الصورة الذهنية المترسخة هناك في شأن الإخوان المسلمين، كجماعة إصلاحية داعية للتغيير، ولذلك نجد أن النصف الثاني من العام 2015، حفل بالكثير من التقارب مع القاهرة، وتباعد بنفس الدرجة مع الإخوان المسلمين، حتى في اليمن، وكان للإمارات دور كبير في هذا الإطار.

فمع زيارة ولي ولي العهد وزير السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لمصر في يوليو وأكتوبر 2015، بناءً على دعوة مصرية، ذهبت العديد من التحليلات إلى القول بأن الزيارات وإعلان القاهرة الصادر عنها هما تأكيد على أن العلاقات بين البلدين جيدة، وأن الزيارات والإعلان جاء ليخرسا الألسنة والأقلام الإخوانية التي تتحدث عن فتور في العلاقات.وفي نفس الفترة تقريبًا، بنهاية صيف 2015م، شهدت السياسة السعودية تجاه الإخوان المسلمين، بعض التحولات الأخرى التي أدت إليها ضغوط من جانب القاهرة وأبوظبي، وكان من بين مؤشراتها الأهم، عزل نايف البكري من منصبه كمحافظ لعدن.

المصالح كلمة السر                

ثم اختُتم العام الأول لحكم الملك سلمان-بحسب الدراسة نفسها- بسلسلة من الارتكاسات على ما بدأ به إزاء ملفات الربيع العربي والإخوان المسلمين، وكذلك العلاقات مع النظام الانقلابي في مصر. ولعل أهم هذه الارتكاسات، هي تلك المتعلقة بقرارات الدعم الاقتصادي لمصر التي أطلقها الملك سلمان خلال القمة العربية – اللاتينية الرابعة، في الرياض في نوفمبر 2015، ومن بينها ضخ مليارات جديدة كاسثتمارات في الاقتصاد المصري، ودعم البرنامج المصري لتوفير الوقود، لمدة خمس سنوات.

أول ما يمكن استنباطه من نتائج، أن المصالح كانت هي كلمة السر في توجيه السياسات السعودية، وخلصت الدراسة إلى أنه كانت مصالح الرياض هي التي حركت الملك سلمان أولاً في محاولة لدمج الإخوان المسلمين في معادلة صراعات وأزمات المنطقة، كعامل إسناد، وكانت هي كذلك التي دفعت إلى الابتعاد الذي قد يراه البعض مفاجئًا، ولكنه كان متوقعًا، في فترة ما بعد صيف دافئ في العلاقات السعودية – الإخوانية؛ حيث رأت الرياض أن تحالفاتها مع الحكومات والأنظمة القائمة في المنطقة أفضل، في ظل طبيعة الصراع مع إيران، والذي يتطلب دولاً لمحاصرة مشروعها الإقليمي، بينما لا تصلح الجماعات والتنظيمات على غرار الإخوان المسلمين، وأذرعها القُطْرية، مثل حركة المقاومة الإسلامية حماس، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، إلى مثل هكذا مهام، إلا في مهام محددة، كأن تلعب أدوارًا كميليشيا مسلحة.

والجناح المهيمن حاليًا على السياسة السعودية، هو ذلك الذي يقوده الأمير محمد بن سلمان، وهو – بحسب العديد من التقارير الغربية، لم يزل شابًّا طموحًا، طامعًا في المزيد من السلطة، وبالتالي، ولئن كان هناك موقف سلبي للنظام السعودي من الإخوان باعتبار أنهم يطرحون خطاب التغيير والإصلاح؛ فإنه، وفي ظل تطورات ما بعد الربيع العربي، وطموحات الأمير سلمان؛ سوف يكون العداء والانفصال هو الاحتمال الأكيد في العلاقة بين الرياض وبين الإخوان.

شؤون خليجية-