كشفت مجلة «بوليتيكو» الأمريكية، يوم الجمعة، أن السعودية وزعت وثيقة على أعضاء الكونغرس الأمريكي تشرح من خلالها جهودها في مكافحة الإرهاب؛ والتي تضمنت مراقبة 20 ألف مسجد في المملكة، وإغلاق 400 ألف موقع إلكتروني «متشدد».
واعتبرت المجلة، في تقرير لها اطلع عليه «الخليج الجديد»، هذه الوثيقة خطوة تأمل السعودية من ورائها أن تغير تصورات الأمريكان التي تعتبر أن المملكة لم تفعل شيئا يذكر لمحاربة المتطرفين.
الوثيقة تضم 104 صفحة، وتقدم حسابا شاملا للجهود السعودية ضد الإرهاب، وتغطي ثلاثة مجالات رئيسية هي: الإجراءات الأمنية التي تستهدف الإرهابيين، والضوابط المالية المصممة لعرقلة تمويلهم، والجهود المبذولة لانهاء التطرف في المساجد والمدارس وغيرها من المحافل العامة.
«بوليتيكو» قالت إن هذه الوثيقة هي «جزء من حملة علاقات عامة أوسع تهدف من ورائها السعودية إلى التصدي لانتقادات متزايدة توجه للمملكة في واشنطن».
وأضافت: «يأتي هذا الجهد السعودي من العلاقات العامة قبيل قرار مرتقب بإلغاء السرية عن 28 صفحة، كانت ضمن تقرير من مئات الصفحات أعدته لجنة تحقيق مستقلة في هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2011، وتدور تلك الصفحات حول العلاقة المحتملة للنظام السعودي بتلك الهجمات».
وفي وثيقتها، التي تم توزيعها على أعضاء الكونغرس، أمس الأول الخميس، قالت السعودية إنها «اليوم واحدة من الدول الرائدة في مجال مكافحة الإرهاب وتمويله، وتعمل عن كثب مع حلفائها على جميع الجبهات».
وأضافت الوثيقة: « المملكة تعاني من الإرهاب تماما مثلها مثل الولايات المتحدة، وتخوض منذ أكثر من عقدين الحرب ذاتها على الإرهاب كشريكتها الولايات المتحدة».
وكانت هجمات 11 سبتمبر/أيلول هزت أرجاء الولايات المتحدة؛ حيث قام 19 مهاجما باختطاف أربع طائرات مدنية وتوجيهها لتصطدم بأهداف محددة نجحت في ذلك ثلاث منها؛ حيث اصطدمت طائرتان ببرجي مركز التجارة الدولية، في مدينة نيويورك، واصطدمت طائرة ثالثة بمقر وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) في ولاية فيرجينيا، بينما سقطت طائرة رابعة في ولاية بنسلفانيا قبل الوصول غلى هدفها بضرب مبني الكونغرس في واشنطن.
وسقط نتيجة لهذه الأحداث 2973 قتيلا، بينهم 24 مفقودا، إضافة لآلاف الجرحى والمصابين بأمراض جراء استنشاق دخان الحرائق والأبخرة السامة.
ورغم أن 15 من منفذي هذه الهجمات كانوا سعوديين، «نفت الحكومة السعودية بشدة أي ضلوع لها في الهجمات، بينما لم توجه الولايات المتحدة بشكل رسمي مطلقا اتهامات في هذا الصدد لحليفتها المهمة والغنية بالنفط»، حسب «بوليتيكو».
وتضيف المجلة الأمريكية: «في الواقع، مدح المسؤولون الامريكيون السعوديين على ما قدموه من مساعدة في محاربة الجماعات الإرهابية مثل تنظيم القاعدة، والتي تهدف للاطاحة بالأسرة الحاكمة في السعودية».
وتابعت: «ومع ذلك، لا تزال هناك شكوك بأن هناك مستوى معين من التدخل السعودي الرسمي في هجمات 2001، وفقط هذا الاسبوع أقر مجلس الشيوخ بالإجماع مشروع قانون يجعل من السهل على عائلات ضحايا 11/9 مقاضاة السعودية إذا تأكد تورط رسمي سعودي في الهجمات».
وعن الوثيقة السعودية، قالت المجلة إنها تحدد مجموعة من الإجراءات التي اتخذتها حكومة المملكة، بمفردها أو بالتنسيق مع حلفائها في المنطقة، لمحاربة التطرف؛ والتي تلت هجمات إرهابية شهدتها المملكة في مايو/أيار 2003 ومايو/أيار 2004.
على سبيل المثال، تذكر الوثيقة أن الحكومة السعودية تراقب 20 ألفا من بين 70 ألف مسجد في المملكة، وتوضح الخطوات التي اتخذتها الحكومة ذاتها لضمان عدم تمويل الجمعيات الخيرية للإرهاب، وتقول إن السلطات السعودية أغلقت ما يقرب من 400 ألف موقع إلكتروني «بهدف منع محتواها الهجومي؛ بما في ذلك مواقع دينية متشددة تنتهك مبادئ الإسلام والأعراف الاجتماعية».
أيضا، تضمنت الوثيقة جدولا زمنيا للهجمات الإرهابية والاعتقالات التي طالت الإرهابيين في السعودية خلال الفترة من 2003 و2016، وتشمل مقتل ضابط أمن سعودي في 5 أبريل/نيسان الماضي على يد شبكة تابعة لتنظيم «الدولة الإسلامية».
وتعتمد الوثيقة بشكل كبير على مصادر معلومات أمريكية، بما في ذلك وزارة الخزانة، ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
ورأت المجلة أنه «من الصعب التنبؤ بما إذا كانت هذه الوثيقة يمكن أن تفعل الكثير لتبديد الاستياء في أمريكا من السعودية من عدمه، خصوصا خلال موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية الذي شهد عودة المخاوف من التطرف الإسلامي إلى الواجهة».
وتعليقا على ذلك، قال «جون ألترمان»، محلل شؤون الشرق الأوسط في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»إن «بعض المشاعر المعادية للسعودية في الولايات المتحدة تأتي من سوء الفهم للمملكة، لكنها متأصلة في الواقع».
وأضاف إن الوثيقة التي تم توزيعها على أعضاء الكونغرس يمكن أن تحاجي بعض الاتهامات الموجهة للسعودية، «ولكن لا أستطيع أن أتخيل أنها ستحول الأعداء إلى أصدقاء، وأود أن لا نقلل من اتساع وعمق قلق الأمريكيين من أن السعودية تجعل الولايات المتحدة أقل أمنا».
وكان عدد من أسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول سلكوا مسلكا قانونيا لمقاضاة الحكومة السعودية على خلفية تلك الهجمات، زاعمين أن نظام آل سعود أعطى دعما بطريقة أو بأخرى للأشخاص الـ19 الذين قاموا باختطاف الطائرات المشاركة في تنفيذ الهجمات.
وبينما يمنع القانون الأمريكي المضي قدما في تحريك مثل تلك الدعاوي القضائية، يدرس الكونغرس، في الوقت الراهن، تمرير تشريع للسماح بمتابعة هذه الدعاوى قضائيا، بينما تحشد الإدارة الأمريكية الدعم لإفشال إقرار هذا التشريع. ووافق على هذا التشريع مجلس الشيوخ، الأسبوع الماضي، بينما يصوت عليه مجلس النواب في وقت لاحق.
وفي تصريحات صحفية سابقة، قال «جيم كريندلر»، أحد المحامين الذين يمثلون ضحايا هجمات الـ11 سبتمبر/أيلول: «إذا ما حدث وتكشفت كافة المعلومات وتم تمرير القانون، سنستطيع المضي قدما في مقاضاة السعوديين».
وكانت تقارير صحفية ذكرت، مؤخرا، أن السعودية أبلغت إدارة «أوباما» وأعضاء الكونغرس بأنها ستبيع وتُصفّي أصولاً أمريكية تملكها المملكة، وتُقدر بمئات المليارات من الدولارات، إذا ما أقر الكونغرس مشروع القانون هذا.
وخلصت «لجنة التحقيق» التابعة للكونغرس فى أحداث 11 سبتمبر/أيلول فيما يتعلق بالسعودية إلى نتيجة مفادها «استبعاد تورط كبار المسؤولين السعوديين أو جهات حكومية سعودية فى تمويل تنظيم القاعدة».
ترجمة عن مجلة «بوليتيكو»