علاقات » اميركي

التعاون الثنائي في مكافحة الإرهاب والتغيرات في القيادة السعودية

في 2016/05/30

شهادة أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، «اللجنة الفرعية حول الإرهاب ومنع الانتشار النووي والتجارة»

"رئيس اللجنة بو، العضو الأقدم كيتينغ، أعضاء اللجنة المحترمون، إنه لشرف وامتياز لي المثول أمامكم اليوم. لقد كتبت عن المملكة العربية السعودية، وخاصة عن أفراد العائلة المالكة المعروفة باسم آل سعود، لفترة دامت أكثر من عشرين عاماً. ويمكن القول، بأنني أنشر عن المملكة العربية السعودية - عشرة تحاليل حتى الآن هذا العام - أكثر من أي شخص آخر. ولديّ أيضاً سمعة في كتابة تقارير مفصلة، وهو ما يفسر ربما لماذا لم تُمنح لي أبداً تأشيرة سفر لزيارة المملكة العربية السعودية، على الرغم من أنني قد سافرت كثيراً في بقية دول الشرق الأوسط.

أود أن أستعرض عدة طرق أو نماذج يمكن من خلالها النظر إلى المملكة العربية السعودية.

أولاً، تَعتبر المملكة العربية السعودية نفسها زعيمة العالم الإسلامي وأحد قادة العالم العربي، إن لم نقل زعيمته الأولى، وبحكم كونها أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، قائدة عالم الطاقة. ومن بين هذه الأدوار القيادية، يُعتبر الدور الإسلامي، من منظور السعودية، الأهم إلى حد بعيد. فالمملكة العربية السعودية تضم اثنين من أقدس الأماكن في الإسلام، هما مكة المكرمة والمدينة المنورة. ويشكل ضمان سلامة الحجاج المسلمين - الذين يعترفون بالتالي بالقيادة السعودية - هاجساً أساسياً.

ثانياً، هناك ثلاثة عناصر أساسية تتقاسم السلطة في المملكة العربية السعودية وهي: آل سعود و"هيئة كبار العلماء" والنخبة التي تتعاطى الأعمال التجارية/النخبة التكنوقراطية. ويُعتبر العنصران الأخيران، أي "هيئة كبار العلماء" ومجتمع الأعمال، خصمين. ويتوجب على العائلة المالكة موازنة التنازلات التي تقدمها لأحد هذين الفريقين مع تلك التي تقدمها للفريق الآخر. وبصورة مجازية، يمكن تشبيه ذلك بمثلث. لكل مجموعة زاويتها من المثلث إلا أن المثلث يعيش حالة توتر دائمة، بحيث تتغير ملامحه باستمرار فيما تسعى مجموعة أو أخرى إلى تحقيق مصالحها على حساب الأخرى.

ثالثاً، أوجز سفير بريطاني فترة خدمته في المملكة عند انتهائها عام 1984 على نحو لافت، إذ اعتبر أن الصفات الأساسية للمملكة هي "عدم الكفاءة والتقوقع والإسلام". كان ذلك السفير يحب السعوديين ولكن يراهم "عاجزين وغير منظمين وغير متفانين". بالإضافة إلى ذلك، أشار السفير إلى أن السعوديين يعتبرون أنفسهم مختلفين عن باقي العرب، وهي نظرة متبادلة لدى العرب غير السعوديين. وفي إشارة إلى الأجانب من غير العرب في المملكة، كتب السفير: "لا يكترثون فعلياً بالأجانب". وفي الواقع، يتطلع السعوديون إلى الداخل نحو عائلتهم الصغيرة والموسعة، ما يجعلهم محافظين بشكل عام. وختم السفير معتبراً أن الإسلام هو السمة الأساسية للمملكة كما أنه مصدر قوة لها على الصعيد الاجتماعي.

لقد حدثت أمور كثيرة منذ أن كتب السفير تلك الكلمات قبل ثلاثين عاماً أو أكثر. وأنا أسأل بانتظام أصدقاء يقصدون المملكة ما إذا كان تقديره الأساسي خاطئ اليوم. ويبدو لي من خلال تعليقاتهم أن جوهر ملاحظاته ما زال صائباً.

إلى جانب الإسلام، يؤثر التاريخ أيضاً، لا سيما التاريخ الحديث، بشكل ملحوظ على طريقة تفكير السعوديين. إن الحدثين الأكثر أهمية في ذاكرة السعوديين يعودان إلى عام 1979.

ففي شباط/فبراير من ذلك العام، أطاحت الثورة الإسلامية في إيران بالشاه ووضعت السلطة بيد نظام ديني من المسلمين الشيعة، التي هي طائفة الأغلبية في إيران. وكونهم شيعة، لطالما كانوا عبر التاريخ أخصاماً للمسلمين السنة مثل السعوديين. وقد أدى انتصار الشيعة في إيران إلى تقوية الأقليات الشيعية في الشرق الأوسط، في لبنان والعراق والبحرين وكذلك المملكة العربية السعودية، وهي دول كان فيها الشيعة عادةً بمثابة مواطنين من الدرجة الثانية فعلياً. كما أن الاختلاف العرقي للإيرانيين كونهم بمعظمهم من الفرس وليس من العرب، يلعب أيضاً دوراً مهماً.

وفي وقت لاحق من ذلك العام، بالتحديد في تشرين الثاني/نوفمبر 1979، استولى مسلحون سنّة على المسجد الحرام في مكة المكرمة، باعتراضهم على شرعية آل سعود. ومر أسبوعان قبل أن يستعيد الجنود السعوديون السيطرة على المسجد، في أعقاب تقديم المساعدة الضرورية من القوات الخاصة الفرنسية مما اعتُبر أمراً محرجاً.

ومنذ ذلك الحين، توجّب على آل سعود القتال على جبهتين متناقضتين: مكافحة الأذى الإيراني على المستوى الإقليمي، بما في ذلك الدعم المقدم للأقلية الشيعية في السعودية، والتعامل في الوقت نفسه مع المتطرفين السنّة، بمن فيهم الجهاديين المحتملين في الداخل.

أما الأحداث الأخرى فقد كانت على الأقل جزئياً ناتجة عن أفعال المملكة أو عن تقاعسها. نذكر منها الهجوم الذي طال مجمعاً سكنياً عسكرياً أمريكياً في "الخُبر" عام 1996 (على يد مقاتلين شيعة) وهجمات 11 أيلول/سبتمبر (على يد مقاتلين سنّة) والهجمات التي استهدفت مجمعات سكنية للأجانب في الرياض عام 2003 (أيضاً على يد مقاتلين سنّة) وفوضى "الربيع العربي"، حيث أرادت الرياض تغيير النظام في سوريا واليمن ولكنها استاءت من إطاحة الرئيس مبارك في مصر. وما زالت المملكة تشعر بالتوتر وبنوع من الذعر تجاه إيران وتخشى بشدة العواقب الإقليمية للاتفاق النووي الإيراني من عام 2015 وتشعر بالخيبة إزاء أسلوب القيادة الذي ينتهجه الرئيس أوباما.

ولهذه السلوكيات السعودية انعكاسات كبرى على السياسة الأمريكية. فالمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة حليفتان منذ عقود والولايات المتحدة تُعتبر أهم حليف غير عربي للمملكة، خصوصاً في ما يتعلق بردع التهديدات الخارجية ضد آل سعود. وبينما تتنوع دوافع واشنطن إلا أنها تتمحور حول الحاجة لضمان الاستقرار في منطقة تُعد مركز عالم الطاقة والعالم الإسلامي أيضاً، وهما قضيتان تصدرتا عناوين الصحف لعقود من الزمن على خلفية الاختلال والاضطرابات المرتبطة بهما. فانعدام الاستقرار في المنطقة يهدد أيضاً حلفاء آخرين للولايات المتحدة ومصالح أمريكية أخرى. وما زالت الأراضي الأمريكية هدفاً محتملاً للإرهابيين والمخططات الإرهابية النابعة من الشرق الأوسط.

ويتمثل التحدي الرئيسي في العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب بوجود نقاط اختلاف حول التركيز والتوجه أكثر من أي وقت مضى، مما قد ينطبق حتى على الحلفاء المقربين. ففي ما يتعلق باليمن، تعتقد واشنطن أن العمل العسكري بقيادة السعودية الذي بدأ منذ أكثر من عام، قد أسيء فهمه ولن يفضي إلى أي نتيجة [إيجابية]. فضلاً عن ذلك، بالغت الرياض بدور إيران في دعم المتمردين الحوثيين. بالإضافة إلى ذلك، تتمثل وجهة نظر الولايات المتحدة، بأنه عوضاً عن التوجه نحو تهدئة الأوضاع المتوترة بين طهران والرياض، يبرز خطر التصعيد. ومن المثير للاهتمام في هذا السياق أنه في سيرة الرئيس أوباما التي نُشرت مؤخراً في مجلة "ذي أتلانتيك"، تعرضت المملكة العربية السعودية لانقادات أشد وطأة وأكثر من أي دولة أخرى، سواء أكانت حليفة أم لا.

وهناك قضية رئيسية بالنسبة للولايات المتحدة ودول أخرى، وهي أنه وفقاً للنظرة السعودية تجاه الأمن الداخلي، يتم تحديد التهديدات على نطاق واسع، انطلاقاً من الإرهاب ووصولاً إلى الرسائل النصية. وفي الواقع، يتم التعامل مع مناصري ما تعتبره دول أخرى "حرية التعبير" بالطريقة ذاتها وفي المحاكم الخاصة ذاتها المعتمدة مع من يمارس العنف ضد الحكومة. وقد تكون عقوبة هؤلاء شديدة القسوة وحتى اعتباطية. على سبيل المثال، تَضايق الرأي العام الدولي إلى حد كبير من إعدام ما لا يقل عن 47 رجلاً على خلفية تهم إرهابية متنوعة في 2 كانون الثاني/يناير من هذا العام، علماً أن بعضهم كان محكوم عليه بالإعدام منذ عدة سنوات. وكانت الغالبية العظمى منهم من السنّة المرتبطين بتنظيم «القاعدة» أو تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أن أربعة من الذين أُعدموا كانوا من الشيعة، بمن فيهم الواعظ المتشدد نمر النمر. وفي خطوة تهدف على ما يبدو إلى إظهار نوع من الإنصاف، تُقدّر نسبة السنّة إلى الشيعة الذين يعيشون في المملكة العربية السعودية بثلاثة وأربعين إلى أربعة.

أما توقيت عمليات الإعدام فكان بمثابة رسالة إلى المتطرفين الشيعة المدعومين من إيران، بالإضافة إلى الجهاديين السنّة، مفادها أن المملكة العربية السعودية ستتعامل مع الإرهاب بقبضة من حديد. بيد أن الرياض لم تتوقع على الأرجح أن يكون رد الفعل بهذه القوة، إذ قام غوغاء إيرانيون، بدعم شبه مؤكد من السلطات، باقتحام مبنى السفارة السعودية في طهران وإحراقه. وما كان من الرياض إلا أن قطعت علاقاتها الدبلوماسية على الفور مع إيران، مشجعةً بذلك حلفائها العرب على القيام بالمثل، إلا أن معظم تلك الدول اكتفت بسحب سفرائها، في خطوة عكست تشتتاً لم تغفل إيران عن ملاحظته.

وفي السنوات الأخيرة، لطالما وصفت المملكة العربية السعودية علناً علاقتها مع الولايات المتحدة في مجال التعاون في مكافحة الإرهاب بعبارات مبتذلة، كما لو أن أي تلميح إلى النقد الصريح يأتي بنتائج عكسية. ولكن هذه العلاقة اكتست بعداً جديداً ومعقداً منذ تغيّر القيادة في المملكة في كانون الثاني/يناير 2015، عند وفاة الملك عبدالله. فقد كان هذا الأخير القائد المؤثر على مدى عشرين عاماً، غير أنه لم يصبح الملك الفعلي إلا في عام 2005. وقد خلف الملك عبدالله أخيه غير الشقيق سلمان، الذي عَيّن في البداية أخ غير شقيق آخر له يدعى مقرن ولياً للعهد، كما عَيّن ابن أخيه محمد بن نايف ولياً لولي العهد. ولطالما كان محمد بن نايف مفضلاً لدى واشنطن وقد لُقّب بـ "رجل مكافحة الإرهاب"، كما يحظى بتقدير كبير كونه قد نجا من هجوم انتحاري في عام 2009 من دون أن يمسه أي أذى تقريباً، على الأقل من الناحية الجسدية.

ولكن في نيسان/إبريل 2015، وبعد مضي ثلاثة أشهر على تبوؤ سلمان السلطة، طرأ تغيير على خط الخلافة السعودية. فقد تم إقالة الأمير مقرن، ومع أنه استُبدل بالأمير محمد بن نايف كولي للعهد، إلا أن الخطوة اللافتة كانت اختيار أحد أبناء الملك سلمان الأصغر سناً، وهو محمد بن سلمان، الذي يبلغ بالكاد ثلاثين عاماً، لشغل المنصب الثالث الشاغر في المملكة.

وما زال الملك سلمان، الذي بلغ الثمانين هذا العام، يكثر من إطلالاته العلنية، على الرغم من التقارير التي تفيد بأنه يعاني من مجموعة واسعة من المشاكل الصحية. وثمة شك ضئيل حالياً بأن العاهل السعودي يريد أن يكون ابنه محمد بن سلمان الملك القادم بدلاً من محمد بن نايف. كيف سيتم ذلك ومتى وما هي النتائج المترتبة عنه؟ كل ذلك ضرب من التخمينات. وفي غضون ذلك، يُعتبر محمد بن سلمان مسؤولاً عن السياسة الاقتصادية، بما فيها السياسة النفطية، وهو وزير الدفاع الذي يدير الحرب في اليمن. أما محمد بن نايف، الذي يناهز السادسة والخمسين عاماً وفقاً لبعض التقارير، فما زال وزير الداخلية ويترأس اجتماعات الحكومة الأسبوعية في غياب الملك، إلا أن سلطته ونفوذه ينحسران على ما يبدو، في حين يلعب ابن عمه محمد بن سلمان، الأصغر منه سناً بكثير، دوراً متعاظماً في كافة القضايا الأساسية بالنسبة للرياض. فرجل واشنطن المفضل، محمد بن نايف، قد نُحي جانباً.

وفي هذا الوقت، لا بد من التخلص من الوسائل المجرّبة والمختبرة لفهم سياسات السلطة الخاصة بالعائلة المالكة السعودية. ولطالما قيّم آل سعود عامل السن (أي الأقدمية) والخبرة في ما يتعلق بالمناصب القيادية. وقد جوبهت الخلافات والخصومات بالحاجة الظاهرة للإجماع ولجبهة علنية مشتركة تُعرض أمام الدولة والعالم. إلا أن محمد بن سلمان يفتقر لعامل السن والخبرة كونه لا يتجاوز الثلاثين عاماً. فضلاً عن ذلك، منذ أن أصبح والده ولياً للعهد عام 2012 وأصبح محمد بن سلمان المسؤول عن بلاطه الملكي، تعددت الروايات بشأن تكتيكات محمد بن سلمان الاستبدادية تجاه أنسبائه/ أبناء عمومته في العائلة المالكة، وبالتالي، فمن المشكوك فيه أن تحظى ترقيته الأخرى بدعم كبير من قبل العائلة المالكة على نطاق أوسع.

وبالتالي، نحن نواجه مستقبلاً يتسم بعدم اليقين. فقد تم تهميش حليف واشنطن الأساسي في قضايا مكافحة الإرهاب، محمد بن نايف، على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك، إلا أن الحاجة لشراكة فعالة في مجال مكافحة الإرهاب أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى. كما أن الرياض لا تثق بمقاربة واشنطن تجاه [الدولة] التي تشكل بحد ذاتها، بالنسبة إلى الجانب السعودي، نصف مشكلتها الإرهابية على الأقل، ألا وهي إيران.

وفي ظل هذه الظروف، لا يمكن للولايات المتحدة أن تعتبر شراكتها الحالية مع المملكة العربية السعودية في مجال مكافحة الإرهاب من المسلمات. وبالرغم من الخلافات والإهانات العلنية، لا بد من تكييف العلاقة بين الدولتين بحيث تتم المحافظة على جوهرها مع استمرار حالة عدم اليقين على الصعيد السياسي حول السلطة الفعلية في بيت آل سعود".

سايمون هندرسون-