علاقات » اميركي

العلاقات الاميركية السعودية وتعميق الهوة

في 2016/05/31

راصدالخليج - دايلي تايمز

ربما ينظر مؤرخو الولايات المتحدة في المستقبل الى رئاسة باراك أوباما باعتبارها تحفة السياسة الخارجية، والتي ابتعدت عن التحالفات التقليدية في وقت تسعى فيه للتقارب مع الخصوم. وذلك من خلال التمحور نحو آسيا والمحيط الهادي، وأيضا إعادة توجيه الاهتمام القومي نحو صعود الصين كقوة عسكرية بدلا من إدارة حركة القوة في الشرق الأوسط. هذا الهوس الأمريكي مع الصين لا يمكن تفسيره، ودعونا نكون صرحاء، إذا أخذنا بعين الاعتبار ثبات بكين وقيمتها التجارية الثنائية والتي تقدر بأكثر من نص ترليون دولار، فبالرغم من ذلك لم تعد حماية الخام العربي أعلى أولويات واشنطن.

إن زيادة إنتاج النفط الأمريكي من الصخر الزيتي قد تكون سببا واحدا. ومثال آخر هو الاندفاع العالمي نحو الطاقة الخضراء لتجنب كارثة تغيير المناخ. فإذا كان حرق الوقود الحفري بالمعدل الحالي لنصف قرن آخر سيستهل يوم القيامة، فقد يتبين أن القوى العظمى ستوقف المحاربة عليها في العقد المقبل. ومن المفارقات، وخلال ثماني سنوات من تولي الرئيس أوباما مقاليد الأمور، توترت علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها بالمملكة العربية السعودية وإسرائيل حتى أنه جنح للسلم مع أنظمة معادية في كوبا وإيران.

لقد اشتكى السعوديون منذ فترة طويلة من أن أوباما يبطئ من حركة الحل العسكري اللازم للحرب الاهلية في سوريا، وذلك رغم وجود أدلة واضحة أن وكيل آية الله، الرئيس السوري بشار الأسد لن يتخلى عن السلطة طواعية. ولسوء الحظ بالنسبة لهم، أن روسيا تقدم المساعدات للأسد لصد المعارضة السورية المسلحة مما جعل أوباما على قناعة بأن أحذية الولايات المتحدة على أرض سوريا يمكن أن تؤدي إلى صراع أكبر وهو ليس لديه شهية لذلك. خاصة أن هناك ضربات للتحالف ضد مسلحين تنظيم الدولة تجري على قدم وساق. وعلاوة على ذلك، تحتاج واشنطن لتعاون موسكو وطهران كي تستعيد المناطق الخاضعة لحكم تنظيم الدولة في العراق وسوريا حتى وإن كانت غير مستعدة للاعتراف علنا بذلك. والهدف بالطبع، هو منع الهجمات التي حدثت في باريس أو بروكسل من أن تحدث على الأراضي الأمريكية.

والأكثر إثارة للدهشة، هو تحول رأي الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول الرياض بين المشرعين الأمريكيين بشكلي سلبي حاد في الأشهر الأخيرة، وهو أمر لم يكن يتصور خلال سنوات حكم بوش. وما أن انتهى السعوديون من تجرع علقم أوباما واصفا إياهم “المستفيدين بالمجان” في الحرب العالمية ضد الإرهاب، وبموافقة مجلس الشيوخ الأمريكي في 17 مايو على مشروع قانون يسمح لعائلات ضحايا 9|11 برفع دعوى قضائية ضد المملكة العربية السعودية لدورها المزعوم في الهجمات الإرهابية. وبرعاية السناتور الجمهوري جون كورنين وزميله الديمقراطي تشاك شومر، كان العدل ضد رعاة قانون الإرهاب (JASTA) حالة نادرة من الوحدة داخل المجلس التشريعي المنقسم إلى حد كبير.

 

ومع ذلك، فالسعوديون على علم بما هو آت حيث قام وزير الخارجية عادل الجبير في مارس بتوعد واشنطن بسحب استثمارات بقيمة 750 مليار دول داخل ممتلكات أمريكية إذا أصبح المشروع قانونا. وأشار أوباما نفسه مرارا إلى أنه سيستخدم حق الفيتو ضد المشروع حتى وإن كان تم تمريره من خلال مجلسي النواب والشيوخ، وأخبر السكرتير الصحفي للبيت الأبيض جوش أرنست الصحفيين مؤخرا، أن السماح بمرور القانون من شأنه “جعل الولايات المتحدة عرضة للخطر من قبل نظم المحاكم الأخرى في جميع أنحاء العالم”. باختصار، أوباما لديه مخاوف من أنه بعد وضع القانون فإن ريموند ديفيس المقبل لن يكون قادرا على الاعتراف بالحصانة الدبلوماسية بمجرد إطلاق النار على الأهالي في أي بلد مسلم.

 

ولم يقلق هذا السيناتور شومر رغم كل ذلك. وكان واثقا من أنه “يمكننا بسهولة الحصول على أصوات ما تتجاوز الثلثين من أعضاء الكونجرس إن استخدم الرئيس حق الفيتو”، ولمح كذلك أن قلق الرياض له معنى أعمق، وأضاف “إن لم يكن السعوديون شاركوا في الإرهاب، فليس لديهم ما يخشونه من الذهاب للمحكمة. وإن فعلوا ذلك، فيجب أن يحاسبوا”. في الوقت نفسه التهديد السعودي بتفريغ أصول الخزانة الأمريكية باعتباره مجرد تهديد، مدعيا أنهم لن يعانوا من خسائر مالية ضخمة لمجرد وجهة نظر. ومع ارتباط الريال السعودي بالدولار يقترح خبراء المال عمليات بيع بالجملة وسيكون ذلك إرباكا لخطط السعودية من أجل تطوير اقتصادهم بعيدا عن الاعتماد التاريخي على صادرات النفط.

 

كما تمت إضافة دافع لمشروع قانون كورنين شومر عبارة عن 28 صفحة منقحة من تقرير لجنة الكونجرس حول أحداث 9/11 في عام 2002. وبإشادة الأمن القومي، حيث كان ذلك في عهد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، بأن هذه الصفحات تم تصنيفها وسط شائعات تستر مكتب التحقيقات الفيدرالي على تدخل المملكة العربية السعودية في الضربات لحماية العلاقة العميقة لعائلة بوش بأفراد عائلتها المالكة. واليوم ومع ذلك، فالسيناتور بوب جرهام، الرئيس السابق للجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، يقود مجموعة من أعضاء الكونجرس الساخطين والذين يطالبون إدارة أوباما بجعلها علنية.

إذا كانت هذه الصفحات كما يزعم جرهام، “توجه أصابع الاتهام للملكة العربية السعودية”، فسيصبحون حجر الأساس لجميع الدعاوى القضائية المرفوعة من خلال JASTA، على الرغم من الثغرة الصغيرة التي تسمح لوزير الخارجية “بتصديق” مشاركته “في نقاشات حسنة النية” مع الرياض قد تؤخر الاحكام إلى أجل غير مسمى. وجدير بالذكر أيضا أن قصص العائلات السعودية الشهيرة انتشرت بشراهة خارج الولايات المتحدة في الأيام المضطربة التي تلت 9/11 والتي كانت منتشرة بالفعل في 2005، عندما أصدرت واشنطن سجلات تثبت أنها كلفت موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي بمرافقة العديد من هؤلاء الأفراد مباشرة إلى صالة الإقلاع دون إنهاء مقابلات طلب الهجرة.

ويعرف السعوديون أيضا في قرارة نفسهم أن كل شيء جيد يجب أن ينتهي، بما في ذلك شراكتهم التي لا يرقى إليها الشك حتى اليوم مع الولايات المتحدة. وقال المتحدثون باسم البيت الأبيض إن أوباما “بالفعل نقى الجو” مع الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود خلال قمة مجلس التعاون الخليجي في أبريل.

ولم يكن الفيصل أيضا ساذجا بشأن العواقب المستقبلية لأوباما من وراء العودة للخلف في طريق الخروج من الشرق الأوسط. وجارٍ تغيير العلاقات، حيث عبر عن رأيه قائلا، إنه سيستبدل الوضع الراهن بدلا من اتباع منصبه الحالي خارج الديوان وقال: “لا أعتقد أنه ينبغي علينا أن نتوقع من أي رئيس جديد للولايات المتحدة أن يعود للأيام الماضية عندما كانت الأمور مختلفة”، كما بصقت الصحافة السعودية أيضا السم ردا على تمرير القانون، وذلك بافتتاحية شديدة اللهجة للخبير القانوني خطيب الشمري في صحيفة الحياة اليومية يستنكر فيها “طبيعة الولايات المتحدة” التي “لا يمكنها العيش بدون عدو”. فهل سيقدر آل سعود على البقاء أحياء على المدى الطويل دون كبح سيطرة واشنطن؟ الوقت كفيل بإثبات ذلك.