سؤال مهم يُراود كل سياسي ويُتداول لدى السلطات في دولنا الاقليمية بصورة متكررة لدرجة قد يضطرب معها القولون العصبي: هل الولايات المتحدة راضية عنا؟
ما دفعني للحديث عن أهمية الابقاء على علاقة جيدة بالولايات المتحدة، التقرير السنوي الاخير الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية. فقد اشاد التقرير بجهود الكويت في مكافحة الارهاب، وذكر أن الكويت اتخذت اجراءات كثيرة لتحسين مستوى الرقابة على عمليات جمع التبرعات الخيرية وتنظيمها، بما في ذلك الحوالات الخارجية، سواء عن طريق المصارف أو على شبكة الانترنت.
اعتقد بمجرد أن نقرأ هذا الكلام، نشعر بالراحة والطمأنينة، طالما أن أميركا ابدت رضاها. وهذا ليس بمستغرب، بل حال قادة وسياسيي اغلب الدول في المنطقة، فجميعهم يستشعرون الامن والراحة برضا الدولة العُظمى عليهم وبقربها منهم. وعلى العكس من ذلك، ينتابهم الخوف والرعدة اذا ما حصل خلاف ذلك وابدت امتعاضها او انزعاجها حيال شيء ما.
النقطة المهمة في هذه الجزئية، أننا كشعوب يجب أن نُفرّق بين التبعية السياسية لأميركا، وبين التبعية لها من المنظور الاخلاقي والفكري. ما اقصده أننا يمكن أن نبرر لدول منطقتنا ونُصدق بأنهم مُجبرون سياسياً على اتباع اميركا كونها دولة كبيرة وتمتلك اكبر وزارة دفاع في العالم واكبر ترسانة للاسلحة النووية واضخم جيش، كما أنها الاولى اقتصاديا وتحتل الصدارة تقريباً في كل مجالات التصنيع والتكنولوجيات الحديثة. لكن كل ذلك لا يُبرر انقياد الشعوب لها اخلاقياً طالما أنها الدولة التي تتصرف حسب مقتضيات مصالحها لا المنطق الاخلاقي.
فتقرير الخارجية، يعكس هذا التضارب الذي اتحدث عنه. فنحن وبمجرد ان نقرأ هذا التقرير نقتنع بأننا على صواب وعلى حق، ولو فعلت العكس وانتقدتنا أميركا لشككنا بأنفسنا وقلنا اننا على خطأ. أصبحت هذه التقارير لدى هذه الدول، المبدأ والمعيار والكشّاف للحقيقة ونتصرف ونتحرك تبعاً لها. اذكر انه قبل سنوات انتقدتنا الخارجية الأميركية بخصوص الارهاب، فتحركنا وتصدينا له، لا لاقتناعنا الذاتي بصحة ذلك، بل لان أميركا طلبت منا ذلك. والشيء نفسه حصل عندما انتقدنا تقرير الخارجية حول حقوق العمالة الوافدة.
اذاً اصبحنا ننظر لأميركا وكأنها معيار الخطأ والصواب الاخلاقي، وهو بحد ذاته أمر خطير كونه تبعية خاطئة، لان أميركا هي بذاتها لا تعترف بالمبادئ الاخلاقية في سياساتها الخارجية. فالرئيس الاميركي، زار قبل ايام هيروشيما اليابانية، وهي اول مدينة في العالم تتعرض للتفجير الذري في التاريخ، لكن وبسبب غروره ومكانة بلاده العالمية، ترفع باراك اوباما عن الاعتذار. والنكتة أن أميركا، التي خلقت «القاعدة» و«طالبان» في سبعينات القرن الماضي، حيث كان التعامل مع هذه الفرق السياسية صحيحاً ومنطقياً بالمال والعتاد والبشر، هي نفسها اليوم تسمي هذه العصابات بالارهابية، وتحذرنا من التعامل معها وجمع التبرعات لها. فهي وبسبب سياساتها ومصالحها المرحلية، تُقسم العالم الى نصفين: معنا خير وضدنا شر.
محصلة الكلام أننا اخلاقياً وكشعوب، علينا ان نستقل برأينا. ان ننفصل عن القرار السياسي حتى ننظر للامور بعيون صادقة وعاقلة بدلاً من النظر عبر العدسات الأميركية التي شوهت الكثير من احوالنا الاجتماعية والثقافية بعدما فعلت المصائب في الجوانب السياسية والامنية.
د. حسن عبدالله عباس- الراي الكويتية-