خلص تقرير بحثي نشرته دورية «فورين أفيرز» للمحلل «غريغوري غوس» حول مستقبل العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، إلى ضرورة أن تسعي الولايات المتحدة للتمسك بالعلاقات القوية مع المملكة برغم الخلافات، بسبب ما يجمع الرياض وواشنطن من «مصالح مشتركة» في العديد من القضايا والملفات.
وانتقد التقرير ضمنا الاتهامات التي توجه للسعودية بأنها تدعم الوهابية السلفية التي تغذي أيدلوجية الحركات الجهادية العنيفة مثل القاعدة والدولة الإسلامية، مشيرا لاختلاف أيدلوجية هذه الحركات «الثورية» عن أيدلوجية الرياض الوهابية الرسمية «السلبية» التي تقوم على عدم الخروج عن الحاكم، مشيرا إلى أمثلة عديدة لتعاونها مع الولايات المتحدة ضد هذه المجموعات.
استهل الكااتب حديثه عن العلاقة المتوترة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، وتشكيك الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» علنًا في قيمة الرياض كحليف لبلاده، متهمًا إياها بإثارة الصراع الطائفي في المنطقة، ورد السعوديين بعنف لحد عدم التورع عن إخفاء احتقارهم لـ«أوباما».
وقال إن العديد من الأمريكيين لا يزالون يعتقدون أن الحكومة السعودية متورطة في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ايلول، على الرغم من أن لجنة التحقيق لم تجد أي دليل على دعم سعودي رسمي أو فردي للهجمات. مشيرا إلى أن المملكة قد ردت بحدة على هذه الاتهامات وهددت ببيع أصول قيمتها مئات المليارات من الدولارات في حال أقر الكونغرس مشروع قانون يسمح بتعويضات لضحايا 11 سبتمبر/أيلول من السعوديين.
نهاية التحالف
ويرصد تقرير الدورية الأمريكية أسباب انتهاء التحالف بين السعودية والولايات المتحدة في عدد من النقاط منها:
أولا: تلاشى خطر وقوع هجوم عسكري على المملكة العربية السعودية أو جيرانها في الخليج، حيث كان التحالف بين الرياض وواشنطن يعتمد على الحماية بشكل رئيسي.
ثانيا: زيادة إنتاج النفط الأمريكي المحلي، ما جعل الولايات المتحدة أقل اعتمادا على النفط السعودي في مجال الطاقة، فزادت جرأة الانتقادات ضد الأمريكيين خصوصا مع تزايد مزاعم أن المملكة تنتهج الوهابية التي تتناقض مع القيم الأمريكية.
ثالثا: انتقاد الولايات المتحدة المتكرر لحالة الحريات والديمقراطية في المملكة السعودية، وأنها تأتي في مؤخرة أي تصنيف عالمي للديمقراطية والحرية الدينية، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة.
رابعا: انتهاج النظام السعودي لنظام الملكية المطلقة الذي يرى الأمريكيون أنه نظام عفا عليه الزمن في العصر الديمقراطي الحالي، ولن يعيش لفترة أطول من ذلك.
خامسا: في ظل سعي واشنطن إلى إقامة علاقة جديدة مع طهران، بات السعوديون يشاركون الولايات المتحدة أولويات أقل في الشرق الأوسط، كما أن مغامراتهم في اليمن وغيرها لا تتحمس لها واشنطن.
مصلحة مشتركة
برغم رصد التقرير العديد من نقاط الخلاف السعودي الأمريكي في السياسات النفطية والإقليمية مثل سوريا واليمن ولبنان، إلا أنه يري بالمقابل، ردا على منتقدي بقاء العلاقات وثيقة بين واشنطن والرياض، أن «التعاون يخدم كلا البلدين».
ويشير إلى أنه رغم الانتقادات، يعمل البلدان معًا بشكل وثيق. فرغم تشكيك «أوباما» في بقاء السعودية كحليف، فقد ذهب إلى الرياض في أبريل/نيسان الماضي لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي، وكرر التزامه بأمن السعودية ودول الخليج الأخرى.
كما واصلت واشنطن بيع كميات كبيرة من الأسلحة إلى الرياض، ولا يزال تبادل المعلومات الاستخباراتية يجري على قدم وساق.
ويرى التقرير أن هناك العديد من الدوافع لدى البلدين لتجاوز الخلافات. أهمها أنه، وفي ظل انهيار الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تحتاج واشنطن إلى علاقة عمل جيدة مع واحدة من البلدان القليلة التي يمكن أن تحكم أراضيها وتمارس بعض النفوذ في تلك المناطق، ما يعني أن الولايات المتحدة لديها مصلحة حيوية في الحفاظ على علاقة واضحة ووثيقة مع السعودية.
إضافة إلى ذلك، فإن البلدين يتشاركان في العديد من الأهداف، رغم أن الرؤى الاستراتيجية قد تختلف. كلا البلدين لا تزال يرى تنظيمات الدولة الإسلامية والقاعدة على أنها «تهديدات مباشرة»، كما تشتركان في رفض هيمنة إيران على المنطقة، ويرغبان في تجنب أي اضطراب في إمدادات الطاقة الهائلة عبر الخليج العربي، والرغبة في الوصول إلى حل تفاوضي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولذلك، فإن ما يوحّد بينهما أكثر مما يفرّقهما.
الوهابية السلفية
ويحاول التقرير توضيح أن الاتهامات التي توجه للسعودية كحكومة بأنها تدعم الوهابية السلفية وأنها بالتالي سبب انتشار التنظيمات المسلحة غير دقيقة، مشيرا إلى اختلاف التفسير الحكومي الوهابي السلفي (السلبي) عن تفسير «الأصوليين» السلفيين الذي بات مستقلا عن السعودية ويتبني نهجا ثوريا ويعادي المملكة.
ويدعو التقرير إلى العمل مع السعوديين في محاربة هذه التنظيمات باعتباره «نهجا أكثر فعّالية من نبذ المملكة»، ويشير إلى أن «أي قدر من الضغط الأمريكي على المملكة لن يغير مسار الحركة السلفية الجهادية لأن أيدولوجيتها أصبحت مستقلة الآن عن السيطرة السعودية».
كما يؤكد أن انضمام شباب سعوديين تعلموا الوهابية المحافظة إلى الجماعات «الإرهابية» لايعني أن السعودية هي سبب ظهور هذه التنظيمات. مشيرا إلى وجود غربيين انضموا إليها دون أن يكونوا قد استقوا الوهابية السعودية وبالتالي لا يمكن أن نلوم المملكة في هذه الحالة.
تعاون استخباراتي
ولتوضيح أن العمل مع السعوديين لمحاربة الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، والمنظمات المماثلة أكثر فعالية من نبذ المملكة، يشير التقرير لجهود سعودية استخباراتية ومالية وأيدلوجية للتعاون ضد الجهاديين السلفيين.
فعلي صعيد الاستخبارات: أدي التعاون موسع بين وكالات الاستخبارات الأمريكية والرياض لنتائج مثيرة للإعجاب، وفقا للكاتب.
ففي عام 2010، أحبطت الاستخبارات السعودية خطة لإرسال متفجرات من اليمن إلى الولايات المتحدة عن طريق ساعٍ جهادي، وفي أغسطس/آب الماضي، أدى التعاون بين استخبارات لبنان، والسعودية، وأمريكا لإلقاء القبض على «أحمد المغسل» المتهم بتدبير تفجير أبراج الخُبر عام 1996 في المملكة العربية السعودية التي قُتل فيها 19 عسكريًا أمريكيًا، بخلاف نجاحات أخرى التي لم يعلن عنها.
وعلى صعيد المعركة الأيديولوجية: يزعم الكاتب أن الجهود المبذولة من رجال الدين السعوديين لنزع الشرعية عن السلفية الجهادية، تبدو كأنها محاولة لخداع الغرب، بدعوي أن رجال الدين يتبنون نفس «وجهات النظر الظلامية» لهذه الجماعات السلفية.إلا أنه يري مع هذا أن الهجوم على الرسالة الجهادية من الداخل السعودي يمكن أن يكون له أثر ناجح وأفضل مما لو جاءت الدعاية من جانب الغرب.
ويرى الكاتب أن على واشنطن أن تبذل كل ما في وسعها لتشجيع «تطوير التفسيرات الليبرالية المعتدلة للإسلام».
وعلى صعيد المعركة المالية، يري التقرير أنه على الرغم من استمرار السعوديين في إرسال الأموال إلى المنظمات الجهادية السلفية، إلا أن «ديفيد كوهين»، الوكيل السابق لوزارة الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية (والذي يشغل الآن منصب نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية)، أكد إن «الحكومة السعودية ملتزمة التزامًا عميقًا بضمان عدم إرسال أي أموال إلى الدولة الإسلامية، وتنظيم القاعدة، وجبهة النصرة في سوريا».
ويرى الكاتب زيادة إنتاج النفط الأمريكي لا تعني أن التحالف الأمريكي السعودي فقد قيمته وأهميته، فالخليج العربي لا يزال ينتج نحو 30% من النفط في العالم، والمملكة تستأثر بأكثر من ثُلث هذا الناتج، والاضطرابات في الخليج سيتردد صداها في جميع أنحاء العالم.
انهيار النظام السعودي
ويفند الكاتب مبررات من يرون أن العلاقات الأمريكية السعودية يجب أن تتوقف نظرا لـ«هشاشة النظام»، وتوقع عدد قليل من المحللين أن أسرة آل سعود ربما تسقط في وقت قريب، مشيرا إلى أن النظام مستقر بفعل عدد من العوامل.
فمن يرون أن المملكة تواجه بعض المشاكل الخطيرة مثل الاعتماد على النفط في الوقت الذي تحطمت فيه أسعاره، يتناسون أن الاحتياطيات النقدية السعودية تبلغ أكثر من 550 مليار دولار، ولكن لو ظلت الأسعار منخفضة واستمرت المملكة في إنفاق المال بالمعدل الحالي، ستنفذ هذه الاحتياطيات في غضون خمس سنوات.
ويشير الكاتب إلى أن المملكة لا تواجه أزمة مالية عاجلة، ويمكن أن تقترض بسهولة بضمان احتياطاتها النفطية.
أما الحديث عن أن النظام الملكي يمر بمرحلة انتقالية وهناك مخاوف من انهيار في القيادة، فقد حل الملك «سلما»ن هذه المسألة، بوضع سلطة هائلة في يد ابن أخيه الأمير «محمد بن نايف» وابنه الأمير «محمد بن سلمان».
وتولى الأمير «محمد بن سلمان» مسؤولية وزارة الدفاع وإدارة السياسة الاقتصادية والنفطية، مما يجعل منه الشخص الثاني الأكثر نفوذًا في البلاد، ولم يتردد في استخدام تلك السلطة فأعلن خططا لخصخصة جزء من شركة أرامكو السعودية، ضمن رؤية للحدّ من اعتماد البلاد على النفط، وتبع هذا خفض الدعم عن المياه والكهرباء.
هل تستحق السعودية عناء الوقوف معها؟
وردا على تساؤلات حول ما إذا كان السعوديون يستحقون كل هذا العناء من واشنطت للبقاء في تحالف معهم برغم انتهاكات حقوق الإنسان ورفض المملكة التركيز على محاربة أعداء الولايات المتحدة، يرى الكاتب أن المملكة تستحق ذلك. وعلل الأمر بعدة أسباب على رأسها فوائد التعاون الاستخباراتي المشترك ضد الجماعات الجهادية السلفية والجهود المبذولة للحد من الموارد المالية المتاحة لها، ما سيصب في صالح كل من الولايات المتحدة والسعودية.
كما أشار إلى أن هناك عشرات الآلاف من السعوديين يدرسون في الولايات المتحدة وكثير منهم يعملون لتحقيق الإصلاح التدريجي ويرغبون في الحفاظ على علاقة قوية مع الولايات المتحدة، وإذا بدأت واشنطن الطلاق العلني مع الرياض، فإنها قد تمزق هذا المجتمع المؤثر.
ويختتم الكاتب بالتأكيد على أنه «ينبغي على واشنطن الحفاظ على العلاقة في الوقت الراهن، مع الاعتراف بحدودها، والعلم بأن الخلافات بين البلدين في الأولويات لن يختفي في أي وقت قريب».
ويضيف: «هذه الحُجج لدعم تحالف إيجابي مع السعودية لا تتعلق بالعواطف؛ فالعلاقات بين البلدين قائمة على أساس المصالح المشتركة وليس القيم المشتركة، ولكن في الشرق الأوسط الذي لا يُظهر أي بوادر استقرار في أي وقت قريب، فإنه سيكون من الغباء أن تتجاهل واشنطن الاستفادة من علاقة وثيقة مع الرياض».
«غريغوري غوس»- «فورين أفيرز»-