بعد 15 عاماً على إبقائها في مكان محصن في مبنى الكابيتول، نشرت الإدارة الأميركية، الجمعة، الصفحات الـ28 من تقرير الكونغرس، التي تربط بين السعودية وأحداث 11 أيلول. يومها، سارع الإعلام السعودي إلى الحديث عن تبرئة تضمنتها للسعودية، إلا أن التمعّن في الصفحات يوحي بأن ما تضمنته يدين السعودية، أكثر مما يبرئها، بل يطرح المزيد من التساؤلات عن دورها
ساعات قليلة كافية للتمعّن في الصفحات الـ28 من تقرير الكونغرس بشأن أحداث 11 أيلول، التي خصصت للتحقيق في علاقة السعودية بالهجمات، كذلك فإنها تكفي لفهم السبب الذي دفع واشنطن إلى إبقاء السرية على هذه الصفحات طوال 14 عاماً، «منعاً لإحراج الحكومة السعودية» على حد تعبير سيمون هندرسون في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى».
أبو زبيدة، الشيخ فهد الثميري، أسامة بسنان، نواف الحازمي، كلها أسماء كانت قد حفلت بها الصحف الأميركية، خلال الفترة الماضية، وربط بعضها وغيرها من الكيانات بشخص واحد هو بندر بن سلطان، السفير السعودي في واشنطن آنذاك. وإن كانت وسائل الإعلام السعودية قد انبرت، مباشرة بعد نشر هذه الوثائق، إلى الإعلان أن مضمونها يبرئ الرياض، فهي بذلك قد نقلت الواقع مجزَّأً، فيما عمل الإعلام الأميركي خلال الأيام الماضية على إلقاء الضوء على مكامن التورّط السعودي في الهجمات. «المذكرة الصادرة عن وكالة الاستخبارات الأميركية، في تموز 2002، تقول بما لا لبس فيه إن الصلات بين خاطفي الطائرات والسفارة السعودية في واشنطن والقنصلية في لوس أنجلس، تشكل دليلاً لا يقبل الجدل على أن هناك دعماً لهؤلاء الإرهابيين من داخل الحكومة السعودية»، علّقت صحيفة «نيويورك بوست» على مضمون الوثائق.
الصفحات أيضاً، لامست جانباً آخر، لا يقل أهمية عن الحدث بحد ذاته، بل يتخطاه، وهو الدعم السعودي لتنظيم «القاعدة»، الذي رأت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الوثائق تعد تصويراً واضحاً لجهود المملكة لعرقلة المحاولات الأميركية لمحاربة «القاعدة» في السنوات التي سبقت «11 أيلول»، مشيرة في الوقت ذاته إلى أنها تحتوي «على فهرس من الاجتماعات والصدف المثيرة للشكوك».
علاقة الرياض
تفصّل هذه الوثائق العلاقات بين مسؤولين سعوديين وعدد من منفذي الهجمات، كذلك فإنها تكشف عن آلاف الدولارات من أفراد في الأسرة المالكة إلى أشخاص على علاقة بمنفذي الهجوم وغيرهم من مشتبهي تنظيم «القاعدة». وعلى الرغم من أن الكثير من مضمون هذه الصفحات قد حُجب أو أُعيدت صياغته، إلا أن ذلك لا يمنع من إيجاد هذه الصلات التي يمكن وصفها بأنها «واسعة» إلى درجة دفعت مكتب الـ«اف بي اي» في واشنطن إلى إنشاء فرقة خاصة للتحقيق بالشق المتعلق بالسعودية. ولكن بحسب بول سبيري في صحيفة «نيويورك بوست»، إن التركيز الأساسي على السعودية بدأ متأخراً بعد هجمات 11 أيلول، وذلك «بسبب موقع السعودية كحليف للولايات المتحدة»، الأمر الذي ذُكر مرات عدة في الصفحات.
تُظهر ملفات مكتب التحقيقات الفيدرالية المذكورة في الصفحات الـ28 أن عمر البيومي الذي كان مسؤولاً عن إدارة مسجد في كاليفورنيا قدّم «مساعدة كبيرة» للخاطفين السعوديين خالد المدهار ونواف الحازمي، بعدما وصلا إلى سان دييغو في شباط 2000. الحازمي كان قائد الخلية التي استهدفت مبنى «البنتاغون»، بينما كان المدهار أحد الأعضاء الأقوياء في الخلية، وقد نزل الاثنان في شقة بيومي. أيضاً، في الوقت الذي كان يساعد فيه الخاطفين، كان بيومي يتلقى زيادات كبيرة على راتبه من شركة أمن سعودية لها علاقة بأسامة بن لادن و«القاعدة». علاوة على ذلك، إن أحد موظفي الاستخبارات المزعومين، ويُدعى أسامة بسنان، ساعد مدبري أحداث 11 أيلول، وعمل عن قرب مع بيومي. وما يثير الشكوك أكثر، هو أنه «وزوجته تلقيا دعماً مادياً من السفير السعودي في الولايات المتحدة وزوجته»، أي من الأمير بندر بن سلطان وهيفا بنت فيصل.
ملفات الـ«اف بي آي» ومذكرة وكالة الاستخبارات، تشير أيضاً إلى أن منفذي الأحداث كانت لديهم صلة مع الشيخ فهد الثميري، الذي كان موظفاً في القنصلية السعودية في لوس أنجلس. وتظهر السجلات أن الدبلوماسي السعودي المعتمد، أجرى عشرات المحادثات الهاتفية ولقاءً واحداً على الأقل مع بيومي، وذلك قبل قدوم منفذي هجوم 11 أيلول. الأمر قد يصبح أكثر سوءاً عندما تذكر إحدى صفحات التقرير أن «مسؤولاً في وزارة الداخلية السعودية بقي في الفندق ذاته في فيرجينيا، مع الحازمي وغيره من منفذي الهجوم على البنتاغون، في الليلة التي سبقت الاستيلاء على الطائرة».
من جهة أخرى، تشير إحدى الصفحات إلى صلاح الحسين، وتفيد بأن وكلاء الـ«اف بي اي» شعروا بأنه «كذب بشأن عدم لقائه أو عدم معرفته بمدبري الهجمات، ولكن عندما حاولوا استجوابه مرة أخرى، كان الوقت قد تأخر، وأُخرج من البلاد مع غيره من المشتبه فيهم السعوديين الكبار، بناءً على طلب من بندر، وبموافقة البيت الأبيض».
بالنسبة إلى بندر، فقد وُجد رقم هاتفه على دفتر مسؤول كبير في «القاعدة» يُدعى أبو زبيدة، عندما ألقي القبض عليه في باكستان في عام 2002. أيضاً، حدث أن وُجد رقم حارس بندر على دفتر أبو زبيدة.
العلاقة بتمويل الإرهاب
من جهة أخرى، عملت صحيفة «واشنطن تايمز» على التركيز على تمويل السعودية لـ«التطرف الإسلامي في المساجد وفي الجمعيات الخيرية»، وهو أمر بدا واضحاً في الصفحات التي نشرت أخيراً. وقد رأت هذه الصحيفة أنه «بالنسبة إلى مراقبي الحركات الجهادية، تؤكد هذه الصفحات التهم التي وجهت إلى الحكومة السعودية ومواطنيها الأغنياء بتمويل التعاليم المتطرفة في أميركا». وفي هذا الإطار، تشير وثائق الكونغرس إلى «مسجد فهد» في كاليفورنيا، الذي كان إمامه الشيخ فهد الثميري، الذي ذكر أيضاً أنه دبلوماسي سعودي عمل في مهمة في لوس أنجلس. «عرف هذا المسجد بدعمه للرؤى المعادية للغرب»، تضيف.
أما «مسجد ابن تيمية» في كولفر سيتي في كاليفورنيا، فبحسب تقرير الكونغرس «هو موقع تقام فيه نشاطات ترتبط بالإرهاب. ويبدو أنه يتعاون مع مسجد الملك فهد».
في إحدى المقابلات التي تتطرق إليها الصفحات الـ28، يقول أحد عملاء الـ«اف بي آي» إنه يعتقد أن الحكومة السعودية كانت تعمد إلى غسل الأموال، عبر هذا المسجد. وتشير الصفحات إلى أن الـ«اف بي آي» تعتقد أن جزءاً من التمويل الذي كان يأتي من السعودية، كان يجري عبر مسجدي ابن تيمية في لوس أنجلس والمركز الإسلامي في سان دييغو. واشتبه الـ«اف بي آي» بأن المركز الإسلامي كان يقوم بغسيل الأموال لمصلحة «القاعدة»، وهو المركز الذي قام أحد موظفيه بمساعدة الحازمي والمدهار في الانضمام إلى مدرسة لتعلم الطيران، كذلك عمل معهم مترجماً.
«مؤسسة الحرمين»، «الجمعية الإسلامية لشمال أفريقيا»، وغيرهما من المؤسسات الإسلامية الممولة من السعودية، تطرق إليهما تقرير الكونغرس، مشيراً إلى أن مكتب التحقيقات الفيدرالية حذّر من أنهما تعملان على نشر الإسلام المتطرف والعقيدة السلفية في الولايات المتحدة وفي العالم. ويذكر المكتب أن هاتين الجمعيتين حصلتا على تمويل من شيوخ متطرفين سعوديين، ومن جمعيات غير حكومية مشتبه فيها.
كل ما ذكر سابقاً دفع كثيرين إلى انتقاد السعودية كحليف للولايات المتحدة، وهو ما عبّر عنه عميل الـ«اف بي آي» السابق جون غاندولو، بقوله إن «السعودية أنفقت مالاً في تمويل الحركة الإسلامية العالمية أكثر من أي دولة أخرى على الأرض». وقد نقلت عنه «واشنطن تايمز» ما مفاده أن «وزارة الخارجية الأميركية وجهاز الأمن القومي يجب أن ينظرا إلى السعودية على أنها عدو للولايات المتحدة».
نادين شلق- الاخبار اللبنانية-