علاقات » اميركي

الحرب الطويلة على الإرهاب

في 2016/07/25

هناك حقيقة بسيطة هي انه لا يوجد فضاء عام في أي مكان في العالم يمكن اعتباره آمناً. لقد برزت هذه الحقيقة في أعقاب الهجمات التي حدثت في دكا وبنجلاديش وأورلاندو وفلوريدا ونيس بفرنسا، فضلاً عن العديد من الهجمات الصغيرة من قبل من يسمون بالذئاب المنفردة. بل على العكس تماما، اذ ان وتيرة تلك الهجمات آخذة في الارتفاع، ووبالرغم من انه يمكن أن اعتبار كلام الرئيس أوباما محقًا عندما قال في شباط فبراير من عام 2015 إن الإرهاب لا يشكل «تهديدًا وجوديًا على الولايات المتحدة أو النظام العالمي»، لكن هذا الشعور يعتبر شعورا باردًا؛ فالناس خائفون، ولديهم كل الأسباب التي تجعلهم يشعرون بذلك، وفي الوقت نفسه يظهر أن هذا الخوف المشروع يراد منه تسميم الحياة السياسة في الولايات المتحدة وأوروبا ككل وتغذية الديماغوجيين واهتزاز المؤسسات.

فما الذي يمكن فعله ردًا على ذلك؟

من الضروري أولاً ، للاجابة على هذا السؤال، مواجهة ما لا يمكن مواجهته، اذ لا يمكن ايقاف كل الهجمات، لكن هناك شيء واحد يبدو ضروريا وهو زيادة الأمن بالموانئ والمطارات، وحتى هناك، حدثت هجمات على المطارات في بروكسل وإسطنبول مما جعل مثل هذه التدابير قليلاً ما تكون مضمونة. ولكن ببساطة ليس هناك طريقة لمراقبة كل محطة مترو، ومقهى وساحة عامة من برلين إلى هونولولو، ولذلك هناك شيء واحد مؤكد وهو أن هذه الهجمات ستستمر، وحتى لو افترضنا أن «تنظيم الدولة» يمكن أن ينهزم في سوريا والعراق، فمن المرجح أن يستمر صدى جهود التنظيم لجذب الناس عبر شبكة الإنترنت من أجل تنفيذ هجمات منفردة.

وهذا شيء لا يمكن  للناس الاستسلام له ببساطة، وعلى العكس من ذلك، كل هجوم يجعل مبررات الديماغوجيين تبدو أكثر مصداقية، وعلى ما يبدو أنها مسألة وقت قبل أن يأتي احد الأحزاب الشعبوية المتطرفة في أوروبا الغربية إلى السلطة، (ويمكن القول إن هناك واحدًا بالفعل في هنغاريا)، ولا شك أن خطر الإرهاب ليس هو الشيء الوحيد الذي ساعد في وصوله، ولكن إذا كان الإرهاب يمثل تهديدًا وجوديًا أو لا، فمستوى اضطرابات الهجرة الجماعية في أوروبا والمختلطة بتشويه سمعة النخبة السياسية في جميع أنحاء العالم المتقدم، لا يسعنا تجاهلها.

لا يحتاج المرء أن يكون شعبويًا كي يرى أن النخب لديها الكثير للرد عليه، عندما تم الحشد لإحياء ذكرى الاربع وثمانون  ضحية في هجوم نيس، فقد كان استهجان رئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس للتهديد الإرهابي ليس كافيًا، ومن وراء ذلك ربما هناك شعور في جميع أنحاء أوروبا، ان النخبة السياسية تتجاهل البيئة الاجتماعية الفاسدة ووجود أفواج كبيرة من المتعلمين بشكل سيء، والشباب اليائس الذي غالبا ما يكون عرضة للعنف الذي يولد من أبوين مهاجرين ووصل إلى مرحلة البلوغ. والعزلة والخلل الذي يجعل الأقلية الصغيرة من هؤلاء الشباب مرشحين مثاليين لخدمة الدفاع عن «تنظيم الدولة»، وهذا واضح لأي شخص يقضي وقتًا في ضواحي باريس وبروكسل وبرلين ولندن.

فالحقيقة الواضحة هي أن النخبة السياسية الغربية لا تزال في حالة إنكار، ليس فقط بشأن الإرهاب ولكن بشأن الغضب والإحباط إزاء تأثيرات العولمة، والتي ساعدت في تغذية كراهية الاجانب، في أغلب إن لم يكن جميع، البلدان الغنية، وحتى تستطيع النخب أن تعترف بشكل تام بهذه المشاكل، فان صعود الغوغائيون سيكون أمرًا مؤكدًا، وإذا كان الخيار الوحيد للناس بين النخبة السياسية التي تنفي أو ترفض شرعية مخاوفهم، والسياسيين الذين مهما كانت دوافعهم، يقولون لهم إنه ليس من الخطأ إيوائهم، فسينضم المزيد من الناس للأطراف الخائفة.

يزعم الكثير من الناس أنه بعيدًا عن كونهم في حالة إنكار بشأن الإرهاب، فان النخبة الغربية تضرب على هذا الوتر كثيرًا، وهذه ليست الطريقة التي ينظر بها معظم الناس إلى حكوماتهم، ففي فرنسا، على سبيل المثال، حالة الطوارئ التي تم الإعلان عنها بعد هجمات تشرين تاني نوفمبر من عام 2015 في باريس، كانت على وشك الانتهاء قبل أقل من أسبوعين من وقوع هجوم مدينة نيس، وهذا التردد في اتخاذ الخطوات يسئ للحكومات. فالفرنسيون يسخرون من الخطابات الإلزامية لقمع الإرهاب، وقد وصلت حالة الخوف العام والغضب حاليًا إلى النقطة التي إن لم يتنازل فيها النخب السياسية الأوروبية والأمريكية عن الميدان للشعبويين وكارهي الاجانب، فسيبدأون بانفسهم باتخاذ طريقهم نحو القيام بخطوات جذرية.

وهناك خيارًا واحدًا وهو ببساطة أن نقول إن الإرهاب في المستقبل القريب باقٍ هنا، وكما قال السيد فالس مؤخرًا، «لقد تغير الزمن، وعلينا أن نتعلم كيف نتعايش مع الإرهاب»، وربما هناك بعض الحقيقية في ذلك، ولكن لا يوجد الكثير مما يمكن عمله، فببساطة ان الناخبين الغربيين غير مستعدين للاستماع لشيء، وبشكل عملي، فان تعلم التعايش مع شيء هو بالتأكيد يعني مزيدًا من الاعتداء عليه، ومع صعود اليمين المتطرف في أوروبا وظهور دونالد ترامب في مشاهد الولايات المتحدة، فالن ااستسلام يبقى صعبًا جدًا على كثير من الناس في أن تتحمله.

ان الحقيقة الصارخة هي أن عدد الهجمات الإرهابية المميتة من المرجح أنها ستترفع كثيرًا في المستقبل القريب، ومع ذلك فمن الواجب محاولة منعها، وفي هذه النقطة تحديدا يواجه الغرب خيارين: إما الجدران التي يريد السيد ترامب بناءها والترحيل الجماعي الذي يدعو له العديد من سياسيين اليمين الأوروبيين، واما التوسع الهائل لجهاز الأمن الوطني، وهذا يتطلب زيادة خطيرة في كل من الميزانيات والموظفين وبالطريقة التي تجعل كل ذلك تحت تصرفهم.

لا بد من السؤال عن السبب الذي جعل تبدو أن التدابير المتخذة حتى الآن، غير بعيدة المدى ويبدو أنها لا تعمل بناء على الهجمات التي حدثت في مطار بروكسل وفي نادي أورلاندو للمثليين، وفي احتفالات يوم الباستيل في مدينة نيس تبين. اذن في الوقت الحالي لدينا ما هو أسوأ ما في العالمين، وهو السرية الخاصة بالمؤسسة المخابراتية وغير الخاضعة للمسائلة بشكل مقلق، والتي في نفس الوقت وببساطة لا تملك القوى العاملة أو القدرات الفنية اللازمة لمراقبة الآلاف، إن لم يكن عشرات الآلاف من المتعاطفين الإرهابيين في أوروبا وأمريكا الشمالية، والذين تحولوا إلى التطرف من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية.

ان هذا الاحتمال مخيف، ولكن هل هناك بديل؟ إن الحرب على الإرهاب حرب غير متكافئة وغريبة، ولكنها حرب بنفس الطريقة، ويقول البعض إنه في أي حرب، بما في ذلك حرب العدالة، نفقد كم معين من إنسانيتنا، وكحد أدنى هناك سيطرة على أسوأ التجاوزات، وعلى سبيل المقارنة التاريخية، حدث ذلك من أجل تجنب إحراق مدينة دردسن بحجة مكافحة النازية.

وفي حالة الحرب ضد مقاتلي «تنظيم الدولة» في أوروبا وأمريكا، فاننا نتحدث عن الحفاظ على السيطرة المدنية والمراقبة الدقيقة للأجهزة الأمنية، والحظر الثابت على التعذيب (حيث تعود المخاطر على جدول الأعمال مع الانتقام)، ورفض حرب الحضارات المثيرة للغاية من قبل كلا من اليمين الشعبوي والجهاديين.

ولكن في غياب بعض النهايات الخارقة للإرهاب، يرى البعض أننا في محاربتنا نقدم تنازلات عن بعض قيمنا، وأفضل ما يمكن أن نأمله هو الإبقاء على ما يكفي من إنسانيتنا لتكون هناك فرصة في بدأ عودة الباقي عند انتهاء الحرب، كما تفعل كل الحروب.

لقراءة المقال الأصلي اضغط

ديفيد ريف - نيويورك تايمز-  ترجمة وتحرير راصد الخليج-