بحثت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في جذور «العقيدة السعودية الوهابية»، في محاولتها للربط بينها وبين التطرّف العالمي، لتخلص في تحقيق من 15 صفحة، إلى أن من الصعب إحداث إصلاحات في هذه العقيدة
«لقد أصبحت الفكرة واضحة: السعودية تصدّر النزعة الإسلامية المتعصّبة والأصولية المعروفة بالوهابية، وهذه الأخيرة غذّت التطرّف العالمي وساهمت في انتشار الإرهاب»، فكرة استهلّت بها صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تحقيقها عن الدور السعودي في تعزيز التطرّف العالمي، ومدى تأثير الوهابية في ذلك.
تبعت هذه العبارة جملة أخرى تقول إن «داعش يعتبر امتداداً لتهديداتها (الوهابية) ودعواتها للعنف في الغرب، إن بتوجيه أو بتحفيز هجمات إرهابية في دولة بعد أخرى».
ما تقدّم ندر حدوثه، قبل سنوات، ولكن بعد ملامسة الإرهاب الدول الغربية، بات من الضروري، بالنسبة إلى «الحليف» قبل «العدو»، تمحيص الدور السعودي في كل ما يجري من أحداث تصب في خانة «التشدد» و»الجهاد العالمي» و»التطرّف العنيف»، وغيرها من العبارات التي ترتبط بـ»الإسلام المتطرّف». وقد دفع هذا الأمر «نيويورك تايمز» إلى تخصيص 15 صفحة للتحقيق في «العقيدة السعودية»، منذ انطلاقتها إلى اليوم، بهدف معرفة ما إذا كان ممكناً «إجراء إصلاحات عليها».
وقد عنون التقرير بـ:»السعوديون والتطرّف: مشعلو الحرائق ورجال الإطفاء»، وهو عبارة مستقاة من تصريح أدلى به الباحث في معهد «بروكينغز» ويليام ماكينت للكاتب سكوت شاين، معتبراً أنه «في عالم الإسلام المتطرّف، السعوديون هم مشعلو الحرائق وأيضاً رجال الإطفاء». وقال إن السعوديين «يروّجون لنوع سامٍّ جداً من الإسلام المتطرّف»، من دون أن يغفل الإشارة إلى أن هؤلاء «هم شركاؤنا في محاربة الإرهاب».
الوهابية والسعوديون: النشأة
يسأل الكاتب «لماذا من الصعب أن تتخلّص السعودية من أيديولوجيا تجدها معظم دول العالم منفّرة؟»، ليجيب أن مفتاح «المعضلة السعودية» يعود في جزء منه إلى عام 1744 حين لجأ مؤسس الوهابية محمد بن عبد الوهاب إلى حماية محمد بن سعود الذي كان زعيماً قبلياً قوياً. يومها، أقيم تحالف ذو مصالح متبادلة: حصل محمد بن عبد الوهاب على الحماية العسكرية لحركته، فيما حصلت العائلة السعودية على التبني من قبل أحد رجال الدين الأكثر تزمّتاً. ولكن شاين لا يغفل أن هذا المفتاح هو أحد «حدثين تاريخيين» قد يحددان التأثير السعودي في القرون اللاحقة، فبحسبه «الحدث الثاني، هو اكتشاف المنقبين الأميركيين احتياط النفط الكبير في السعودية»، وهو يوضح على هذا الصعيد أن هذا التطوّر «خلق عائدات ثروة هائلة، ساهمت في إقامة نظام اجتماعي واقتصادي صارم، فضلاً عن أنها منحت المؤسسة الدينية المحافِظة ميزانية مسرفة لتصدير نزعتها الإسلامية المتشددة». من هنا، يشير الكاتب إلى أنه «على مدى أربعة عقود منذ عام 1964، وخصوصاً في الدول التي لا تتمتع بغالبية مسلمة، بنت السعودية 1359 مسجداً، 210 مراكز إسلامية، 202 كلية و2000 مدرسة».
«التبشير السعودي»
اعتمد سكوت شاين في تحقيقه الطويل عبارة «التبشير السعودي»، ليستدل من خلالها إلى الأدوات المختلفة التي تستخدمها الحكومات السعودية المتعاقبة من أجل نشر «العقيدة الوهابية» على المستوى العالمي. وفي هذا المجال، توصل إلى حقيقة أن امتداد هذه العقيدة «كان مذهلاً ويلمس كل بلد فيه مسلمون، ابتداءً من مسجد غوتنبرغ في السويد إلى مسجد الملك فيصل في تشاد، ومن مسجد الملك فهد في لوس أنجلوس إلى مسجد سيول المركزي في كوريا الجنوبية». وأوضح أن «الدعم كان يأتي من الحكومة السعودية، والعائلة المالكة والجمعيات الخيرية، وأيضاً من الجمعيات التي ترعاها السعودية». بل إن الكاتب ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، ولفت نقلاً عن الباحث ماكينت، إلى أن «التمويل السعودي السخي للدراسات العليا، ومعاهد البحوث في جامعات أميركية، بما في ذلك أكثر المؤسسات نخبوية، ردع الانتقادات التي يمكن أن تُوجّه للسعودية، كما ثبّط الأبحاث التي تتطرق إلى آثار التبشير الوهابي».
أما عن مدى تأثير هذا التبشير، فيشير الكاتب إلى أن هناك إجماعاً واسعاً على أن «الأيديولوجيا السعودية الماحقة طغت على التقاليد الإسلامية المحلية في عشرات الدول»، موضحاً في الوقت ذاته أن «مدى التأثير السعودي يعتمد بشكل واسع على الشروط المحلية». مثلاً، غيّرت التعاليم السعودية الثقافة الدينية باتجاه ممارسات أكثر محافظة وتطرّفاً في أندونيسيا. أما في دول أخرى، مثل باكستان ونيجيريا، فإن تدفق المال السعودي، والأيديولوجيا التي تروّج لها، فاقم الانقسامات حول الدين. وقد ظهرت هذه الآثار أيضاً، من خلال ما وصفه الكاتب بـ»الإحراج الكبير» الذي تعرّضت له السلطات السعودية، باعتماد «داعش» على الكتب التعليمية الرسمية السعودية في مدارسه، إلى أن تمكّن هذا التنظيم من نشر كتبه، في عام 2015.
ولم يغفل الكاتب الالتفات إلى الدور الأميركي في كل ذلك، ولكن من زاوية أخرى وهي «محاربة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان عن طريق الجهاد». وفي هذا السياق، أشار إلى أنه «في عام 1980، عملت السعودية والولايات المتحدة معاً من أجل تمويل المجاهدين في هذه الحرب الأفغانية». حتى إن الولايات المتحدة أنفقت 50 مليون دولار من عام 1986 إلى عام 1992 على ما سُمي «مشروع محو الأمية الجهادية». وقد تضمّن ذلك «طباعة الكتب للأطفال الأفغان والشباب لتشجيعهم على العنف ضد الكفار من غير المسلمين، مثل الجنود السوفيات».
وعلى الرغم من ذلك، حاول الكاتب تخفيف الدور الأميركي، لاحقاً، في معرض حديثه عن «الجهاد في أفغانستان»، قائلاً إنه «بالنسبة للولايات المتحدة تغيّر الموضوع بعد هجمات أيلول 2001». وفيما اعتبر أن التغيير السعودي كان بطيئاً في هذا المجال، فقد أوضح أن «المسؤولين الأميركيين يعتمدون أسلوباً ناعماً للضغط على حليفهم، لإدراكهم أهمية الاعتماد الأميركي على النفط والتعاون الاستخباري السعودي».
هل الإصلاح ممكن؟
يشير الكاتب إلى أن «القادة السعوديين لديهم جهود للإصلاح الأيديولوجي، تشمل الكتب التعليمية والتبشير، وذلك من أجل الحصول على اعتراف بأن تصديرهم الديني قد تراجع». ويضيف أن «المملكة كثّفت حملة علاقات عامة عدائية في الغرب، من خلال توظيف خبراء دعاية أميركيين، وذلك بهدف مواجهة التقارير الإعلامية الإخبارية الناقدة، وصياغة صورة إصلاحية للقادة السعوديين». ولكن سكوت شاين يخلص، بعد كل ذلك، إلى أنه «لا خبراء الدعاية ولا الزبائن يمكنهم أن يلغوا العقيدة الإسلامية التي بُنيت على أساسها الدولة السعودية، كما أن من الصعب قمع العادات القديمة». ومثال على ذلك، يشير إلى «رجل الدين السعودي المعروف سعد بن ناصر الشثري، الذي جرّده الملك عبدالله من سلطته بسبب موقفه المعارض للتعليم المختلط في الجامعات». ويوضح أن «الملك سلمان أعاده إلى وظيفته، العام الماضي، بعد وقت قصير على انضمامه إلى جوقة المنتقدين لداعش». ولكن الكاتب يلفت إلى أن السبب الذي جعل الشثري يرفض «داعش» يوحي بصعوبة التغيير، ذلك أنه قد صرح بأن «هذه الجماعة أكثر كفراً من اليهود والمسيحيين».
«نيويورك تايمز» الامريكية-