علاقات » اميركي

قانون "جاستا".. سلاح ابتزاز أمريكي "مدمّر للعلاقات الدولية"

في 2016/09/15

شكل إقرار الكونغرس الأمريكي لقانون ما يسمى "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، المعروف اختصاراً بـ "جاستا"، والذي يسمح لذوي ضحايا "11 سبتمبر" بمقاضاة حكومة وأفراد الأسرة المالكة السعودية، سابقة في تاريخ السياسة الأمريكية، ولا سيما أنه يتعارض مع مبدأ السيادة التي تتمتع بها الدول وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".

فللمرة الأولى يدعم الكونغرس الأمريكي -بأغلبية ساحقة- "محاكمة حليف تاريخي" لواشنطن كالسعودية، ما يعني أن العلاقات بين "الحليفين" لن تكون كما كانت خلال العقود الماضية. إلا أن الأمر سرعان ما تطور لتخرج مواقفة عربية رسمية تعبر عن القلق من هذا القانون، والذي وُصف بأنه "وصفة لزيادة التوتر في المنطقة العربية".

وبموجب القانون فإن للحكومة الأمريكية حق الحجز على الأصول المالية السعودية المقدرة بنحو 750 مليار دولار، في حال رفع أقارب ضحايا "11 سبتمبر" قضايا تطالب المملكة بدفع تعوضيات مالية، الأمر الذي يعني أن المملكة لن يكون بمقدورها تنفيذ تهديدها ببيع أصولها المالية في الخزينة الأمريكية في حال إقرار القانون، ما يشكل -وفق مراقبين- "ابتزازاً علنياً للسعودية".

لكن قانون "جاستا" بحد ذاته -بحسب مختصين في القانون الدولي- ينطوي على أبعاد خطيرة، فمن الناحية القانونية يوفّر غطاء قانونياً لكل من يريد مقاضاة أي دولة أو حكومة أمام المحاكم الأمريكية، وهو ما يمثل خروجاً عن المألوف والمستقر في العلاقات الدولية والقانون الدولي، الذي يمنح الدول والحكومات ومسؤوليها حصانةً سياديةً تمنع من مقاضاتهم خارج بلدانهم، إلا إذا تورّطوا في جرائم حرب.

استنكار عربي

البرلمان العربي بدوره استنكر إقرار الكونغرس الأمريكي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب"، مؤكداً أن هذا القانون "يتعارض مع مبدأ السيادة التي تتمتع بها الدول وفقاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة".

وأوضح رئيس البرلمان، أحمد الجروان، في بيان له، الأربعاء، "أن القانون يعتبر سابقة خطيرة في مبادئ وأسس العلاقات بين الدول، وذلك بتطبيق قانون داخل دولة يحق له التدخل بشؤون دول ذات سيادة، وهو ما تستنكره ليس فقط الشعوب العربية، بل كافة شعوب العالم".

وحذر من أن تطبيق هذا القانون "سيؤدي لمزيد من التوترات بين الدول، ويقوض الحرب الدولية ضد الإرهاب، في ظل التبعات الخطيرة المرتبطة بتطبيق هذا القانون على المبادئ الدولية الراسخة والمرتبطة بمبدأ السيادة، والتي تمثل ركناً أساسياً في العلاقات الدولية"، معرباً عن أمله في أن توقف الحكومة الأمريكية مثل هذا القرار حماية لمبادئ القانون الدولي، وتحقيقاً للمصلحة الدولية.

ودعا الجروان الدول العربية وجامعة الدول العربية في ظل هذه الأوضاع إلى" المزيد من التكاتف والتعاضد للتصدي لمثل هذه الأجندات التي تحاول زيادة التوترات في المنطقة".

أصل القضية

قصة اتهام السعودية تعود لشهادة زكريا الموسوي، المواطن الفرنسي المدان بضلوعه في هجمات "11 سبتمبر"، الذي ذكر في شهادته أمام المحكمة الاتحادية في نيويورك في فبراير/شباط 2015، أن "أفراداً من العائلة المالكة السعودية دفعوا ملايين الدولارات للقاعدة في التسعينيات للمشاركة في التحضير لهجمات على الأراضي الأمريكية".

وأكد موسوي أن أموال الأمراء السعوديين كانت "أساسية" بالنسبة إلى القاعدة، لافتاً إلى أنها كانت تستخدم في شراء بنادق كلاشنيكوف، ومعدات عسكرية، ومواد غذائية، وأيضاً في دفع رواتب عناصر تنظيم القاعدة.

إلا أن الحكومة السعودية نفت مراراً صحة ادعاءات الموسوي، وهو ما أكده رئيس المخابرات الأمريكية في يونيو/حزيران الماضي، الذي أكد براءة السعودية من أي عملية تورط بالهجمات الدامية.

-ابتزاز مفضوح

وعقب تصويت الكونغرس على "جاستا" تعهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما، باستخدام الفيتو لنقضه وإعادته إلى الكونغرس، وفي هذه الحالة يكون على الكونغرس أن يعيد التصويت على القانون، وإذا حاز أغلبية الثلثين فسيرى القانون النور، وهو ما سوف يضع العلاقات بين الحليفين الأقدمين في الشرق الأسط في مهب الريح، ولا سيما فيما يتعلق بالعلاقات الأمينة بينهما، خصوصاً إذا رفع بعض أهالي الضحايا قضايا على المملكة أمام المحاكم الأمريكية، وهنا لن يجدي تصريح السيناتور الديمقراطي، تشارلز شومر، الذي صاغ القانون، بأن "على السعودية ألا تقلق طالما أنها غير متورطة".

ويفسر مراقبون القانون بأنه ليس سوى سلاح لـ "ابتزاز سياسي واقتصادي مفضوح" للرياض، بتوريطها في أحداث 11 سبتمبر/أيلول، وهذا يعيد إلى الأذهان ما فعلته واشنطن من قبل مع ليبيا؛ عندما اتهمتها بإسقاط طائرة "لوكربي" الشهيرة التابعة لشركة طيران "بان أمريكان" عام 1988.

وسبق للصحفي الأمريكي في صحيفة "أتلانتيك" الأمريكية، جيفري غولدبيرغ، أن ذكر بأن أوباما يرى أن السعودية تسعى إلى إفساد الاتفاق النووي الذي عقده مع إيران، والذي يريد هو إنجاحه، على الرغم من الانتقادات التي ترى أن طهران لم تلتزم بكل بنود الاتفاق.

الأمر الذي يعتبر، بحسب غولدبيرغ، سبب الخلاف السعودي-الأمريكي، مع اعتماد الولايات المتحدة سياسات حيال المنطقة العربية محورها مكافحة الإرهاب، لا مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، والذي تراه الرياض يهددها بشكل رئيس.

-غاية انتخابية

ويأتي إقرار الكونغرس الأمريكي للقانون في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة سنة انتخابية حامية، وهو ما اعتبره الكاتب خليل العناني، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية، في مقال له بأنه توظيف "للأجواء الانتخابية الساخنة؛ من أجل الضغط على البيت الأبيض لتمرير القانون، مثلما كانت هي الحال مع أعضاء الكونغرس".

فبعد أقل من شهرين سوف تُجرى ليس فقط الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وإنما أيضاً انتخابات الكونغرس، ويسعى كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، إلى الفوز بأغلبية المقاعد، ولذا كان إجماع بين مجلسي الكونغرس على تمرير القانون، وإرساله إلى الرئيس أوباما، وكان من الصعب على أي عضو يريد إعادة انتخابه في الكونغرس أن يعترض على قانون كهذا، حتى لا يخسر مقعده الانتخابي، وفق العاني.

من ناحيته قال المدير التنفيذي لمجلس سياسة الشرق الأوسط، توماس ماتير، في حديث صحفي، إن أسر ضحايا 11 سبتمبر/أيلول تطالب بالقانون منذ سنوات طويلة، وإن مندوبي نيويورك في مجلس النواب يمثلون هذه الأسر، ويمارسون ضغطهم في سنة انتخابية، وبالتالي هناك أسباب سياسية لصدور مشروع القانون دون مناقشات طويلة.

عبدالله حاتم - الخليج أونلاين-