هذا التباكي المزيف الذي نراه وكأنَّ صاحبه يبحث له عن مناسبة، عن مبرر لذرف هذه الدموع، وعن سبب «ما» للبوْح عن موقف كان يخفيه، أو معلوماً ولكنه مع الأحداث تعود معه ظاهرة ذرف الدموع ثانية، ومع التطورات تتجدد الشهية النهمة للتباكي من جديد، والرغبة وقد جاءت المناسبة معها للإفصاح عن المكنون الحاقد في الصدور.
هم هكذا، أسرى لكل توجه يلقي بالضرر على بلادهم، جاهلون أو يتجاهلون بما هو موقف اصطفاف يتناغمون به مع العدو، حتى وإن بدوا أدعياء في خوفهم على الوطن، وإظهار حرصهم على تجنيبه المزالق التي تجرّه إلى مكامن الخطر، فهي لعبتهم وإن حاولوا أن يخفوا عيوبها وخطورتها بأحسن الكلام عن خوفهم عليه، والحرص على مصلحته.
إنهم يعزفون على وتر الحب للوطن، وهم ليسوا بهذه الصفة، فهذا ما يظهر لنا ونستنتجه مما يكتبون عنه، أو يتحدثون به عن التحديات التي يواجهها، فكلامهم المعسول، والعبارات ذات السمة في خوفهم عليه، لا تعدو أن تكون غطاء لما تخفيه الصدور، فمواقفهم لا تنتمي إلى ما هو مطلوب من أي مواطن ليكون خطَّ دفاعٍ مهمٍّ لوطن جاذب للوقوف معه، والانتصار له لا عليه.
في قانون (جاستا) رأينا سباقاً محموماً بين نفر منا، لا للدفاع عن الوطن المظلوم، وتكريس وحدته وجبهته الداخلية، وإنما في الحديث عن سلبياته وضعفه، لا عن قوته وإيجابياته، وإنما عن حاجته إلى إشراك الشعب في قراراته، لا في إبراز مصادر الثقة بقيادته ووزرائه ومسؤوليه، وكلهم من الشعب وإلى الشعب، كمن يريد أن يخرجنا من الدفاع عن ظلم الوطن، إلى المشاركة في ظلمه.
راقبوا (التويتر) ومنصات التواصل الاجتماعي وكل التطبيقات، واقرؤوا ما فيها من غثِّ الكلام، وسوء المنطق، وتجهيل الناس بالافتراء، وممارسة الكراهية، والقول بما يتنافى مع حب الوطن والإخلاص له، فنحن أمام غياب الوعي لدى هؤلاء من خلال مواقف لا تخرجهم ولا تبرئهم عن مظلمة الوطن الآمن، وهو الانطباع والموقف مما كان مثار صدى هذا القانون المشبوه لدى نفر منا.
وفي مثل هذا التوقيت، ومع تسارع الأحداث في العلاقة السعودية - الأمريكية، يحسن بالجميع أن يدافع عن الوطن، أمام هذه المؤامرة الأمريكية الخطيرة، لا أن يربطها بأوضاعنا المحلية، فيملي رغباته وأهدافه وتطلعاته قديمها وحديثها على الوطن، وثم ينقلنا من تفنيد هذا القانون الجائر إلى مماحكات حول قضايا خلافية ذات شؤون داخلية.
دعونا الآن نصطف معاً في موقف واحد، وهدف متفق عليه بيننا، ومحاور نعمق فيها حب الوطن، وصولاً إلى إبقاء المملكة دولة قوية، لا ترتهن لقرار ظالم، ولا تستسلم لقوانين تُلحِق الضرر بنا، ولا نسلِّم أمرنا ومصيرنا ومستقبلنا وحياتنا لمن لا يريد الخير لنا، إذ ليس ما يقوله بعضهم عن الوطن ما يمكن وصفه أو تصنيفه على أنه في خانة المواطنين المخلصين المحبين لوطنهم.
خالد بن حمد المالك- الجزيرة السعودية-