قالت الولايات المتحدة إن تعاونها الأمني مع السعودية لم يكن «شيكًا مفتوحًا»، بعد أن وافقت السعودية على إجراء تحقيق في الغارة الجوية على مجلس عزاء في اليمن خلّف 140 قتيلًا، وتم إدانته إدانة واسعة.
وفي واحدة من أكثر الهجمات دموية منذ بدء الحرب الأهلية في اليمن والتي دخلتها السعودية في مارس/ أذار عام 2015، شنت طائرات يوم السبت هجومًا على صالة عزاء امتلأت بآلاف المعزين في العاصمة اليمنية صنعاء التي يسيطر عليها المتمردون. وأصيب أكثر من 525 شخصًا جراء الغارة.
رفضت السعودية التي تقود التحالف العربي الاعتراف بمسؤوليتها عن الهجوم، وأعلنت عن فتح تحقيق حول الواقعة، لكنّها الوحيدة التي تملك قوة جوية يمكنها شن مثل هذه الغارة في الصراع.
وأصدر البيت الأبيض بيانًا يقول فيه أنه بدأ «مراجعة فورية» لدعمه للسعودية في اليمن. وتم إدانة الهجوم من قبل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتسبب تلك القضية الحرج للولايات المتحدة، وخاصة بعدما انتقدت الفشل الروسي في أن تكون أكثر انفتاحًا بشأن دورها في الهجوم الجوي الذي استهدف قافلة مساعدات الأمم المتحدة في سوريا، وستواجه اتهامًا بازدواجية المعايير إذا سمحت للسعودية بتأخير التحقيق.
وتقدم كلًا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إمدادات عسكرية للسعودية، بالإضافة إلى المشورة العسكرية، على الرغم من عدم التوافق حول مدى دقة هذه المشورة.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض: «نشعر بالقلق العميق إزاء التقارير حول الغارة الجوية على مجلس عزاء في اليمن، والتي إن تأكدت، ستصبح استمرارًا لسلسلة الهجمات المثيرة للقلق على المدنيين اليمنيين. والتعاون الأمني الأمريكي مع السعودية ليس شيكًا مفتوحًا».
وأضاف: «حتى وإن كنا نساعد السعودية للدفاع عن سلامة أراضيها، فإننا سنستمر في التعبير عن مخاوفنا الجدية حول الصراع في اليمن وكيف يزداد اشتعالًا. وفي ضوء هذا والحوادث الأخيرة الأخرى، قررنا البدء في مراجعة فورية لدعمنا الذي تم تخفيضه بالفعل للتحالف الذي تقوده السعودية، والاستعداد لضبط دعمنا لكي يتماشى مع مبادئ وقيم الولايات المتحدة ومصالحها، بما في ذلك تحقيق وقف دائم وفوري للصراع المأساوي في اليمن».
ودعى وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا البريطاني «توبياس إلوود» السعودية أيضًا لإجراء تحقيق عاجل. ونقلت «رويترز» عن مسؤولين سعوديين إنكارهم أي صلة للسعودية بالغارة وإصرارهم على أنّ القوات الجوية لديها تعليمات صارمة بتجنب مثل تلك الأهداف. وكانت وزارة الخارجية البريطانية قد أصرت على عدم الحاجة لإلغاء تراخيص بيع الأسلحة للسعودية طالما لم يكن هناك خطر جدّي بخرق القانون الإنساني.
وفي تطور غير متوقع للأحداث، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مسؤوليته عن الهجوم، على الرغم من أنّ الاعتقاد السائد أن الهجوم كان جويًا، وأن تنظيم الدولة لا يملك طائرات.
وأصدر التحالف العربي بيانًا يقول فيه أنّه كان لديه علم بتقارير عن القصف «المؤسف والمؤلم» للقاعة الكبرى بصنعاء. وأعرب التحالف عن خالص تعازيه ودعمه لأسر الضحايا الذين قتلوا في اليمن منذ عام 2014.
وأضاف البيان: «يؤكد التحالف أن قواته لديها تعليمات واضحة بعدم استهداف المناطق المأهولة بالسكان لتجنب المدنيين. وسيبدأ التحالف فورًا تحقيقًا في القضية جنبًا إلى جنب مع الفريق المشترك للتحقيق في حوادث اليمن».
وكان طلب بإجراء تحقيق مستقل تقوده الأمم المتحدة عن الانتهاكات التي حدثت للقانون الإنسامي في 18 شهرًا من الصراع في اليمن قد تم التصدي له من قبل الدول العربية في مجلس حقوق الإنسان. وقتل10 آلاف على الأقل في الصراع في مدة 18 شهرًا.
وكان آلاف اليمنيين، والعديد منهم مسلحين، قد تجمعوا أمام مقرات الأمم المتحدة في صنعاء مطالبين بتحقيق دولي في الغارة الجوية. وانطلقت آيات العزاء في الراديو ومكبرات الصوت بالمساجد مع احتشاد المتظاهرين في الشوارع حول مقرات الأمم المتحدة، وكان العديد منهم يلوحون ببنادقهم في الهواء.
وشمل الضحايا من القتلى والمصابين يوم السبت مسؤولين عسكريين وأمنيين بارزين تابعين للحوثيين الذين يقاتلون حكومة «عبد ربه منصور هادي» المعترف بها دوليًا، وكذلك من حلفائهم أصحاب الولاء للرئيس السابق «علي عبد الله صالح».
وهرعت سيارات الإسعاف للمكان لنقل المصابين إلى المستشفيات. ودعا وزير الصحة غبر إذاعات الراديو الأطباء للقيام بواجباتهم تجاه المصابين، كما دعا المواطنين للتبرع بالدم. وحاول رجال الإنقاذ البحث عن مزيد من الضحايا وسط الحطام، لكن النيران أعاقت مجهودهم.
وقال شهود عيان ومسعفون أنّ صاروخًا ضرب القاعة جنوب العاصمة، فدمّر المبنى تمامًا. وأظهرت الصور من داخل القاعة أنّها تحولت مرة واحدة من مكان مزخرف إلى كومة من الحديد الملتوي والأنقاض بعد انفجارين ضخمين.
وقال موقع صبا نيوز الذي يسيطر عليه الحوثيون، أنّ «عشرات المواطنين سقطوا شهداءً أو مصابين جرّاء الغارة التي شنتها طائرات العدوان السعودي الأمريكي».
ودعا «صالح» يوم الأحد لشن هجوم ثأري ضد السعودية.
وفي خطب متلفز دعا «صالح» المواطنين قائلًا: «أطالب أبناء هذه الأمة، بمواجهة العدوان بكل قوتهم، ويجب عليكم التوجه لساحات القتال».
وكانت السعودية قد اشتركت في الصراع منذ مارس/ أذار عام 2015، لدعم الحكومة اليمنية التي تولت السلطة بعد الإطاحة بـ«صالح» في 2012 إبان احتجاجات الربيع العربي، ضد قوات الحوثيين المسيطرين على صنعاء. وواجهت انتقادات متكررة حول خرقها للقانون الإنساني، ونشرت الجارديان الشهر الماضي بيانات تشير إلى أنّ أكثر من ثلاث الغارات الجوية للتحالف قد أصابت أماكن مدنية مثل المدارس والمستشفيات والأسواق والمساجد والبنية الاقتصادية.
وتم اتهام الحوثيين أيضًا بانتهاكات لحقوق الإنسان، شملت استخدام الألغام الأرضية والقصف العشوائي. وتخشى السعودية من كون الجوثيين وكلاء عن عدوتها الإقليمية، إيران.
وحددت الأمم المتحدة قتلى الصراع بأكثر من 10 آلاف، العديد منهم مدنيون. كما يصارع العشرات من الأطفال الموت في عنابر المستشفيات اليمنية، فيما تتزايد المخاوف من أن الحرب والحصار البحري يقودان لمجاعة في أفقر دول شبه الجزيرة العربية.
ويعاني أكثر من نصف سكان اليمن البالغ عدهم 28 مليون نسمة، بالفعل من نقص الطعام، وفق بيانات الأمم المتحدة، ويتصدر الأطفال هؤلاء الذين يعانون، مع تعرض مئات الآلاف منهم لخطر الموت جوعًا.
وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية أنّه: «ارتعب وقلق للغاية» بسبب الهجمات، ودعى إلى تحقيق سريع ونزيه.
الغارديان - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-