هناك الكثير من التنبؤات وقوع كارثة حول إرث «أوباما» ونهاية أقدم علاقة استراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وبناء على هذا التحليل فإن على الولايات المتحدة الخروج من المنطقة. وخوفا من إيران، سيتحالف السعوديون مع روسيا أو الصين أو مجرد أي شخص آخر.
ومع ذلك في العالم الحقيقي، لا يزال الجيش الأمريكي له وجود شبه دائم في وحول شبه الجزيرة العربية، مع أدوار دعم أصغر من المملكة المتحدة وفرنسا.
أجرى السعوديون مناورات بحرية خاصة في الخليج في أوائل أكتوبر/تشرين الأول. وحثت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة منذ فترة طويلة السعوديين على أن يسارعوا إلى التطور في الأمن البحري، بدلا من التقيد في النشاط البحري لصالح صورة ذهنية حول محورية القوة الجوية. ونظرا للتوترات المتزايدة حذر الإيرانيون السعوديين من التقدم ولو من بعيد على من المياه الإقليمية الإيرانية.
في منتصف 2016 قامت القوات البحرية الأمريكية والبريطانية بمضادات الألغام باكتساح الخليج. وعندما أغرق الحوثيون في اليمن سفينة الإمارات العربية المتحدة في نقطة الاختناق عند باب المندب في البحر الأحمر في أواخر سبتمبر/أيلول، أرسلت الولايات المتحدة أسطولا لفرض الأمن البحري. رش قليل من عقود التسلح خارج التحالف الغربي هو أمر محتمل، ولكن ذلك لا يعني أن الرياض تسعى إلى إعادة تنظيم استراتيجي.
يصيب الرأي التشريعي والشعبي في الولايات المتحدة، مثلما هو الحال في المملكة المتحدة، وبشكل متزايد السعوديين بالإحباط. أسباب ذلك تبدو واضحة. هناك القانون الذي أقره الكونجرس بالسماح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول بمقاضاة السعوديين. عند التقدم للمحكمة، لا يوجد ضمان أن ممتلكات السعوديين من ديون الخزانة الأمريكية، وعدد لا يحصى من الاستثمارات الاستراتيجية الأخرى سوف تكون بمأمن من الضرر. إلا أن ذلك لا يعني أن على السعوديين الذهاب إلى تقويض قيمة تلك الاستثمارات بإجراءات من قبيل البت في اعتماد اليوان في مبيعات النفط. لا يتمحور السعوديون حول آسيا أكثر من الولايات المتحدة. ولكن من الحكمة أن تحتفظ المملكة ببعض البنية التحتية للطاقة في الصين، تماما كما هو الحال في الولايات المتحدة وأماكن أخرى حول العالم. زيادة التعاون بين السعودية و أكبر قوة اقتصادية ناشئة أمر عادي. ومع ذلك، فإن الصين ليست داخلة في أمن الخليج.
العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية ليست علاقة حب. قد تكون العلاقة مختلة وظيفيا، ولكن بالتأكيد تماما فإنها لا تتجه نحو الطلاق. سبعون عاما من المبيعات الدفاعية، والصلات المالية الحميمة و الاعتماد الأمني المتبادل لا يمكن ببساطة أن يتراجع مع التساهل الخطابي الشعبوي (في كلا البلدين). نجت هذه العلاقة من مقاطعة النفط بقيادة السعودية التي أدت إلى ركود عالمي طويل (والتهديد الأمريكي بتفجير حقول النفط السعودية)؛ ومن أحداث 11 سبتمبر/أيلول، على الرغم من أن الجمر لا يزال متوهجا منذ ذلك اليوم المروع.
ولكن الفرق، هو أن الولايات المتحدة كما يقول السعوديون قررت إلغاء افتراض ما كان صحيحا منذ عام 1979: أن إيران غير جديرة بالثقة نهائيا و بشدة في كل من السعودية والولايات المتحدة . السعوديون يرون بأن الولايات المتحدة عازمة على استعادة الوضع القائم ما قبل عام 1979.
كان الإيرانيون في عهد الشاه محور الخليج الرئيسي للولايات المتحدة، وكان السعوديون يلعبون دورا ثانويا. في عام 1968 بعد الشعور السياسي الداخلي بالتقزم والنمط المتبع في التخندق الدفاعي، قرر البريطانيون، إنهاء التزامات الدفاع الرسمية في الخليج. وبالتالي رأت السعودية ودول الخليج العربية الصغيرة إيران الشاه باعتبارها تهديدا من شأنه أن يدعم العراق المدعوم من السوفييت.
العراق اليوم، بالطبع، ليس العراق أو حتى فيتنام الأمس. تداعيات الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق لا تزال حية جدا في منطقة الخليج. السعوديون على حق عندما يقولون أنه تم منحه لإيران على طبق من ذهب. إيران والولايات المتحدة تدعمان حتى الآن الحكومة العراقية ضد التهديدات الداخلية، في حين أن إيران وروسيا تدعمان «الأسد» في سوريا. الولايات المتحدة تفضل بوضوح نظام «الأسد» على تنظيم الدولة، وترفضان تقديم الدعم الجوي القريب، والأسلحة النوعية، مباشرة أو عن طريق السعوديين، والتي من شأنها أن تمكن المتمردين السوريين من القتال والانتصار. وبسبب تشكك الولايات المتحدة، فإن الرئيس الأمريكي المقبل، في الممارسة العملية من شأنه ، أن يكون حذرا.
الذكريات قصيرة نوعا ما في المملكة العربية السعودية. يرى السعوديون، والكثير جدا من الرأي العام الغربي، أن الولايات المتحدة، تسببت في الكثير من الضرر في العراق. السعوديون لا يهمهم ما إذا كانت سوريا سوف تبقى دولة موحدة أم لا. إنهم لا يريدون سوى أن تبقى إيران مقيدة نوعا ما عن البحر الأبيض المتوسط، فضلا عن القوة في الخليج. بالنسبة للسعوديين، فإن إدارة الروس للأمور في سوريا أفضل من إدارة الإيرانيين. لكن التدخل العسكري الروسي لم يفعل شيئا تمكين «نظام الأسد» من استعادة السيطرة على المناطق الاستراتيجية، وهو الأمر الذي على ما يبدو أن السعوديين يكرهونه. حتى السعوديين لم يكن لديهم الكثير من الخيارات، مثل الولايات المتحدة.
نظرا للصراع في العراق وسوريا، ومع مواجهة مصر مع المشاكل الأمنية المحلية والإقليمية الخاصة بها، فإنه لا السعودية ولا الولايات المتحدة في وضع يمكنهما من أن تقويض العلاقة بينهما. للأسف، فإن وقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية في الحرب في اليمن يأتي في إطار هذا الشرط. إيران يمكنها الحفاظ على خطاب الاتفاق النووي، ولكن في النشاط الصاروخي وعمل الميليشيات، فإنها بعيدة كل البعد عما تأمل الولايات المتحدة بسذاجة أن تتمثله من روح الاتفاق.
السعوديون بالطبع يعرفون هذا جيدا. التقارب مستمر بين السعودية والولايات المتحدة في الدفاع والعلاقات الأمنية، وهذه مرحلة من التوازن للولايات المتحدة في استراتيجية الطاقة في منطقة الخليج. إيران ليست بعد حليفا أمريكيا ذا مغزى، ناهيك عن أنها من غير المرجح أن تلعب دور شرطي الأمن البارز كما فعلت في عهد الشاه. وبعبارة أخرى فإن السعوديين لا يزالون الحلفاء المفضلين للولايات المتحدة في الخليج.
ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-