يوجد شيء غير سليم في العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية. فليس من المنطقي أن نفكر بأن المملكة الوراثية التي نشأت على تفسير محافظ جدًا للإسلام قد تتوافق مع جمهورية دستورية تلتزم بالعلمانية والحرية الشخصية. لكنّ العلاقة التي ظلت غير ملائمة نمت خلال الـ 50 عامًا الماضية، ولكنها أخذت منحنى سيئا في العامين أو الثلاثة أعوام الأخيرة.
يمكن أن نعزو التوترات الأخيرة للخلاف بين السعوديين وإدارة «أوباما» إلى طرق تناول قضايا الشرق الأوسط، بداية من التعامل مع ما تسمى (الدولة الإسلامية) في العراق وسوريا، إلى ردود الفعل المختلفة تجاه الانتفاضات التي ضربت شمال أفريقيا والشرق الأوسط. بالإضافة إلى محاولة إدارة «أوباما» لرأب الصدع مع إيران، عدو السعودية اللدود.
يوجد شعور منذ وقت طويل أن تمويل آل سعود لعقود من التفسير «المتطرف» للإسلام في جميع أنحاء العالم قد ساهم في صعود التطرف الإسلامي والعنف. وتشير أصابع الاتهام للسعودية بأنّ جذور الإرهاب الحقيقي يرجع لتعاليم ونظريات أئمة المساجد ورجال الدين الذين مولتهم السعودية. وفي الوقت نفسه، نجد أن السعودية قد حاربت كل من القاعدة وتنظيم الدولة.
لذا، من الخطأ أن نلوم السعودية عن وجود تنظيم الدولة، على الرغم من أنّها ربما دأبت على إبقاء المسلمين بعيدًا عن أفكار التسامح والتحرر، ويقول الخبير النرويجي بقضايا الإرهاب «توماس هيجهامر»: «إذا كان هناك احتمال لإصلاح إسلامي في القرن العشرين، فمن المرجح أن السعودية قد منعته عن طريق الخطاب الديني». ويقول خبير آخر وهو «سيد حسين نصر»، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة جورج واشنطن، أنّه لا حظ أنّ النسخة الإنجليزية من القرآن، والتي وزعتها السعودية على مر السنوات، تحوي عبارات مسيئة للمسيحيين واليهود «بشكل مبتدع بالكامل، ليس لها أساس في التقليد الإسلامي».
وهنا يبرز التساؤل حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على تغيير طبيعة خطاب التبشير السعودي. وتقول «فرح بانديث»، المسؤولة السابقة بوزارة الخارجية والتي تعاملت مع ملفات تخص المجتمع الإسلامي العالمي: «إنّ الوهابية التي مولتها السعودية دخيلة، ويجب أن نأخذ أمر الروايات والنظريات المتطرفة على محمل الجد». جاء ذلك في مقال لها بصحيفة نيويورك تايمز. ويقترح البعض أن تقوم حكومة البيت الأبيض بإنشاء مراكز إعداد الدعاة والأئمة في أفريقيا وآسيا وأوروبا وشمال أمريكا بعيدًا عن سطوة التمويل السعودي لتوفير التنوع في الممارسات الإسلامية.
ومن جانبها، أوصت لجنة 11 سبتمبر الولايات المتحدة بمحاولة إعادة تشكيل النظرية والممارسة الخاصة بالدين. وجاء في التوصية: «لابد أن نشجع الإصلاح والحرية والديمقراطية وإتاحة الفرص، حتى وإن كان ترويجنا لهذه الرسالة محدود الفعالية ببساطة لأننا لسنا حامليها. ويمكن للولايات المتحدة ترويج الحداثة لكنها لا تضمن استمراريتها. فقط المسلمون يمكنهم ذلك».
ولم تكن المواقف العامة هنا في الولايات المتحدة تجاه السعودية دافئة جدًا، وقد أصبحت الآن أكثر برودة بكثير. ولم يظهر إصدار الـ 28 صفحة المثيرة للجدل من تحقيق الكونغرس أي دليل على تورط الحكومة السعودية في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، ولكنه ترك الباب مفتوحًا لتمرير قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)، وهو التشريع الذي يسمح لأسر ضحايا الهجمات بمقاضاة الحكومة السعودية لمجرد التخمين.
رغم وجود عدد من أعضاء الكونغرس الراغبين في انتقاد السعودية علنًا. ومع أن أعضاء الغرفتين صوتوا بأغلبية ساحقة على تجاوز فيتو «أوباما» ضد جاستا، فقد صوت نفس الأعضاء قبل عدة أسابيع ضد مشروع قانون لإلغاء بيع أسلحة للسعودية، والتي استخدمت بوحشية في اليمن. وربما لا يحب الشعب الأمريكي فكرة أن يتملق العم سام للحكومات المستبدة من أجل النفط، ولكنهم يحبون فكرة تلقي عائدات النفط.
ويقول عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا، «ليندسي جراهام»: «عادة ما تتوافق مصالح الولايات المتحدة والسعودية. الشرق الأوسط مكان معقد جدًا، لكن تشارك السعودية للمعلومات الاستخباراتية معنا هو ما يحافظ على أمن الأمريكيين. لقد سمحوا لنا باستخدام قواعدهم الجوية وقت الصراع، وهم ضد تنظيم الدولة تمامًا، وهم حليف عظيم ضد الطموحات الجامحة للإيرانيين. ولهؤلاء الذين يتمنوا قطع هذه العلاقة، احذروا مما تأملون».
باختصار، فإن السعودية ليست الحليف الأمثل، لكنّ دعم الحفاظ على العلاقات مع المملكة، يظل شديد الأهمية. وكان الرئيس أوباما قد عبر في وقت مبكر هذا العام عن العلاقة مع السعودية بوصفها «معقدة».
نعم، لقد كانت معقدة.. ولا زالت كذلك.
ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-