ربما يحاول آل سعود تحديث اقتصادهم، لكنّ الهوة بين قيم ومصالح الولايات المتحدة والسعودية تصبح أكثر عمقًا. الانقسام حول القيم يتزايد، لكنه لابد ألا يتحول إلى انقسام في المصالح. إعادة تقييم شروط هذه العلاقة والفوائد منها الآن خطوة متأخرة للغاية. وقد تم تجاهل انتهاك السعوديين لحقوق الإنسان طويلًا عبر الإدارات المتعاقبة من كلا الحزبين من أجل الحفاظ على التحالف والدخول لأسواق النفط والهدف المشترك في احتواء أطماع إيران الإقليمية. وقد شكل هذا التجاهل لأفعال الحكومة السعودية تجاه مواطنيها العلاقة الدبلوماسية لأمريكا مع الرياض. ولن يكون هناك شيء أكثر خطئًا.
وأكثر ما يوضح الانقسام في القيم بين السعودية والولايات المتحدة هو تقييد حرية المرأة في السعودية تمامًا، بينما تقدر الولايات المتحدة حرية المرأة كثيرًا. فالمرأة في السعودية تعتمد على الرجل تمامًا من المهد إلى اللحد. وتبعًا للقانون السعودي تحتاج المرأة لمحرم أو حارس من الرجال يقوم عنها في كل قراراتها، ويكون هذا الرجل الأقرب لها غالبًا في الأسرة مثل والدها أو زوجها، أو حتى ابنها.
والمثير للسخرية، أنّ النساء في السعودية اللاتي تمّ السماح لهنّ بالتصويت في الانتخابات لأول مرة عام 2015، لم يستطيعوا فعل ذلك بسبب الحاجة لوجود محرم أثناء السفر والتنقل للتصويت، وصدرت الفتاوى بأن عليهن البقاء في المنزل حتى يوم الانتخابات. ولا توجد من الأساس انتخابات تشارك فيها المعارضة في السعودية.
وعلاوة على ذلك، يعامل المواطنون السعوديون كمجتمع سني لا يسمح بأي دين أو طائفة أو مذهب آخر. وفي يناير/ كانون الثاني تم إعدام الشيخ الشيعي البارز نمر النمر بتهمة التحريض ضد الأسرة الحاكمة وعدم الولاء للملكية السعودية. وكان «النمر» قد أوضح أنه لم يتلق أية رعاية طبية جراء رصاصة كانت قد استقرت بجسده أثناء القبض عليه. كما لم يسمح له القاضي بأية حقوق دفاعية مثل الاجتماع مع محاميه أو استدعاء الشهود، كما ينتظر «علي» ابن شقيقه نفس الحكم حيث كان قد تم الحكم عليه بالإعدام قاصرًا، وينتظر تنفيذ الحكم في أحد السجون السعودية.
ويتعرض مئات السعوديين للإعدام علنًا سنويًا، على جرائم مثل الزنا واللواط والسحر وتعاطي المخدرات. وفي عام 2015، سجلت السعودية 157 حالة إعدام علني، لتسجل السنة الأكثر دموية في السعودية خلال 20 عامًا.
وللمقارنة فقط في جانب حقوق الإنسان، نجد أنّ السعودية هي حليف على النقيض من الولايات المتحدة. وبينما تعدّ حقوق الإنسان عدسة مهمة للنظر من خلالها في أي شراكة، استند التحالف مع السعودية على السياسة الواقعية. إذًا ماذا عن المصالح والاعتبارات الاستراتيجية؟ نجد هنا أنّ السلطات السعودية لم تفشل فقط في الاقتراب من المعايير الدولية في معاملة مواطنيها، لكنها فشلت أيضًا في حفظ النظام الإقليمي. فقد فشلت السعودية في حماية استقرار حليفتيها مصر والبحرين، ولعبت دور القيادة في الحرب الأهلية السورية وهو ما أضر بعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. ونجحت السعودية، في الوقت نفسه، في أن تعيث فسادًا في اليمن.
ويتضح التفاوت في الأولوية الاستراتيجية بين واشنطن والرياض أكثر في أمر تصدير السعودية للتطرف والممارسات الإسلامية التي سمحت بولادة الإرهاب. وبينما أقرّ تحقيق لجنة 11/9 المكون من 28 ورقة، أنّ حكومة السعودية لم تتورط أو أي من مسؤوليها البارزين في تبني أو المشاركة في أحداث الهجوم، إلا أنّ الواقع يقول أنّ السعودية قد دعمت الإرهاب عن طريق نشرها للوهابية عبر مساجدها ومراكزها الإسلامية. وقد أنفقت السعودية أكثر من 100 مليار دولار على هذه الأنشطة فضلًا عن مبالغ أكبر بكثير سمحت بها عن طريق القطاع الخاص والخيري، وهذا يدحض أكذوبة أنّ السعودية شريك جوهري في الحرب على الإرهاب.
وعلى الرغم من أنّ الرياض قد استثمرت بكثافة في الحرب ضد الإرهاب، استمرت المنشورات والمناهج التعليمية المحافظة بالتدفق من السعودية إلى مجتمعات عديدة حول العالم. ولم يكن هناك تغيير يذكر في العقد الأخير منذ غزت منشورات الكراهية السعودية، عام 2006، مساجد أمريكا.
وتكشفت العلاقة بين الوهابية والتطرف العنيف بوضوح في العقود القليلة الماضية. في بنجلاديش على سبيل المثال، نظم مواطنون، تعلموا الوهابية، أنفسهم في جماعة أصولية والتي نفذت احتجاجات عنيفة عام 2014. ووفقًا لبرقية عن وزارة الخارجية أطلقها ويكيليكس فإنّ السعودية قد مولت مدارس باكستانية دينية ومولت الأسر بـ 6500 دولار للسماح لأبنائهم بالتدرب على القتال. وقد أقرّ كلًا من البرلمان الأوروبي والحكومة الأمريكية في تقارير لهما بمسؤولية السعودية المباشرة عن تمويل هجمات إرهابية في مناطق متفرقة من العالم. وقد وثقت مؤسسة فريدوم هاوس دراسات استقصائية عن التراجع الديمقراطي في جميع أنحاء العالم، وشملت القائمة 105 دولة. ولوحظ أنّ الكثير من الحالات التي شهدت انحدارًا استندت إلى منظمات وجمعيات خيرية وهابية.
وفي نيجيريا، رغم إعلان الرئيس «محمد بخاري» أولوية محاربة الفساد والإرهاب في حملته الانتخابية، إلا أن عامه الأول قد شهد استمرار الجماعات الإسلامية تهديد حياة الناس في الحزام الأوسط وشمال نيجيريا. وفي كوسوفو، التي أعلنت قانون يجرم السفر من أجل القتال إلى جانب تنظيم الدولة عام 2015، إلا أنّ «نيويورك تايمز» قد نشرت قصة تؤكد تورط المدرسين المدعومين من السعودية في تعليم التطرف والأفكار التي دفعت الشباب للسفر. وفي كل من نيجيريا وكوسوفو تضررت مصالح الأمن الأمريكي بسبب انتشار الوهابية المتطرفة.
وتشجع السعودية على تصدير نوع متطرف من الإسلام، لا يعترف بالحرية الدينية، ولا يسمح بحق المرأة في حرية التعبير، ولا يسمح بنقاش صحي حول كيفية توفيق الإسلام مع الحقوق الفردية. وبينما لا يمكن التأكيد على وجود رابط للقاعدة وتنظيم الدولة مع الحكومة السعودية، لازالت المملكة تحمي هؤلاء الذين يصدرون تلك الأيدلوجيات المتطرفة، بينما تدّعي المملكة أمريكا محاربة الإرهاب.
يوجد وقت قليل لازال متاح لإدارة الرئيس «أوباما» لإعادة تقييم العلاقات الثنائية بجدية. وقد تبادل كلًا من الرئيس «أوباما» والملك «سلمان» الزجر ويبدوا أن العلاقة بينهما غير جيدة. وأيًا ما كان الفائز في انتخابات 2017، ستكون هناك فرصة لإعادة تقييم العلاقات ودائرة الحلفاء. وبالحديث عن السعودية، نجد أنّ إيران هي الأخرى لديها سجل حافل من دعم الإرهاب وانتهاك حقوق الإنسان والعمل ضد مصالح الولايات المتحدة، وهو ما لا يجعلها بديلًا مناسبًا للسعودية كشريك في المنطقة. ولكن في المقام الأول، من الخطأ أن نطالب الولايات المتحدة بعلاقات أقرب مع السعودية، أو أن تجمد علاقاتها معها تمامًا. كلا البلدين يمكنهما، في بعض الأحيان، تقديم فوائد استراتيجية بدون الحاجة للتوافق الأخلاقي مع الولايات المتحدة، لكن يتعين على واشنطن ألا تغفل حقيقة التهديدات السعودية للمصالح الأمريكية.
تغيير العلاقة مع السعودية لا يتطلب التجميد الكامل لها، فهذا من شأنه أن يفيد إيران عن غير قصد ويعقد الوضع في سوريا أكثر. بدلًا من ذلك، ينبغي للولايات المتحدة أن تحدد مجموعتها من الخيارات الأساسية والإضافية دبلوماسيًا. يجب ألا تستمر الولايات المتحدة في معاملة السعودية كطفل، ولكن بدون تمزيق العلاقات المفيدة لمصالح الأمريكيين. ولا ينبغي أن تبقى سمعة أمريكا رهن السياسات السعودية على حساب الصالح الأمريكي. ويمكن للولايات المتحدة أن تطالب السعودية بمطالب حازمة وحكيمة لتحقيق التغيير.
إصلاحان رئيسيان
لطالما انتهكت السعودية حقوق الإنسان، وهو ما يضعف من موقف المصالح الاستراتيجية الأمريكية. ولا يمكننا أن نتخيل أنّ الأمر سيتغير بين عشية وضحاها بمجرد أن نطالبهم بذلك، ولكن يتعين على واشنطن أن تطرح تغييرين في السياسة، وعلى المسؤولين الضغط على السعودية لتبني إصلاحين رئيسيين.
يتعين على الولايات المتحدة بدء سحب دعمها العسكري للسعودية شيئًا فشيئًا، ولعل إقدام الولايات المتحدة في مايو/ أيار على منع صفقة قنابل عنقودية للسعودية أن يكون الخطوة الأولى في خطة لسحب الدعم العسكري واللوجستي عن السعودية. وكانت السعودية قد استخدمت تلك الأسلحة خلال الربيع العربي لقمع المعارضة في البحرين والإبقاء على البلاد في قبضة السلطة البحرينية. على الولايات المتحدة ألا تتسامح مع مثل تلك السلوكيات، وتقليل التعاون العسكري سيكون رد فعل مناسب.
والتغيير الثاني الذي يتعين على واشنطن القيام به، هو النظر في العقوبات القائمة على الحقوق. حيث تعد السعودية من البلاد المتهمة بانتهاك حقوق البشر، حيث يتعرض الكثير من النساء والرجال من شرق آسيا للعمل القسري هناك، ويتحولن بدورهم للعبودية بمنع أوراقهم الرسمية عنهم. وكانت السعودية قد حصلت على تقدير متدني في حقوق العمال، وقامت بعدها بتعديلات طفيفة، لكن لازال هناك الكثير من العمل يجب فعله.
وفي فبراير/ شباط عام 2016، أصبحت السعودية دولة ذات اهتمام خاص في تقرير الخارجية الأمريكية للحريات الدينية. وكان من المفترض أن يتم توقيع عقوبات على السعودية بسبب هذه التقارير، بما فيها العقوبات الاقتصادية وحظر الأسلحة، وفرض قيود على السفر والتأشيرات. وجوهر هذه العقوبات هو دفع الدول التي لا تريد تأثر علاقتها مع الولايات المتحدة لتحسين سجلها الحقوقي. لكن عندما يعتبر الرئيس الأمريكي أن المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة أهم من حقوق الإنسان، عندها يتم التغاضي عن تلك العقوبات.
أما بالنسبة للرياض، فيتعين عليها مراجعة الجمعيات الخيرية الوهابية ومراجعة تدفق الأموال على آلاف الأئمة والمساجد حول العالم، التي تعد غطاءً لتعاليم الوهابية.
والتغيير الثاني المطلوب من الرياض، وهو طلب طموح بالفعل، أن تلغي شرط «المحرم»، وهذا من شأنه أن يحدث تطورات هائلة في حقوق حرية المرأة في المملكة. ومن شأن هذا أن يحسن من بيئة العمل ودمج النساء في القوى العاملة وتسهيل عملية الدراسة، وبينما نتحدث الآن، فإنّ أكثر من نصف طلاب الجامعات السعودية من النساء. ومن شأن ذلك بطبيعة الحال أن يرفع من عليها قيود السفر والتوظيف والقرارات التعليمية، وبالتالي انتعاش ونمو الاقتصاد الوطني. وإذا تم هذا، فإنّه سيحل المشكلة القانونية الصارخة المؤدية لعدم كفاءة السوق السعودي، كما سيحمي السعوديات اللاتي يقعن تحت استبداد وسيطرة الآباء والأزواج والأبناء.
وبالنظر إلى فرصة الوقت، نجد أنّ الظروف لم تكن مواتية أبدًا مثل هذا الوقت لكي تقوم واشنطن بالتغيير. فالسعودية تعاني اقتصاديًا من تضخم الإنتاج العالمي للنفط. وتقنية النفط الصخري قد سمحت للولايات المتحدة تقليل اعتمادها على النفط السعودي ما يعطي لواشنطن حرية سياسية أكبر، وبالتالي فإنّ السعودية هي التي تحتاج للولايات المتحدة بشكل أكبر من أجل تنويع اقتصادها. ويرى الخبراء أنّ السعودية تملك من الاحتياطيات النقدية ما يكفيها لخمس سنوات، لكنها ستكون في حاجة لتنويع اقتصادها بالكامل على المدى الطويل. ويتعين على واشنطن استغلال ذلك.
لقد كانت السعودية حليفًا مثيرًا للمشاكل لعقود، وحان الوقت للنظر في التحالف غير المشروط مع المملكة العربية السعودية، وفي الشراكات التي تتعارض بشكل مباشر ليس فقط مع قيمنا ومبادئنا القائمة على الحرية والتعبير وحقوق المرأة، ولكن تتعارض أيضًا مع مصالحنا.
ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-