لم يعر الأمريكيون حرب اليمن كثيرًا من الاهتمام. فمع الانشغال الكامل بسوريا والحرب الباردة الجديدة مع روسيا، لم تظهر اليمن في المناقشات الرئاسية. وحتى الآن وفقًا لشخصيات بالأمم المتحدة، فقد خلّفت حرب اليمن 10 آلاف قتيل و900 ألف جريح من المدنيين، والولايات المتحدة متورطة فيها أكثر من تورطها في الصراع السوري.
وقامت الولايات المتحدة بمساعدة السعودية في تدخلها في اليمن منذ البداية. فالطائرات العسكرية التي تحصل على إمداداتها من الولايات المتحدة، وتتزود بالوقود عبر ناقلات الوقود الأمريكية، وتحصل على المساعدة الاستخباراتية الأمريكية، تقصف اليمن يوميًا في الغالب بأسلحة صنعت في أمريكا.
بدأت نداءات تحميل الولايات المتحدة المسؤولية في وقت سابق من هذا الشهر، عندما أخطأت الطائرات السعودية في قصف مجلس عزاء مزدحم في العاصمة اليمنية، وهو ما خلّف 140 قتيلًا و500 جريح. وكانت هذه الحادثة هي الأخيرة فقط في سلسلة هجمات السعودية التي قتلت المدنيين، وهو ما دفع خبراء الأمم المتحدة لاعتبار أفعال السعودية في اليمن جرائم حرب. بعد ذلك، أعلن البيت الأبيض أنّ مساعدة الولايات المتحدة للسعودية في اليمن ليست «شيكًا مفتوحًا»، وأنّه سيبدأ فورًا «مراجعة سياسة» لهذه المساعدات.
و«المراجعة السياسة» هي تكنيك قديم تستخدمه واشنطن لتجنب القرارات الصعبة. فعندما تواجه الحكومة بدائل للقرار غير مستساغة، تبادر للمراجعة لدراسة الأمر دراسة متعمقة. والأمل في المراجعة يكمن في أنّ الضغط السياسي سيكون قد مرّ بحلول انتهاء المراجعة. الغرض من المراجعة هو كسب الوقت وخلق مساحة للإدارة لتواصل القيام بما كانت تقوم به، وليس خلق مزيد من الوضوح أو لتغيير السياسة.
ولا يبدو أنّ هذه المراجعة للمساعدات العسكرية الأمريكية للسعودية ستكون استثناءً من تلك القاعدة. ويظهر عدم راحة المسؤولين من دعم السعودية في اليمن، لكن العلاقات الأمريكية السعودية لازالت ركيزة أساسية لسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ القيمة المادية الكبيرة للصفقات العسكرية بين الشركات الأمريكية والحكومة السعودية تجعل من الصعب سياسيًا تغيير الولايات المتحدة لسياستها.
توفير الوقت
لكنّ الوقت غير رخيص، وخاصةً للمدنيين في اليمن. والمشاكل التي نشأت بسبب سياسة الولايات المتحدة تجاه السعودية بشكل عام وتجاه هذا الصراع بشكل خاص، ليست جديدة. فنحن لا نحتاج حقيقةً لمراجعة مستفيضة لنفهم الخيارات الصعبة التي ورطت الولايات المتحدة نفسها فيها بدعمها العسكري للسعودية. ويمكننا القول حقيقةً كيف ستبدو مراجعة جادة وواقعية.
تبدأ المراجعة السليمة بالاعتراف أنّ بيع الأسلحة للسعودية هو عمل تجاري كبير. وخلال الدورتين الرئاسيتين لإدارتي «بوش» و«أوباما»، زادت مبيعات الأسلحة من الولايات المتحدة للسعودية بما يقارب 97%. وبلغت قيمة مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية 115 مليار دولار في فترة إدارة «أوباما». وخلال الـ 3 سنوات الأخيرة فقط، ومنذ بدأت المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي، باعت أمريكا أسلحة للسعودية بما يقارب 36 مليار دولار. وتفيد هذه المبيعات المصالح التجارية للولايات المتحدة وللمؤسسات الامريكية التي تصنع هذه الأسلحة. فهي تخلق الوظائف، وتولد أرباحًا للمؤسسات، وتحسّن الميزان التجاري للولايات المتحدة.
ولكن السؤال الأكثر قابلية للنقاش، هو ما إذا كان البيع الهائل للأسلحة الأمريكية للسعودية يخدم المصالح الجيوسياسية الأمريكية أم لا. والمساعدات العسكرية هي مجرد أداة للسياسة الأمريكية تجاه المملكة، وليست غاية في حد ذاتها. على هذا النحو، لابد أن تخدم أهدافًا أوسع في العلاقة. لابد أن تؤثر على الحكومة السعودية لاتخاذ قرارات تدعم المصالح والأولويات الأمريكية في العلاقة وفي المنطقة على نطاق أوسع.
ماذا تريد واشنطن؟
والسؤال الرئيسي هو: ماذا تريد الولايات المتحدة من السعودية، وكيف تخدم المساعدات العسكرية للملكة في تحقيق هذه الأهداف أو تعطلها؟
لسنوات، ظلت اتفاقية الأمن الأمريكي مقابل النفط السعودي، هي الإطار الحاكم للعلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية. لكن الآن لم تعد الولايات المتحدة تعتمد على النفط السعودي كثيرًا، وقد تكفل منتجو النفط والغاز في أمريكا بهذه المهمة، وحتى أنّ السعودية لم تعد البديل الرئيسي القادر على ضبط الأسعار. وبينما تبقى السعودية واحدة من أهم منتجي النفط في العالم، بالإضافة إلى سيطرتها على سعر النفط، فإنّ التغيرات في سوق الطاقة مع الوضع المالي للسعودية يعنيان أنّ الحكومة السعودية لم تعد قادرة على استخدام سعر النفط كسلاح استراتيجي في دعم أو معارضة الولايات المتحدة.
والمتبقي هو فكرة أن المساعدات العسكرية الأمريكية تشتري الوصول إلى صناعة القرار السعودي، ولكن الوصول لا يساوي النفوذ. أمّا السعوديون، وفي شكل من أشكال النفوذ العكسي، كانوا غالبًا قادرين على استغلال الانهماك الأمريكي في الوصول إلى تحقيق مزيد من صفقات الأسلحة. وبناءً على الأدلة، فلا يوجد أساس للاعتقاد أنّ المساعدات العسكرية الأمريكية قد دفعت السعوديين لاتخاذ قرارات أو إجراءات لم يكونوا ليفعلوها أو على غير رغبتهم. وفي حالة اليمن، يوجد دليل واضح أنّ هذه المساعدات قد مكنت السعوديين من اتخاذ إجراءات ليست متفقة مع المصالح الأمريكية.
ويرى السعوديون مبيعات الأسلحة الأمريكية كنوع من الاستحقاق، في شق منه لأنها تدفع نقدًا مقابل تلك الأسلحة بدلًا من الحصول على الدعم المالي من الولايات المتحدة. وعلى الأرجح فقد استمرأت حكومة الولايات المتحدة وجهة النظر السعودية هذه. وبالتالي، لم تعط الحكومة الأمريكية أبدًا أي سبب للسعوديين للاعتقاد أنّه يتعين عليهم العمل من أجل كسب المساعدات العسكرية الأمريكية. على العكس من ذلك، يبدو أنّ السعوديين قد استغلوا رغبة أمريكا في بيع الأسلح لضمان الحصول على المساعدة الأمريكية في اليمن.
ومع المراجعة السليمة سوف نلاحظ أن المساعدات العسكرية للمملكة، مثل كل المساعدات العسكرية الأمريكية لدول العالم، ينبغي أن ترتبط بالتهديدات العسكرية الحقيقية التي تواجه السعوديين. وتواجه المملكة تهديدات الحرب السيبرانية والهجمات الإرهابية وهجمات الصواريخ الإيرانية على البنية التحتية الهامة. وتساعد الولايات المتحدة المملكة للدفاع عن نفسها ضد هذه التهديدات، لكنّ السعودية لا تواجه تهديدًا حقيقيًا بهجوم عسكري تقليدي مفتوح من إيران أو من أي بلد آخر.
ما يطلبونه وليس ما يحتاجونه
ومع استثناءات نادرة، فإنّ الولايات المتحدة تعطي السعوديين ما يطلبونه وليس ما يحتاجونه، بالحديث عن الجانب العسكري. وشملت مبيعات الأسلحة الأمريكية على مر السنوات أحدث وأقوى المركبات المدرعة والطائرات المقاتلة والذخائر المتطورة المشكوك في قيمتها وقدرتها على ردع إيران عن تنفيذ هجمات سيبرانية أو بالصواريخ والحفاظ على الخليج العربي مفتوحًا للتجارة، وخاصةً منذ وضعت الولايات المتحدة بصمتها العسكرية في البحرين والبحر العربي لمنع انقطاع تدفق النفط. وبدلًا من صب كل هذه الأسلحة على المملكة بمليارات الدولارات والتي كان يمكن استخدامها في حل مشاكل البلاد الداخلية، كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تقدم منصات استخبارات ومراقبة واستطلاع أقل تقدمًا وتكلفة، والقطع المضادة للألغام البحرية، والمساعدة في إنفاذ القانون. كما كان ينبغي على الولايات المتحدة استخدام المساعدات العسكرية لكسر المقاومة السعودية من أجل العمل مع شركائنا في المنطقة وتحسين القدرات المشتركة.
وبالنظر إلى أنّ وجهات النظر السعودية والأمريكية تجاه التعامل مع إيران تزداد تباعدًا، يتعين على الولايات المتحدة على الأرجح إعادة النظر في الاستمرار في المساهمة في استحواذ السعودية على قدرات الردع في المنطقة. وقد رأينا الدمار الذي تسبب به السعوديون في اليمن بمساعدة استخباراتية وعسكرية من الولايات المتحدة. هل هو حقًا في مصلحة الولايات المتحدة الاستمرار في تزويد المملكة بالأسلحة التي تمكنها من تهديد إيران أو مهاجمة الجيش الإيراني أو القوات الموالية له؟ الأمر مخيف للتفكير في كيفية استخدام السعوديين لهذه القدرات بالنظر للخراب الذي عاث في اليمن.
وتريد الولايات المتحدة من السعودية ومن أصدقائها العرب تحمل المسؤولية عن أمنهم وأمن المنطقة. من الممكن أن تساهم المساعدات العسكرية في تحقيق هذا الهدف، ولكن يجب أن تركز أكثر على دعم الدور الإقليمي السعودي ليكون أكثر توافقًا مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية. والعمل على زيادة القدرات السعودية يحمل مخاطرة استخدام المملكة لتلك القدرات بطرق تتقاطع مع أولويات ومصالح الولايات المتحدة. ومن أولويات الولايات المتحدة العمل على ذوبان الجليد بين السعودية وإيران، ولكن يبدو أنّ المملكة لا تشاركها هذه الأولوية. وفقًا لذلك، ينبغي أن تتعامل الولايات المتحدة بكثير من ضبط النفس في تحسين قدرات المملكة القادرة على استهداف إيران.
نهج جديد لدعم المملكة
بالنظر إلى ما طرحناه بالأعلى، نرى ثلاث نقاط سريعة رئيسية من واقع المراجعة الواقعية للمساعدات العسكرية الأمريكية للسعودية.
أولًا، لم تؤثر المساعدات الأمنية الأمريكية كثيرًا على السياسة الخارجية السعودية إلا بأقل كثيرًا من الشائع. وسواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو أي مكان آخر، فإنّ تقديم الدور السعودي على المصالح الأمريكية لم يكن نافعًا، حتى مع الاعتماد شبه الكامل للمؤسسة العسكرية السعودية على الأسلحة والتدريب والدعم اللوجيستي الأمريكي. وإذا حاولت واشنطن استغلال هذا الاعتماد من أجل حشد المزيد من الدعم السعودي للمصالح الأمريكية، فهناك أدلة قليلة للغاية على نجاح هذا.
ثانيًا، عبر السنوات، باعت الولايات المتحدة للسعودية الكثير جدًا من الأسلحة المتطورة التي لا تحتاجها في الدفاع عن نفسها ضد التهديدات الخارجية التي تواجهها. ولم تستخدم السعودية هذه الأسلحة عالية التكنولوجيا بكفاءة. وعندما استخدمها السعوديون في النهاية، قاموا باستخدامها ضد أقل التهديدات تطورًا، وبطرق لا تنسجم مع مصالح الولايات المتحدة.
ثالثًا، لا ينبغي أن تتخلى الولايات المتحدة بشكل كامل عن التعاون الأمني مع السعوديين. فمن شأن السعودية إن كانت غير مرتبطة بالولايات المتحدة أن تصبح شريكًا أمنيًا أكثر إشكالية مما هي عليه اليوم. ولكن للمضي قدمًا، يتعين على الولايات المتحدة أن تنظر في كيفية استغلال مساعدتها بشكل أفضل. وينبغي أن تتوقف الولايات المتحدة عن بيع السعودية أية أسلحة من شأنها تعزيز قدراتها الهجومية خارج البلاد. علاوة على ذلك، ينبغي على واشنطن ربط بيع أية أسلحة أو معدات جديدة للسعودية بالتزاماتها وخططها للعمل بشكل وثيق مع شركائها في مجلس التعاون الخليجي من أجل تحسين الدفاع الجماعي عن المصالح الأمريكية الخليجية المشتركة، وأبرزها الحفاظ على التدفق الحر للنفط من المنطقة.
وبالطبع من الممكن أن تتوجه المملكة للصين وروسيا من أجل السلاح إذا وجدت أنّ القيود الأمريكية الجديدة مرهقة. ولكن الجيش السعودي يفضل الأسلحة الأمريكية بقوة لأسباب سياسية وعسكرية. وعملية دمج السلاح الروسي أو الصيني في هيكل التسليح الأمريكي ستتسبب بمشاكل لوجستية وتغيلية خطيرة. علاوة على ذلك، فإنّ اعتماد السعودية على الخدمات العسكرية اللوجستية يضمن خدمة طويلة الأجل ويدعم التعاقدات مع صناعة الدفاع الأمريكية. كما سيكون من الحكمة استمرار الولايات المتحدة في بيع أنظمة معينة من الأسلحة للسعوديين وحدهم خوفًا من فقدان العمل التجاري.
الولايات المتحدة ليست في حاجة لتملق وجهات النظر السعودية من أجل الحصول على شراكة أمنية فعالة مع المملكة. فالتملق الأمريكي يشجع السعوديين فقط على أن يكونوا أكثر صدامية في علاقتهم بالولايات المتحدة لأنّهم يعرفون أن ذلك سيحفزهم لتقديم المزيد من التنازلات. وعلى العكس، ينبغي على الولايات المتحدة أن تدرك أنّها تحمل الجزء الاكبر من أوراق اللعبة، وأنّها يمكنها استخدام المساعدات العسكرية من بين أدوات أخرى لدفع السياسة السعودية في اتجاه مواتي للمصالح الأمريكية. ويمكن للمرء الجدال حول ما هو بالضبط هذا الاتجاه، ولكن بالتأكيد لن يكون بالتورط في قتل المدنيين في اليمن بأسلحة أمريكية.
وور أون ذا روكس - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-