مع كل دورة انتخابات برلمانية في الكويت، يعود الحديث (المشروع والمهم) عن نواقص "الديمقراطية"، لكن أبرز هذه الانتقادات توجه إلى الناخبين والمرشحين، ولا تمس السلطة السياسية إلا في الحد الأدنى، رغم أنها المسؤول الأول عن النظام ومخرجاته.
يعود هذا الحديث إلى الواجهة هذه الأيام، في ظل الحملات الانتخابية الحالية لانتخاب البرلمان في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، والتي تضمنت تداول ناشطين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مقاطع مصورة للمرشحين، وهم "يستفزعون" بالقبيلة لدعمهم في الانتخابات.
وتضمنت تلك المقاطع استخدام أكثر رموز القبلية محلية، إن كان على مستوى العبارات، أو السلوكيات، من رمي "للغتر" و"العقل"؛ تعبيرا عن أهمية تلك "الفزعة" التي يطلبها المرشح من قبيلته.
في مواجهة هذه الحالات، تتركز الانتقادات على "الثقافة العشائرية والقبلية" التي توصل شخصيات إلى البرلمان، بناء على الولاءات القبلية لا الكفاءة. وأخطر ما في هذه الانتقادات "المشروعة" أن تكون تقريرا لعدم ملاءمة الديمقراطية للمنطقة، بسبب الثقافة القبلية.
ستكون القبلية مشكلة في أي نظام انتخابي ديمقراطي، يعرف الناس باعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، ويحاول تحييد هوياتهم الفرعية العرقية والقبلية والإثنية (قدر الإمكان).
لكن، يمكن قلب هذه الحجة في الحالة الكويتية، باعتبار أن القبلية في النظم الانتخابية مردها طبيعة المؤسسات السياسية، فلا توجد محفزاتها في الثقافة فقط، فالتعليل الثقافي غير كاف لتفسير الظاهرة التي تبرز كل مرة في "الانتخابات الفرعية" التي تجريها القبائل، لاختيار مرشحيها، منعا لـ "تشتت أصوات القبيلة".
ساهم عاملان رئيسيان (غير العامل الثقافي) في تجذر "القبلية" في النظام الانتخابي الكويتي. يتمثل الأول في طبيعة الصلاحيات المعطاه لمجلس الأمة، فالجهاز التنفيذي في الكويت لا ينبثق عن الانتخابات، بل وفق إرادة أمير البلاد الذي يختار رئيس الوزراء الذي يشكل الحكومة، بغض النظر عن نتائج الانتخابات البرلمانية.
الأمر الذي جعل الجهاز التشريعي في الدولة (البرلمان) منفصلا عن الجهاز التنفيذي، ففتح هذا النظام المجال للمساومات بين النواب والحكومة، فالبرلمان يستطيع تعطيل عمل الحكومة، واستجواب الوزراء، ومحاسبتهم، لكنه لا يستطيع تشكيل الحكومة. ما يعني أن الحكومة بحاجة لاسترضاء عدد من النواب، ليكون لها صوت في البرلمان، ما جعل السلطات تحاول أن تصيغ نظاما انتخابيا يمنع هيمنة المعارضين على مجلس الأمة.
انعكس هذا على دور النواب في المجلس الذين تحول عدد لا بأس منهم إلى نواب "خدمات"، تقوم مهمتهم على تخليص معاملات عائلاتهم وقبائلهم، أكثر من العمل لصالح الدولة وجميع المواطنين.
يتمثل العامل الثاني الذي عزز القبلية في النظام الانتخابي في غياب الأحزاب السياسية، والتي يمنع القانون تشكيلها، فالتصويت لا يكون بناء على برامج سياسية وأحزاب ذات توجهات فكرية مختلفة، بل لأفراد، الأمر الذي أعطى مبررا للتصويت للقبيلة.
حاول الكويتيون التغلب على هذا المنع، من خلال تأسيس جمعيات سياسية بصيغة أو أخرى، لكنها لا تتمتع بالانضباط والفاعلية التي ستمتلكها الأحزاب السياسية، لو كان مصرحا لها.
كل هذا لا يجعل التجربة الكويتية فاشلة، وإن حاولت جهات إفشالها وتفريغها من معناها، ويمكن تلمس هذا من الكويتيين المعارضين أنفسهم، والذين تراجع أغلبهم عن مقاطعة الانتخابات، باعتبار أن المقاطعة لم تكن خيارا صائبا.
من المجازفة مقارنة الانتخابات في الكويت، بديمقراطية عريقة كالديمقراطية الأمريكية، لكن هذه المقارنة مفيدة، لإثبات أن الوصول إلى نموذج ديمقراطي "مثالي" بعيد المنال!
فمع أن الديمقراطية، والفصل بين السلطات، راسخان في الولايات المتحدة، وتطهر النظام من أي قانون أو ممارسة عنصرية منذ الستينيات، إلا أن ظاهرة دونالد ترامب تعني أن العنصرية العرقية (المكافئة للقبلية في الحالة الكويتية) ما زالت مؤثرة وحاضرة في الانتخابات الأمريكية، الأمر الذي لا يبرر التراجع إلى نظام آخر، سيكون على الأرجح أسوأ من النظام الحالي، رغم كل عيوبه.
بدر الراشد - العربي الجديد-