مثل غالبية العلاقات الأمريكية الطويلة في الشرق الأوسط، فإنّ علاقة واشنطن بالرياض لا تتطرق كثيرًا لحقوق الإنسان أو الديمقراطية. ويستند التحالف بدلًا من ذلك على الأرجح على عاملين رئيسيين: الموارد الطبيعية والاستقرار الإقليمي.
أولًا، بالإضافة لكونهم خدام للحرمين الشريفين، فإن آل سعود خدام مورد مقدس آخر وهو النفط. ومع دور السعودية كأكبر مصدر للوقود الأحفوري في العالم، بجانب نفوذهم الثقافي والديني على الدول الـ 6 الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، تأتي قيمة الصداقة مع المملكة، وتشكل بطريقة لا غنى عنها، أصلًا مهمًا لقوة عظمى متعطشة للوقود.
ثانيًا، في عصر الحرب الباردة، كان الحفاظ على توازن القوى بين حلفاء الغرب مثل تركيا والسعودية، وحلفاء السوفييت مثل إيران وسوريا، محوريًا بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة، وبدعم دول غير منحازة مثل مصر أو قوى وسيطة مثل صدام حسين في العراق. كانت تلك طريقتنا المفضلة لموازنة النفوذ السوفييتي في المنطقة.
في هذا السياق، فإنّ الإبقاء على السعودية كوكيل عن النفوذ الغربي في العالم العربي كان خيارًا سهلًا. وبدون الرعاية الأمريكية، كانت من الممكن أن تتوجه السعودية إلى روسيا. علاوة على ذلك، على الرغم من أنّ المملكة لا يوجد لديها علاقة رسمية مع (إسرائيل)، على عكس مصر ما بعد اتفاقية كامب ديفيد، إلا أنّ السعودية لم تستخدم القوة أبدًا ضد (إسرائيل)، وهو ما جعل الرياض أكثر قبولًا لدى واشنطن.
تزايد الشعور بانعدام الأمن
خرجت إدارة «باراك أوباما» عن سياسات سابقاتها برغبتها في المراوغة في تعاملها مع السعودية. وقد أظهر «أوباما» ازدراءه تجاه الافتراض الدبلوماسي بأنّه سيقوم مع السعودية بتقديم سياسة خارجية مشتركة في المنطقة. وكان المثال الأكثر دراماتيكية في هذا النهج الجديد، توقيعه الاتفاقية النووية مع إيران. وعلى الرغم دعمه لبعض التدخلات السعودية، مثل التدخل السعودي في اليمن، كان أوباما راغبًا في الانفصال عن المصالح السعودية، وهو ما زاد من انعدام أمن زعماء السعودية.
وقد قدمت السعودية الكثير لتعويض تردد «أوباما». ومنذ وفاة الملك «عبد الله» عام 2015، اشتدّ التنافس الإقليمي بين الملك «سلمان» ونجله ولي ولي العهد «محمد بن سلمان» مع إيران، في محاولة لمواجهة الأمة الشيعية في كل مسرح للأحداث في المنطقة.
وفي وقت سابق من هذا العام، أوقفت السعودية تمويل الجيش اللبناني بسبب نفوذ حزب الله في البلاد. وقادت السعودية تدخلًا في اليمن ضد الحوثيين تسبب في اتهامها بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين خلال العملية. على جانب آخر، فإنّ إيران تدعم حماس، وتتمتع بعلاقات قوية مع حزب الله. ولعبت إيران أيضًا دورًا في الحرب ضد (الدولة الإسلامية) في العراق وسوريا، وهو ما توائم في بعض الأحيان مع مصالح الولايات المتحدة. على الرغم من ذلك، فإنّ مدى الدور الإيراني في اليمن هو موضوع قابل للنقاش. وعلى عكس ذلك، وصفت الاستخبارات الألمانية النشاط الجديد من التدخلات السعودية في المنطقة بـ «التدخل المتهور».
موقف متناقض
مؤخرًا، اعتمد الكونغرس موقفًا متناقضًا تجاه السعودية. فقد ضغط باتجاه رفع السرية عن تقرير يفصل الاتصال المحتمل للمملكة بهجمات 11 سبتمبر/أيلول. وقد قام أيضًا بتجاوز فيتو للرئيس أوباما لأول مرة لتمرير مشروع قانون يسمح لأسر ضحايا 11 سبتمبر/ أيلول بمقاضاة الحكومة السعودية كمحرض محتمل على الهجمات. في الوقت نفسه، منع الكونغرس محاولة لتقويض عملية بيع دبابات عسكرية للرياض بقيمة 1.15 مليار دولار.
وكانت مصالح الولايات المتحدة والسعودية قد بدأت بالتباين منذ انتهاء الحرب الباردة. كان الرئيس «أوباما» شخصية محورية. فقد تعامل جيدًا مع ثورات الربيع العربي وفي التفاوض مع إيران لإنهاء البرنامج النووي. وينبغي أن تتعامل الإدارة الجديدة مع شرق أوسط ما بعد الربيع العربي وما بعد الاتفاق النووي مع إيران. وبالنظر إلى السياق وليس الأيدلوجية، لتبرير العلاقات الأمريكية مع السعودية، يتعين البحث عن أسباب جديدة منطقية للعلاقة من خلال السياق الإقليمي الجديد.
التبرير الأول للعلاقة بين واشنطن والرياض يستند إلى سياسات النفط، والتي ستظل بلا شك عاملًا مهمًا لسنوات قادمة. على الرغم من ذلك، فإنّ الاستهلاك الأمريكي للنفط الأجنبي يتضاءل باستمرار منذ عقود. وسيسمح تراجع أهمية النفط الأجنبي للاقتصاد الأمريكي لرؤساء أمريكا القادمين بمساحة من تباين السياسات مع المنتجين الأجانب مثل السعودية.
التبرير الثاني يستند إلى الحفاظ على استقرار المنطقة، وهذا يعدّ وهمًا الآن. فالأمة أو المنطقة تكون مستقرة، عندما لا يكون هناك احتمالًات لديها في التغيير. وفي سياق الحرب الباردة، وافق الغرب على حكم الطغاة لجماهير منصاعة بشكل كبير، والحفاظ على القدرة على التنبؤ بأي احتمالية للتغيرات السياسية.
مع ذلك، ومع معاناة الشرق الأوسط الحديث من انعدام وجود حكومات مركزية في كل من سوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن قادرة على التحكم المركزي على كامل أرض الدولة، فإنّ الإبقاء على الوضع الراهن يعني دولًا فاشلة مليئة بالعنف. وبالرغم من أنّ الحرب الأهلية السورية قد منحت روسيا موطئ قدم أكبر في المنطقة أكثر مما تفضله واشنطن، فإن الرئيس «فلاديمير بوتين» لازال بعيدًا كل البعد عن الوصول إلى مستويات نفوذ الحقبة السوفييتية في المنطقة.
إذا استمرت الإدارة القادمة في تحرير سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من الارتباط بالسعودية، وفي التفكير بعقلية عصر الحرب الباردة، ستجد واشنطن مرونة أكثر في رسم نهج جديد تجاه إيران، والنهوض بحقوق الإنسان في المنطقة، ومواجهة التطرف السياسي والديني في المنطقة بفاعلية، سواء كان التطرف سنيًا أو شيعيًا أو من أي طائفة أخرى.
فير أوبزرفر- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-