أعتقد أنه لم يسبق لمرشح رئاسة أمريكي أن اكتسب شهرة عالمية وعربية كدونالد ترامب.. خالف ترامب غالب توقعات الحكماء والعقلاء، فكان فوزه شهادة إثبات دهائه.. فقد بان بفوزه، أن خفة الرجل المشهورة عنه ليست نابعة من خفة العقل، إنما تنبع من نظرة مادية غارقة في حساب الربح والخسارة.. فالوقار قيد على صاحبه، فهو ذو كلفة، لم يرها ترامب أنها ذات عائد مربح له، فعاش حياته متحرراً من القيود. ولا أعتقد أن ترامب قد حدث نفسه بالرئاسة جاداً، إلا عندما رأى الفرصة الزمانية المناسبة وهي قد اجتمعت مع فرصة خلوها من منافسين أقوياء.
أدرك ترامب أن ليس له حظ مطلق مع بعض أهل العقول.. فراهن بخفته على عاطفة الرجل الأبيض البسيط من متوسطي الحال، فتبنى نظريات المؤامرة؛ فحول خسارة سمعته إلى ربح، فكسب الرهان، واستعان بمقدرته العالية في معرفة الرجال، فاختار أكفأ وأنسب المعاونين، فحملوه لسدة الرئاسة الأمريكية.
والفرصة ما هي إلا مجموعة احتماليات.. والرجل قد أثبت أنه قناص فرص بارع؛ وهنا يكمن تعاظم احتماليات الخطر المستقبلي، طالما هو سيد البيت الأبيض.
خطاب ترامب الرئاسي يدل على أن أمام ترامب مهمة شاقة ليطمئن المعارض الأمريكي، والمشكك الدولي.. وأهم منها، المهمة الشاقة في تعويض ناخبيه عن وعودة العنصرية التي وعدها إياهم، ففاز بثقتهم فانتخبوه.. وعود ظلامية من فرض الأتاوات على دول العالم ومن سيادة الرجل الأبيض في أمريكا وتطهيرها عرقياً ودينياً، وتعهداته بإظهار أمريكا بصورة الإمبراطورية المتعجرفة.
وترامب يدرك جيداً أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك، إلا أن تأتي له الفرصة المناسبة.. ومناسبة الفرصة هي مناسبة نسبية، تعتمد نسبيتها على نسبة نجاح الرجل لتعويض ناخبيه عن وعوده. فكلما كبُر نجاحه في تحقيق وسائل الرفاه الاقتصادي لناخبيه، كبدائل عن وعوده، صَغُر الحدث على أن يكون هو الفرصة المناسبة.. وكلما زاد يأسه من تحقيق بدائل الوعود، كبر الحدث ليكون الفرصة المناسبة ليتذرع به الرئيس ترامب. والرجل قد أثبتت خطاباته بأن ما اعتاد عليه غيره ليس له محل في حساباته.. والرجل يعتقد أنه غير قابل للخسارة، فجاء فوزه بالرئاسة، بعد استحالة، ليوجد احتمالية خلق وهم لديه، متى أحس بخسارة وعوده الانتخابية.
وهزيمة داعش المرتقبة، ستزيد من انتشار الموتورين الناجين منهم في أنحاء العالم. ليرفعوا من احتماليات وقوع الأعمال الإرهابية.. مما سيزيد من احتماليات توافر الفرص المناسبة لترامب، ولو بتسهيلها في حال فشله في تحقيق بدائل الوعود.. ولعلها كانت أحد السيناريوهات في برنامجه الانتخابي، ولهذا لم يقدم شيئاً في كيفية تنفيذ وعوده.
وقد كانت لي جلسة مع رؤساء العالم المتقدم السابقين، عندما كنت ممثلاً عن الإسلام السني السلفي في مؤتمر التفاهم العالمي في فيينا عام 2014. فبثوني مخاوفهم، قالوا نخشى من عمل إرهابي متهور ومتقدم في مدينه مكتظة بالسكان، ينتج عنه مقتلة كبيرة، فنفقد عندها السيطرة على شعوبنا فتجبرنا الشعوب على العودة لقرون التخلف الصليبي المُظلم، فنهدم ما بنيناه من مفاهيم إنسانية وتراحمية في القرن الماضي. وجاء انتخاب ترامب وموقفه من المسلمين يثير مخاوف هؤلاء القادة من شعوبهم.
د. حمزة السالم - الجزيرة السعودية-