علاقات » اميركي

السعودية تتجه لتوطيد علاقاتها الدفاعية مع الصين بعد فوز «ترامب»

في 2016/11/18

مع التوترات في التحالف بين الولايات المتحدة والسعودية تستعد الصين لتوسيع العلاقات الدفاعية مع الرياض.

في 7 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، التقى العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبد العزيز» مع «منغ جيان تشو»، المبعوث الخاص للرئيس الصيني «شي جين بينغ»، في الرياض. وبعد سلسلة من المحادثات بين المسؤولين الصينيين وكبار أفراد العائلة المالكة السعودية، كشفت الحكومة السعودية عن خطة خمسية للتعاون الأمني بين المملكة العربية السعودية والصين خلال زيارة «منغ». وتشمل هذه الخطة التعاون في مكافحة الإرهاب والتدريبات العسكرية المشتركة، الأمر الذي يعزز مكانة السعودية كحليف حيوي للصين في الشرق الأوسط.

على الرغم من أن الصين برزت كشريك اقتصادي رائد مع السعودية في السنوات الأخيرة، فإن الانتقال نحو شراكة دفاعية كاملة هو أمر غير متوقع إلى حد كبير. وعلى النقيض من العقود السنوية من الأسلحة بقيمة مليارات الدولارات بين الصين والولايات المتحدة، فإن الصين باعت أسلحة إلى الرياض فقط بقيمة 700 مليون دولار فقط بين عامي 2008 و2011. وكانت مستويات التعاون الأمني بين الرياض وبكين منخفضة، مع وجود صداقة طويلة الأمد بين الصين وإيران، كما أن هناك خلافات موجودة حول مستقبل «بشار الأسد» في سوريا وهناك ازدراء صيني لرعاية السعودية لبعض الشبكات الإسلامية.

ومع ذلك، تغيرت الحسابات الاستراتيجية الكامنة وراء التعاون الأمني بين الصين والسعودية بشكل ملحوظ خلال العام الماضي. وقد اشتبكت الرياض مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي الإيراني ومشروع قانون جاستا المثير للجدل في الكونغرس، والذي بموجبه سيتم السماح لمواطني الولايات المتحدة بمتابعة الإجراءات القانونية ضد النظام الملكي السعودي بشأن هجمات 11 سبتمبر/أيلول. كما أن رغبة السعودية بتقليل اعتماد أمنها على الولايات المتحدة وكذلك تقويض النفوذ الإيراني الدولي يمكن أن تشجع الرياض على تشكيل شراكة دفاعية كاملة مع الصين في السنوات القادمة.

أهمية التكنولوجيا العسكرية الصينية للسعودية

في السنوات الأخيرة، أظهرت السعودية اهتماما متزايدا بشراء التكنولوجيا العسكرية الصينية، وكانت بكين على استعداد لبيع أسلحة إلى الرياض بدون بعض الشروط التي كثيرا ما تصاحب مبيعات الأسلحة الأمريكية. على وجه الخصوص، تعتبر السعودية الصين موردا هاما محتملا لتكنولوجيا الصواريخ وأسلحة هجومية متطورة للغاية. على الرغم من أن الولايات المتحدة باعت السعودية مجموعة واسعة من الأسلحة لاستخدامها في حملة اليمن، إلا أنها تنظم بشكل وثيق بيع الصواريخ للسعودية خوفا من إجهاد شراكتها الدفاعية طويلة الأمد مع (إسرائيل).

يعود استعداد السعودية للالتفاف على الولايات المتحدة من خلال شراء أسلحة هجومية من الصين إلى السنوات الأخيرة من الحرب الباردة. في عام 1985، اشترت السعودية سرا صواريخ باليستية متوسطة المدى وتسع قاذفات صواريخ من الصين. على الرغم من أن السعودية قد أرسلت ضباط إلى بكين للتدريب على استخدام التكنولوجيا العسكرية الصينية، إلا أنه تم حجب التعاون في مجال الدفاع بين السعودية والصين حتى عام 1988من وجهة نظر صناع السياسة الأمريكية.

على الرغم من غضب أعضاء المؤسسة العسكرية الأمريكية بسبب عقود الأسلحة السرية بين السعودية والصين، شجعت مخاوف الولايات المتحدة حول التوجه السعودي المحتمل للصين وزارة الدفاع الأمريكية لتوسيع مبيعات الأسلحة الهجومية إلى السعودية. وفي ضوء هذه التجربة التاريخية، يأمل الملك «سلمان» أن الروابط الأمنية الموسعة مع الصين ستعطي السعودية وصولا سريعا إلى أنظمة صواريخ متطورة، وسيتم إقناع واشنطن لتنافس الصين من خلال تصدير بعض الأصول العسكرية للرياض.

سوف يعمل فوز «دونالد ترامب» في الانتخابات الرئاسية الأمريكية على تكثيف استراتيجية الموازنة السعودية، بعد انتقادات ترامب اللاذعة لرعاية السعودية للإرهاب التي كانت بمثابة إنذار في الرياض. إذا تدهورت العلاقة بين الولايات المتحدة تحت إدارة «ترامب»، يمكن أن يتجه الملك «سلمان» بشكل محوري بقوة أكبر نحوالصين، مما يزيد من إضعاف اعتماد السعودية على الولايات المتحدة.

على الجانب الآخر، يمكن أن يحدث تدهور ملحوظا في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران إذا تم تنفيذ تعهد «ترامب» بإلغاء الاتفاق النووي مع إيران. ويمكن أن تتسبب هذه المفارقة في توسيع الدعم العسكري الأمريكي للسعودية.

التنافس بين الرياض وطهران

بالإضافة إلى الحصول على الأسلحة الصينية، ترى السعودية أن توثيق التعاون الأمني مع الصين يصب في اتجاه إضعاف الشراكة الاقتصادية والدفاعية منذ فترة طويلة بين بكين وإيران. على الرغم من أن الصين أعلنت مؤخرا عن قرارها التنسيق مع إيران في تطوير صفقة غاز بقيمة 6 مليارات دولار مما يقوي موقف طهران، في الخليج واتفاق بكين معها في موالاة «الأسد» في سوريا أيضا ، إلا أن بعض التعقيدات ظهرت أيضا في العلاقات بين الصين وإيران.

في أواخر يونيو/حزيران، رفضت منظمة شنغهاي للتعاون التي تقودها الصين دعوة الانضمام الإيرانية. كانت روسيا من المؤيدين المتحمسين لعضوية إيران في منظمة شانغهاى للتعاون ، ويعتقد كثير من المعلقين الغربيين وفي الشرق الأوسط أن الصين كانت وراء انهيار محادثات انضمام إيران. ورفضت الصين دمج إيران بسرعة في منظمة شنغهاي للتعاون ويمكن تفسير مخاوفها بأن عضوية إيران من شأنها أن تعطي المنظمة طابع معاداة الغرب.

يكشف تردد الصين في احتضان عضوية المنظمة لإيران، بينما هي تدعم بنشاط إدماج الهند وباكستان، عن نقطة ضعف في العلاقات بين الصين وإيران. حرصت السعودية حرصت على استغلال هذه النقطة. ولمواجهة الصورة النمطية العالقة في بكين حول دعم السعودية للقوى المتطرفة في الصين، فإن ذلك قد يشجع الملك «سلمان» ليكون شريكا محتملا في مكافحة الإرهاب في الصين.

إن المساهمات المالية على نطاق واسع من السعودية لإعادة إعمار أفغانستان، وتحالفها القوي مع باكستان يجعلها شريكا قيما في مكافحة الإرهاب في الصين. وقد ازدادت مخاوف الحكومة الصينية من التطرف بين الانفصاليين الإيغور في الخارج بعد تفجير انتحاري في شهر أغسطس/آب في السفارة الصينية في بيشكيك، في قيرغيزستان.

تهتم الصين بمتابعة المتطرفين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك «المتشددين الإيغور»، ومع حالات عدم الاستقرار في أفغانستان وباكستان، فإن زيادة القدرة على التأثير على هذين البلدين أمر حاسم بالنسبة لأمن الصين. إن اتفاق الصين والسعودية في أكتوبر/تشرين الأول على التدريب على مكافحة الإرهاب هو اعتراف ضمني باستفادة الصين من السعودية كوسيط بين بكين وكابول، وإسلام أباد.

في حين أن هناك اعتراف الآن بأهمية السعودية للاستراتيجية الصينية، فإن الملك «سلمان» يواجه مهمة شاقة لجعل السعودية تحل محل إيران كحليف إقليمي رائد للصين. وقد حافظت الصين تاريخيا على ارتباطات متوازنة مع السعودية وإيران وباكستان في وقت واحد، وهي غير مستعدة لخرق هذا التوازن الدقيق من خلال التمحور بقوة حول الرياض. إن المخاوف من نفور حلفائها الإقليميين الآخرين يجعل الصين تعزز علاقاتها مع السعودية في المقام الأول من خلال الاستثمار في تنويع الاقتصاد السعودي وليس من خلال الدعم العسكري للسعودية.

إن توسيع التعاون الأمني بين السعودية والصين هو تطور جيوسياسي هام للغاية في الشرق الأوسط. وإذا توترت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية جراء صعود «ترامب» إلى البيت الأبيض، فسوف الصين شريكا أمنيا حيويا متزايدا مع الرياض في السنوات القادمة. ويبقى أن نرى كيف ستجعل الصين علاقتها مجدية مع السعودية دون إضعاف علاقات طويلة الأمد مع إيران والدول الشيعية الأخرى في الشرق الأوسط.

ذا ديبلومات- ترجمة وتحرير أسامة محمد - الخليج الجديد-