احتشد الآلاف من السعوديين في طريقهم لمؤتمر ريادة الأعمال، لكنّ الأحاديث الأجنبية ركّزت على رائد أعمال واحد، الرئيس المنتخب «دونالد ترامب».
وقال خريج الجامعة السعودي «محمد صالح»، في افتتاح المنتدى العالمي مسك في برج المملكة بالرياض: «رغبت في فوز كلينتون، لكن معظم أصدقائي أرادوا فوز ترامب لأنّه سيتعامل مع إيران بحزم ولأنّه رجل أعمال». وفي بلد لا يسمح فيها للنساء بالقيادة، بقي الشاب حتّى وقتٍ متأخر من الليل ليشاهد إذا ما كانت الولايات المتّحدة ستنتخب أول سيّدة لشغل منصب الرئاسة الأمريكية.
وتسعى السعودية لتعزيز شركات الأعمال الناشئة لتنويع اقتصادها بعيدًا عن إنتاج الطاقة، لكن المؤتمر، الذي أتى فقط بعد أيّام من انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، أتى وسط مخاوف سعودية متزايدة من نفوذ إيران في المنطقة. ودفع التدخّل السعودي ضد الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن إلى شنّ هجمات صاروخية استهدفت الداخل السعودي. وكان الجنرال «محمد حسين باقري»، رئيس أركان القوّات المسلّحة الإيرانية، قد دعا لإنشاء قواعد بحرية إيرانية في سوريا واليمن خلال مقابلة حديثة مع إحدى الجرائد الإيرانية.
ولم يتجاهل السعوديون تلك الاستفزازات الإيرانية.
يُعتقد أنّ المخابرات السعودية قد اعتقلت «أحمد إبراهيم المغسّل»، الإرهابي المدعوم من إيران. و«المغسّل» هو العقل المدبّر للهجوم الإرهابي على أبراج الخبر عام 1996 في السعودية، والذي تسبّب في مقتل 19 أمريكيًا وسعودي واحد. وقد تكون السعودية تواجه الهجوم الإيراني بسلسلة من المعارك بالوكالة، بما في ذلك الحرائق الغامضة في المنشآت النفطية الإيرانية، بحسب مسؤولين استخباراتيين خليجيين. واعترفت إيران مؤخرًا أنّ البنية التحتية النفطية لديها قد تعرّضت أيضًا لهجوم إلكتروني.
وبالنسبة لـ«ترامب»، كما يقول مسؤولون سعوديون، ترى المملكة أنّه مشروع صديق عظيم في المستقبل. ويبدو أن خطط «ترامب»، رجل الأعمال والمستثمر العقاري الذي يقيم علاقات تجارية مع السعودية، لاتخاذ موقف أكثر تشدّدًا مع إيران، شجّعت المسؤولين السعوديين، الذين يقولون أنّ البيت الأبيض قد قلل طويلًا من خطر العدوان الإيراني. كما أن «ترامب»، الذي عيّن الكثيرون في إدارته ممن يعادون إيران، كان يقوم بالأعمال التجارية مع أفراد الأسرة المالكة بالسعودية لعقود. ودشّن «ترامب» 8 شركات جديدة في السعودية بعد إطلاق حملته الانتخابية العام الماضي، وفقًا لواشنطن بوست.
بالنظر إلى العلاقات التجارية والشخصية لترامب مع المملكة، فإنّ ذلك يجعل العديد من السعوديين متفائلين بأنّ الرئيس المنتخب «ترامب» يشاركهم وجهة النظر العدائية تجاه إيران. وكان الرئيس «أوباما» قد قلل من أهمية المخاوف من التهديد الإيراني في مقابلة مع مجلة ذا أتلانتيك العام الماضي. «ترامب»، على العكس، يعارض الاتفاق النووي مع إيران ودعا إلى اتّخاذ موقف أكثر تشدّدًا مع إيران خلال حملته الانتخابية.
ومن المرجّح أيضًا أن تشمل إدارة «ترامب» العديد ممّن تمتّعوا بصداقات طويلة مع السعودية. فمن المتوقّع وجود «جون بولتون» المندوب الدائم السابق في الأمم المتّحدة، و«نيوت غينغريتش»، الرئيس السابق لمجلس النوّاب، وكلاهما يتوقّع أن يشغلا مناصب استشارية كبرى. وذكر اسم «بولتون» ليكون نائبًا لوزير الخارجية. وتقابل الرجلان هذا الصيف مع رئيس جهاز الاستخبارات السعودي السابق، الأمير «تركي بن فيصل»، خلال تجمّع في باريس عقد من قبل (مجاهدي خلق)، وهي مجموعة من الإيرانيين المنفيين الذين طالما عارضوا الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ويحمل أيضًا «مايكل فلاين»، مستشار الأمن القومي المنتظر لترامب، وجهات نظر متشدّدة تجاه إيران. وكان قد ضمّن عرضًا موجزًا ولكن داعمًا للمملكة في كتابه، ميدان القتال: كيف نستطيع الفوز بالمعركة العالمية ضد الإسلام المتشدّد. وكتب فلاين: «نميل للوم السعوديين والدول العربية الأخرى بسبب التمويل المباشر لتنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الإسلامية الراديكالية الأخرى». وأضاف: «يجب علينا أن نتوقّف عن لعبة اللوم هذه، أو أنّنا يجب أن نقدّم دليلًا مباشرًا وقاطعًا». وذهب «فلاين» للتأكيد على أنّ الولايات المتّحدة يجب أن تتوقف عن لوم الدول مثل السعودية عن «ضعفنا» في الحرب «ضد الإسلام المتشدّد».
كما دعا أيضًا الجمهوري «مايك بومبيو»، اختيار «ترامب» لرئاسة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)، لاتّخاذ موقف أكثر تشدّدًا تجاه إيران.
وقد تحتاج السعودية أيضًا بعض المساعدة من إدارة «ترامب» للتعامل مع مصر. فمنذ سيطر الرجل العسكري «عبد الفتاح السيسي» على السلطة في القاهرة عام 2013، أرسلت السعودية 25 مليار دولار كمساعدات لمصر، وفقًا لـ«بوسطن جلوب». لكنّ الزعيم المصري قد أثار غضب واستياء المملكة مؤخرًا بدعمه العلني للديكتاتور السوري «بشار الأسد». وقد تكون القاهرة أيضًا قد بدأت تعاونًا عسكريًا محدودًا مع دمشق بحسب ما ذكرته جريدة السفير اللبنانية. وكان «السيسي» هو الزعيم الأجنبي الأول الذي يهنئ «ترامب» بعد انتخابه.
وقال «محمد سلمان»، العامل الحكومي: «ترامب رجل أعمال يقدّر الصفقات، ونعلم أنّه قد قام بأعمالٍ تجارية سابقًا مع المملكة». ووافقه في الحديث «عبد الله خابودال»، مدير برامج مع شركة الطيران السعودية التي تخطّط لمشروع مشترك لبناء مروحيات سيكورسكي في السعودية، قائلًا: «بالطبع، ستتحسن علاقتنا مع الرئيس ترامب». وأضاف: «دفعتنا تجاربنا في اليمن للنظر في حاجتنا إلى مروحيات جديدة، وبالطبع الموقف مع إيران. ونأمل أنّ ترامب سيستمر في علاقة التعاون بين البلدين في الصناعات الدفاعية».
وقال «مايكل روبين»، محلل شؤون الشرق الأوسط في معهد أمريكان إنتربرايز: «ترامب أولًا وقبل كل شيء رجل أعمال. وهو يفهم جيدًا أنّه إن لم يبع للسعوديين، فسيفعل شخص آخر. وتلك العقود في مجالات الدفاع والطيران هي ما تخلق الوظائف هنا في أمريكا».
وذكر «روبين» أنّ سوق السلاح العالمي أكثر تنافسية الآن من ذي قبل، ومشتريات السلاح السابقة للسعودية ليست ضمانة أن تبقى المملكة منغلقة على شراء الأسلحة من الولايات المتحدة في المستقبل.
وأضاف «روبين»: «إنّ التنافس السعودي الإيراني يسبق الثورة الإيرانية عام 1979. بكنّ البندول لم يتأرجح إلى معسكر إيران من قبل مثلما حدث في فترة الرئيس أوباما. وأتوقّع أن نرى تصحيحًا لهذا حيث يعمل ترامب على إصلاح العلاقات مع المملكة. وتحت إدارة ترامب، لن يحصل الإيرانيون على بطاقة دخول مجانية لسياساتهم المتهورة في اليمن والخليج».
ناشيونال إنترست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-