في وقت سابق إبان حملته الانتخابية، قال الرئيس «دونالد ترامب» أنّ السعودية «فجرت مركز التجارة العالمي» وتريد استعباد النساء وقتل المثليين جنسيًا. كما أصر على أنّ المملكة العربية الغنية بالنفط عليها أن توفر للولايات المتحدة النفط مجانًا لمدة عشرة أعوام.
لكن عندما يبدأ «ترامب» رحلته الخارجية الأولى، في وقتٍ لاحقٍ من هذا الشهر، ستكون السعودية محطته الأولى.
هذا مجرد مثال جديد على كيفية تحول «ترامب»، الذي سيواصل رحلته إلى (إسرائيل) ثم الفاتيكان، إلى حدٍ كبير لصالح المزيد من الدبلوماسية التقليدية.
كما أنّه تذكيرٌ بأنّ الكثير من السياسيين يحبون تهديد السعودية ثم ينتهي بهم المطاف إلى إدراك أنّ ثروة البلاد النفطية وتأثيرها الإقليمي تجعل من المستحيل تقريبًا التخلي عن العلاقة معها.
وقال «سايمون هندرسون»، الخبير في الشؤون السعودية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «إنّ السعوديين جزءٌ من المشكلة، ولكنّهم أيضًا جزءٌ من الحل، ولهذا السبب عليك التعامل معهم».
وكان «باراك أوباما» سابقا إلى نفس النهج، حيث اشتكى أيضًا من السعوديين، كمرشح، ولم يعجب أبدًا بنظام البلاد الثيوقراطي، حيث جعل الرياض محطته الأولى في زيارته الافتتاحية إلى الشرق الأوسط في يونيو/حزيران عام 2009، قبل أن يعود ويزورها عدة مرات.
وعلى الرغم من سجل «ترامب» السيء ضد السعودية، سيحظى «ترامب» بترحيبٍ حار من قبل عاهل البلاد الملك «سلمان». واعتبر زعيم السعودية السنية أنّ أوباما كان حليفًا لا يعول عليه ولا يثق في دبلوماسيته مع العدو الشيعي الإيراني.
ومن المؤكد أنّ «ترامب» سيتلقى تحيةً حارةً فى (إسرائيل) من قبل رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»، الذي استاء من الضغوط التي وضعها «أوباما» على (إسرائيل) من أجل تحقيق السلام مع الفلسطينيين.
وتَعِد محطة ترامب في (إسرائيل) بأن تكون أكثر انعكاسًا للتفكير المؤسسي بدلًا من الأفكار التي امتلأت به خطاباته السابقة. ومن غير المتوقع، على سبيل المثال، أن يضغط لتنفيذ وعد حملته الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهي الخطوة التي يحذر خبراء الشرق الأوسط أنّ من شأنها أن تؤدي إلى رد فعلٍ عربيٍ خطير.
وعلى الرغم من أنّ استطلاعًا للرأي قد أجري في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أشار إلى أنّ 83% من الإسرائيليين يعتبرون «ترامب» مؤيدًا لـ (إسرائيل)، إلا أنّه قد فاجأ بعض المراقبين من خلال ظهوره على الحياد نسبيًا بين (إسرائيل) والفلسطينيين. وقد حث «ترامب» (إسرائيل) على الحد من التوسع الاستيطاني، قام كذلك باستضافة الزعيم الفلسطيني «محمود عباس» في زيارةٍ ودية للبيت الأبيض هذا الأسبوع.
وقال «إيلان غولدنبرغ»، الرئيس السابق للبعثة الخاصة للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في إدارة «أوباما»: «لقد تعامل مع الأم مثل رئيسٍ تقليدي. لقد كانت هذه مفاجأةً سارة».
ويشكك بعض مؤيدي «نتنياهو» في واشنطن و(إسرائيل) في إمكانية التوصل إلى اتفاق سلامٍ مقبول مع الفلسطينيين، ويظهر «ترامب» متحمسًا بشدة لكسر هذا الجمود التاريخي. وقال «ترامب» خلال لقاء صحفي مع عباس يوم الأربعاء: «سأفعل كل ما هو ضروري لتسهيل التوصل إلى اتفاق، وسوف ننجز ذلك».
ويهتم المتشددون المقربون من «نتنياهو»، بشكلٍ خاص، بالتقارير التي تفيد بأنّ «ترامب» يحصل على المشورة بشأن (إسرائيل) من صديقٍ قديم، وهو رجل الأعمال من نيويورك «رونالد لودر»، الذي لعب دورًا وراء الكواليس في محادثات السلام السابقة، وله صلات بمسؤولين فلسطينيين، والذي يعتقد أنّ «ترامب» يمكنه التوسط في اتفاق لحل القضية.
وفى الرياض، سيحضر «ترامب» اجتماعًا لقادة مسلمين يركز على تهديدات الإرهاب والتطرف الديني. وقال «ترامب» هذا الأسبوع أنّه يريد «بناء ائتلافٍ من الأصدقاء والشركاء الذين يتشاركون هدف محاربة الإرهاب وجلب الأمن والفرص والاستقرار إلى الشرق الأوسط».
ومن المؤكد أنّ هذا البرنامج سيتطرق إلى الجماعات المتطرفة مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية، وكلاهما تعتبره العائلة المالكة السعودية تهديدًا لبقائها، بالرغم مما يقوله نقاد المملكة بأنّ الحكومة السعودية تتسامح مع المؤسسة الدينية المحافظة التي تلهم التشدد.
وكانت السعودية هدفًا معتادًا لـ«ترامب» في حملته الانتخابية. وفى يونيو/حزيران الماضي، دعا «هيلاري كلينتون» إلى إعادة ملايين الدولارات التي تبرعت بها الحكومة السعودية لمؤسسة كلينتون، مشيرًا إلى أنّها دعت البلاد إلى «وقف تمويل الكراهية».
وقبل انتخابه، ندد «ترامب» بشكل روتيني بالسعودية بسبب عدم دفع ما يلائم الحماية العسكرية الأمريكية التي تحصل عليها.
وغرد «ترامب» في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013 قائلًا: «إذا كان السعوديون قلقون جدًا مما يحدث في سوريا، فعليهم أن يذهبوا إليها بأنفسهم. وليتوقفوا عن إخبارنا بالقيام بعملهم القذر».
وبينما يتم تقريع السعوديين لدفعهم إلى سياسة جيدة، يعمل الدبلوماسيون الأمريكيون ومسؤولو الجيش والاستخبارات عن كثب مع السعوديين في قضايا مثل الإرهاب وسوريا وإيران.
وكان «ترامب» قد تحدث يوم الخميس عن المملكة، ووصفها بأنّها «الوصي على أقدس المواقع الإسلامية»، مكة المكرمة والمدينة المنورة، ووصف زيارته القادمة إلى هناك بالـ «تاريخية».
ولم يتراجع «ترامب» تمامًا عن وجهات نظره القديمة. وفي الأسبوع الماضي، قال لـ«رويترز» أنّ المملكة «لم تعاملنا بشكلٍ عادل، لأنّنا نخسر قدرًا هائلًا من الأموال في الدفاع عن السعودية». كما أثار «ترامب» غضب العديد من السعوديين بسبب جهوده لحظر السفر إلى الولايات المتحدة من ستة بلدان ذات أغلبية مسلمة، والتي يراها العديد من المسلمين على أنّها شكل من أشكال التعصب. لكنّ المسؤولين السعوديين فوتوا لـ«ترامب» خطابه المتشدد، الذي يعتبرونه أقل أهمية من نهجهه الصارم تجاه التطرف وعدم اهتمامه بالضغط في قضايا حقوق الإنسان والإصلاح السياسي. وقال وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» لشبكة «سي إن بي سي»، في منتصف فبراير/شباط: «أعتقد أنّ دونالد ترامب صديق محتمل للجميع». وأضاف: «ليس لدي أي سبب للتشكيك في دوافعه».
بوليتيكو- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-