علاقات » اميركي

اللقاء العربي: ماذا يمكن أن يحقق ترامب في الرياض

في 2017/05/19

تُعتبر الرحلة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الخارج - وهي جولة تستغرق تسعة أيام من المقرر أن تبدأ هذا الأسبوع - طموحة إلى حدّ كبير على صعيد كل من الجغرافيا (الرياض والقدس وبيت لحم وروما وبروكسل وصقلية) والسياسة (الإرهاب، وإيران، والسلام في الشرق الأوسط، وحلف "الناتو"، والاقتصاد العالمي). ونظراً لتبلور تفضيلات سياسته منذ توليه منصبه، سيتم التدقيق عن كثب في كل كلمة ينطق بها أو تعبير يرتسم على وجهه. غير أن البديهيات تتخطى المضمون في ظل الظروف الراهنة - فعلى سبيل المثال يتجنب جدول الأعمال المنشور لقمة الرياض أي ذكر للمواضيع الهامة مثل التعامل مع تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة»، ومواجهة أعمال الشغب الإيرانية، أو النهوض بالسلام العربي الإسرائيلي. ومع ذلك، هناك فرص في كل واحد من هذه المجالات.

إيجاد تركيز مشترك على الإرهاب

من المتوقّع أن يشارك الرئيس ترامب فى ثلاث مؤتمرات قمة خلال جولته في الرياض: إحداهما مع الملك سلمان وأخرى مع قادة دول "مجلس التعاون الخليجى" وقمة ثالثة مع قادة من جميع انحاء العالم العربى والإسلامي. وفي الحالة الأخيرة، من المقرر أن يُلقي خطاباً عن الإسلام، يُحتمل أن يكون أشبه بحقل ألغام، لأن العديد من المسؤولين الحاضرين سيصرّحون حتماً بأن الإسلام هو دين سلام ولا علاقة له بالإرهاب. غير أن خطاب ترامب الذي أدلى به أمام الكونغرس في 28 شباط/فبراير تطرق إلى موضوع حماية الشعب الأمريكي من "الإرهاب الإسلامي المتطرف"، وشدّد فيه على الكلمات الثلاث "متطرف. إسلامي. إرهابي". وشرح ذلك بأنه السبب الذي دفع به إلى فرض قيود على الهجرة على العديد من الدول الإسلامية. وأفادت بعض التقارير أن "مستشار الأمن القومي" الأمريكي إيج. آر. ماكماستر حاول إقناع الرئيس ترامب بوقف استخدام هذا المصطلح، لذلك سوف تنجلي الأمور إذا جرى استخدامه في خطاب الرياض؛ وفي 16 أيار/مايو، أخبر ماكماستر الصحفيين بأن ترامب "سيلقى خطاباً ملهماً ومباشراً حول الحاجة إلى مواجهة الإيديولوجية المتطرفة وأن الرئيس يأمل في تكوين رؤية مسالمة للإسلام". وبغض النظر عما سيحدث، فإن [عرض] صورة للرئيس ترامب محاطاً بأكثر من 50 زعيماً من العالم الإسلامي قد يقوّض الادعاءات السائدة في الولايات المتحدة بأنه مناهض للمسلمين.

وفي مقطع آخر من خطابه في شباط/فبراير، ذكر الرئيس الأمريكي أنه أوعز إلى البنتاغون بوضع خطة "لتدمير تنظيم «الدولة الإسلامية» والقضاء عليه". ووصف الجماعة بأنها "شبكة من الهمجيين الخارجين عن القانون قتلوا مسلمين ومسيحيين، رجالاً ونساء وأطفال من كافة الأديان والمعتقدات"، وتعهد "بالعمل مع حلفائنا، بمن فيهم أصدقائنا وحلفائنا في العالم الإسلامي، لإبادة هذا العدو الخبيث من كوكبنا". وربما تكون الحكومة السعودية قد رحبت بهذه الصيغة، لكن الاختلافات لا تزال تتمثل بكيفية جمع السياسات المناهضة لـ «داعش» مع مستقبل سوريا والتهديد المستمر الذي يشكله تنظيم «القاعدة» في أماكن غير خاضعة للقانون مثل اليمن. وقد ادّعى بعض كبار المسؤولين السعوديين بشكل لا يدع مجالاً للشك أن تنظيمي «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» (جماعتان سنّيتان حصراً) يخضعان لسيطرة النظام الشيعي الإيراني. وفي المقابل، يُلقي عدد لا بأس به من القادة الذين من المقرر أن يحضروا مؤتمرات القمة في الرياض، اللائمة على على الوهابية حول استمرار الانتفاضة القتالية، الفرع المتشدد من الإسلام الذي نشره دعاة سعوديون في أنحاء العالم لعقود من الزمن.

التأثير على المترددين

قبل يوم واحد من وصول ترامب إلى الرياض، ستجري الانتخابات الرئاسية في إيران حيث سيختار الناخبون أساساً بين اثنين من المرشحين الرئيسيين هما الرئيس الإصلاحي الحالي حسن روحانى والمتشدد ابراهيم رئيسي. ورغم أنه قد يكون للنتيجة أثر كبير على المنطقة، إلّا أن السعوديين مقتنعين بأن النظام الإيراني هو المشكلة، وليس من يتولى الرئاسة. ولم توجه الدعوة إلى إيران أو عميلتها سوريا لحضور القمة الإسلامية في الرياض، ولكن طهران تشكّل محور المكاسب التي يريد السعوديون تحقيقها من هذه الاجتماعات. وبصرف النظر عن تأكيد مكانة المملكة كزعيمة للعالمين العربي والإسلامي، يرغب السعوديون أيضاً في إظهار قوة وعمق المعارضة الإسلامية لنسخة طهران من الإسلام الشيعي الثوري.

إلّا أنّ العديد من رجال الدولة القادمين إلى الرياض ربما يترددون في تأييد هذا النهج. فرئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف يُعتبر مقرباً من السعوديين، الذين منحوه لجوءاً سياسياً في مرحلة ما، ولكن بلاده كانت حريصة على البقاء محايدة ظاهرياً بسبب الأوضاع المتوترة على حدودها مع إيران. كما يتوخى العراق الحذر بشكل خاص حيال طهران، وهو ربما السبب الذي دفعه إلى إرسال الرئيس فؤاد معصوم لتمثيله في القمة وليس رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي تعتبره الرياض عميلاً إيرانياً.

وفي ظل الظروف السائدة، ستحقق الرياض ضربة موفقة إذا حضر المؤتمرات السلطان قابوس حاكم سلطنة عمان، حيث أن الزعيم الموالي للغرب يميل عادةً إلى الحفاظ بشكل حذر على التوازن في علاقته مع السعودية وإيران. ومن المرجح أن يكون العاهل الأردني الملك عبدالله قد خصص قسماً كبيراً من زيارته في نهاية الأسبوع الماضي إلى مسقط لإقناع قابوس بالحضور، غير أن السلطان مستاء من السعوديين بسبب عملياتهم العسكرية المستمرة في اليمن، التي يحاول فيها تحالف دول الخليج إعادة حكومة عبد ربه منصور هادي المعترف بها دولياً إلى الحكم. ومن جهته، سيحضر الرئيس هادي القمة، لكن الخيارات المتاحة أمامه في هذا الخصوص محدودة - فوفقاً لمختلف الدبلوماسيين، وضعه السعوديون تحت الإقامة الجبرية في منزله في الرياض لأنهم اعتبروا أن نشاطاته السياسية في مدينة عدن الساحلية المحررة تعتبر متطفّلة إلى حدّ كبير.

وقد يكون الرئيس السوداني عمر البشير، الزعيم الأكثر إثارةً للجدل الذي تمت دعوته إلى القمة الإسلامية، فقد كانت "المحكمة الجنائية الدولية" قد وَجهت إليه تهمة الإبادة الجماعية. وبالنسبة للولايات المتحدة، يُعتبر حضوره تحدياً من الناحية البروتوكولية؛ لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى السعودية، التي تعتبر مشاركته تعبيراً عن الشكر. وبعد أن كان البشير حليفاً لإيران سابقاً، انتقل إلى جانب المعسكر السعودي قبل بضعة أعوام، ومن المؤكد تقريباً من خلال إغراءات مالية. واليوم، يقاتل الجنود السودانيون في اليمن كجزء من التحالف الذي تقوده السعودية.

تعزيز السلام العربي - الإسرائيلي

هناك سؤال مهم آخر هو ما إذا كانت اجتماعات القمة الثلاث ستُحدث أي تغيير في الموقف بشأن القضية الإسرائيلية - الفلسطينية. فمن المتوقع على نطاق واسع أن تقوم بعض دول «مجلس التعاون الخليجي» - السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان - على الأقل ببادرة نحو التطبيع مع إسرائيل، ربما حول قضايا مثل قطاع الاتصالات السلكية واللاسلكية المباشرة، أو فتح قنوات التجارة الحرة بصورة أكثر، أو حقوق التحليق كما هو مبين أدناه. وبالنسبة لهم، أصبحت مسألة مواجهة إيران تكتسي نفس القدر من الأهمية، على غرار إحراز تقدم على المسار الفلسطيني، إن لم تكن أكثر أهمية منها، وهو نهج تفكير تتشاركه إسرائيل معها. ومن جهته، سيحضر رئيس "السلطة الفلسطينية" محمود عباس [مؤتمرات] القمة، وسوف يكون قلقاً إزاء تعليق الآمال على دعوة الرئيس ترامب مؤخراً لتجديد عملية صنع السلام.

وبالنسبة للإمارات العربية المتحدة، كانت الدولة الخليجية الأكثر صراحة فيما يتعلق بالتطبيع. فقد سمح المسؤولون الإماراتيون لإسرائيل بإرسال بعثة إلى مكتب "الوكالة الدولية للطاقة المتجددة" ("إيرينا") التي مقرها في أبوظبي. وفي آذار/مارس، شاركت القوات الجوية الإماراتية في مناورات عسكرية مشتركة في اليونان شملت وحدة من سلاح الجو الإسرائيلي.

وعموماً، ستتمسك مؤتمرات القمة بالمواقف الدبلوماسية السائدة منذ فترة طويلة بشأن القضية الفلسطينية، ولكن ربما لا يزال بإمكان الرئيس ترامب نقل بعض الأخبار السارة إلى محطته التالية المزمعة في القدس. وتجري دول الخليج أساساً عدداً كبيراً من الصفقات التجارية غير المعلنة مع إسرائيل، وقد تم إنشاء قنصلية إسرائيلية واحدة على الأقل لم يُعلن عنها في الخليج لتسهيل هذه التعاملات. ويمكن أن يعزز السعوديون هذا التقارب خلال مناقشات هذا الأسبوع من خلال تقديم وعد إلى ترامب بالسماح لأي طائرة تسيّر رحلات من وإلى إسرائيل بعبور أجواء المملكة. وكان الرئيس أوباما قد قدّم هذا الطلب للمرة الأولى قبل ثماني سنوات، لكن العاهل الراحل الملك عبدالله رفضه رفضاً قاطعاً. غير أن وجهات النظر قد تتغير في المملكة. وفي الأسبوع الماضي، نشرت صحيفة "عرب نيوز" اليومية الناطقة باللغة الإنجليزية - التي يقرأها على نحو كبير الدبلوماسيون والرؤساء التنفيذيون الأجانب وهي جزء من مجموعة إعلامية يملكها الملك سلمان - مقالة افتتاحية بعنوان "عدو عدوي صديقي". وكان العدو إيران؛ والصديق إسرائيل. وفي اليوم الذي سبق، كتبت الصحيفة عن الحج اليهودي السنوي إلى كنيس في تونس.

وسواء قصدت الرياض ذلك أم لا، أطلقت بادرة مساعدة باتجاه إسرائيل من خلال الإعراب عن اهتمامها، وفقاً لبعض التقارير، بشراء "منظومة الدفاع الصاروخي الأمريكية المتطورة" ("ثاد") في إطار صفقات أسلحة مع الولايات المتحدة تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار. ومن شأن نشر أي من هذه الأنظمة في المملكة حماية إسرائيل من الهجمات الصاروخية الإيرانية.

الخاتمة

إن الطموح الكبير الذي تحمله مؤتمرات القمة في الرياض الثلاث - والتحديات اللوجستية الضخمة في التعامل مع عدد كبير من رؤساء الدول في الوقت نفسه - قد تحدّ من نجاحها. وفي حين يبدو أنه من غير المحتمل إحراز أي إنجازات حول قضايا معقدة، إلا أن بعض اللاعبين الإقليميين قد أبدوا استعداداً جديداً لتغيير المواقف الصارمة، وعلى الرئيس ترامب تشجيع مثل هذه التغييرات.

سايمون هندرسون- معهد واشنطن-