"صفقات الرئيس الأميركي دونالد ترامب".. كان هذا العنوان الأبرز لوسائل الإعلام العالمية والعربية اليوم وأمس.
ورغم أن ترامب قام بأنشطة أخرى خلال زيارته للسعودية، منها مثلاً عقد لقاءات مع قادة وزعماء 55 دولة عربية وإسلامية، إلا أن مليارات الدولارات التي حصدها حظيت بالاهتمام الأكبر من قبل وسائل الإعلام، خاصة أنها جمعت بين كل مقومات الإثارة والتشويق، من ضخامة للأرقام، ثم غموض حول رقم الصفقات الحقيقي، ثم انعكاسات هذه المليارات على المشهد داخل أميركا، حيث التوترات السياسية العنيفة التي تواجه ترامب.
وأخيراً الحديث عن صفقات سلاح ضخمة، على الرغم من إعلان المملكة قبلها بيوم واحد عن تأسيس الشركة الوطنية العسكرية، والتي قالت مصادر مسؤولة بالمملكة إنها ستعدّ واحدة من أكبر 10 شركات لتصنيع الأسلحة حول العالم.
وبغض النظر عن الطرف الأبرز الذي خرج فائزاً في جولة المليارات الأخيرة، فإنه يمكن هنا رصد أربع ملاحظات حول الصفقات المبرمة بين الطرفين.
الملاحظة الأولى
تتعلق بضخامة أرقام الصفقات وحجم الاتفاقيات المبرمة خلال زيارة ترامب للسعودية، والتي لم تشهدها العلاقات الاقتصادية والسياسية بين البلدين من قبل، فهناك أطراف تحدثت عن صفقات تجاوزت قيمتها 280 مليار دولار في اليوم الأول للزيارة، في حين رفعت مصادر أخرى الرقم إلى 460 مليار دولار، أما الرئيس الأميركي نفسه فقد تحدّث اليوم الأحد عن توقيع بلاده اتفاقيات مع السعودية بقيمة 400 مليار دولار، تستحوذ صفقات السلاح على نحو 27.5% منها.
الملاحظة الثانية
تتعلق بوجود اختلافات شديدة حول الرقم الحقيقي لحجم الصفقات المبرمة، فهناك مثلا من تحدث عن 460 مليار دولار ما بين صفقات أسلحة ودفاع ومشروعات نفط وكهرباء وطاقة وتجارة وبتروكيماويات، وهناك أطرف سعودية قالت إن حجم الاتفاقيات التي وقّعها الملك سلمان بن عبد العزيز بلغ نحو 280 مليار دولار فقط، أما الأطراف الأميركية فتتحدث عن 400 مليار دولار، وربما كان الاستثناء هنا هو الاتفاق حول الحديث عن قيمة صفقة الأسلحة، فالجميع هنا متفق على الرقم.
الملاحظة الثالثة
تتعلق بإصرار الطرفين السعودي والأميركي على حالة الغموض حول الاتفاقيات المبرمة وعدم الكشف عن الأرقام الحقيقية للصفقات، ولم يخرج علينا مسؤول سعودي ليتحدث عن إجمالي حجم الصفقات.
صحيح أن عدداً من هؤلاء خرج ليتحدث عن صفقات محددة، مثل تلك التي أبرمتها شركة النفط الوطنية أرامكو، مع شركات أميركية وتبلغ قيمتها 50 مليار دولار، كما تحدث بعض آخر عن توصل قطاع النفط والغاز السعودي إلى شراكات بقيمة 22 مليار دولار مع شركات أميركية، لكن لم يتحدث أحد عن الرقم الإجمالي للصفقات وفي أي المجالات والأنشطة، وما إذا كانت كلها اتفاقيات دخلت حيز التنفيذ عقب التوقيع، أم أن جزءاً منها عبارة عن مذكرات تفاهم واتفاقيات مبدئية.
وتكرر السيناريو مع الجانب الأميركي، فلم يخرج علينا مسؤول أميركي واحد ليحصي الصفقات والمليارات التي عاد بها ترامب لبلاده، بعد زيارة دامت يومين، حتى الشركات الأميركية جاء كلامها فضفاضاً وغير محدد في بعض الأحيان، فشركة بلاكستون الأميركية للاستثمار المباشر قالت إنها تخطط لتدشين آلية للاستثمار بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار في مشروعات البنية التحتية بالتعاون مع صندوق الثروة السيادي الرئيسي في السعودية، ولم يتم الكشف عن هذه الآلية ونوعية المشروعات.
وربما يكون الاستثناء هنا ما قالته شركة جنرال إلكتريك الأميركية، من إنها وقعت صفقات قيمتها 15 مليار دولار مع السعودية تشمل سلعاً وخدمات منها بنحو سبعة مليارات دولار، وذلك في قطاعات الطاقة، والرعاية الصحية، والنفط والغاز، والتعدين.
الملاحظة الرابعة
هي أن صفقات السلاح حصدت الجزء الأكبر من مئات المليارات التي فاز بها ترامب خلال زيارته للسعودية، فحسب الأرقام فإن الجانبين اتفقا على صفقات أسلحة بقيمة إجمالية 110 مليارات دولار تتوزع ما بين معدات دفاعية وخدمات صيانة حسب مسؤول في البيت الأبيض. كذلك شهد منتدى الرؤساء التنفيذيين السعودي الأميركي التوصل إلى اتفاق خطاب نوايا مع شركة لوكهيد مارتن الأميركية للاستثمار بقيمة 60 مليار دولار في مجال تجميع 150 طائرة مروحية من طراز بلاك هوك في السعودية.
وبغضّ النظر عن الملاحظات الأربع فإن ترامب الفائز الأكبر من زيارة المملكة باتفاقيات بلغت قيمتها 400 مليار دولار، كما قال اليوم، وهذا المبلغ الضخم ربما يخفف عنه الضغوط السياسية التي يتعرض لها في الداخل، فهذه المليارات ستوفر آلافاً من فرص العمل للشباب الأميركي، وبالتالي تخفض معدلات البطالة، وتنعش الاستثمارات وتحرك الأسواق وتزيد معدل النمو الاقتصادي، كما توفر المليارات سيولة ضخمة لمئات المصانع الأميركية كفيلة لتدوير النشاط بها لسنوات مقبلة، خاصة مصانع الأسلحة التي فازت بصفقة 110 مليارات دولار.
في المقابل لا تخرج السعودية خاسرة من هذه الصفقات والاتفاقيات الضخمة التي أبرمتها مع ترامب، بل تخرج مستفيدة اقتصادياً، فهناك عشرات المشروعات التي تم الاتفاق عليها ستجري إقامتها على الأراضي السعودية، وهو ما سيخلق مئات الآلاف من الوظائف وفرص العمل للشباب السعودي، كما أن الشركات الأميركية ستنقل خبراتها الضخمة للسعودية، خاصة في مجال الصناعات العسكرية.
كما أن الاتفاقيات التي تم إبرامها في قطاع النفط والغاز والطيران والأسلحة ستعزز مثل هذه الصناعات الحيوية داخل المملكة، وتدعم سياسة توطين أنشطة مثل التصميم والهندسة والتصنيع والدعم للمركبات القتالية المدرعة، وهناك صفقات تساعد المملكة في تنويع موارد اقتصادها المعتمد على النفط، وتساعدها في التخلي عن سياسة الاعتماد الكلي على النفط الخام في تحقيق الإيرادات الرئيسية، وتزيد صادراتها.
مصطفى عبد السلام- العربي الجديد -