د. خليل العناني- العربي الجديد-
بدون جهد أو ذكاء شديد، يمكن بسهولة قراءة موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من الأزمة الخليجية المستمرة، والمرشحة للاستمرار شهوراً، إن لم تكن أعواماً.
وهو موقف رجل أعمالٍ حاول، ولا يزال، الاستفادة من الأزمة بكل الطرق، من أجل تحقيق أكبر مكاسب مالية واقتصادية، مستفيداً من حالة اللُهاث التي يمارسها ساسةٌ وقياداتٌ عربيةٌ عاملوه قبل أسابيع كأنه "إمبراطور"، حين زار المنطقة، في حين أنه كان، ولا يزال، يُعامل في بلاده وإعلامها معاملة "المتهم حتى تثبت براءته"، وهو ما تأكد بعد أن تم وضعه تحت التحقيق في ملف التعاون مع روسيا رسمياً.
لذا، تعاطى ترامب مع الأزمة الخليجية ليس باعتبارها أخطر أزمة سياسية ودبلوماسية في منطقةٍ، كثيراً ما صنفت، في العرف الأميركي الخارجي، بأنها من أكثر المناطق استقراراً وأمناً، وباعتبارها مدخلاً استراتيجياً للنفوذ الأميركي في آسيا جنوباً وشرقاً، وإنما باعتبارها "مقامرة" من مقامراته، أو "دجاجة تبيض ذهباً" له، بابتزاز أطرافها مالياً واقتصادياً.
وهو، كغيره من حلفائه في المنطقة، لا مبدأ لهم في السياسة، ويمكنه بيع مواقفه لمن يدفع أكثر. وهو ما انتبهت له الإمارات مبكراً، ثم لحقتها السعودية، فاستثمروا فيه، وفي جهله وسذاجته من جهة، وشراء بعض مستشاريه وتدجينهم من جهة أخرى، وزغللوا أعينهم بصفقاتٍ ودولاراتٍ كثيرة من أجل تصريحٍ هنا أو موقفٍ هناك، مستخدمين، ويا للمفارقة، خطاب "اليمين المتطرّف" نفسه من الإسلام والمسلمين، من أجل تحقيق مكاسب سياسية وإقليمية.
وكان واضحاً أنه كلما تعاطت الدوحة بهدوء مع الأزمة، ضغط الخصوم على ترامب ومستشاريه، من أجل الخروج بتصريح أو "تويتة"، يمكنها تعقيد الأمور، وزيادة الضغط على قطر، على غرار التصريح "الطائش" الذي أدلى به ترامب في أثناء مؤتمره الصحافي مع رئيس وزراء رومانيا قبل نحو أسبوعين، وطالب فيه قطر "بالتوقف عن تمويل الإرهاب". وهو تصريح بدا كأنه جملة اعتراضية، تم حشرها في المؤتمر من دون سياقٍ متماسك.
وهو التصريح الذي تلقفته الأذرع الإعلامية التي أجّجت، ولا تزال، الأزمة الخليجية، مثل قناتي العربية وسكاي نيوز، واحتفلت به الصحف السعودية، لتوظيفه في ديناميات الصراع لصالحها. في حين لم يلتفت هؤلاء جميعاً إلى المواقف الأميركية الرسمية التي خرجت عن مؤسساتٍ سياديةٍ، لها وزنها وكلمتها في صنع السياسة الخارجية الأميركية، كوزارتي الخارجية والدفاع وهيئة الأمن القومي.
لذا، كان مع كل تصريح أو "تويتة" لترامب، يخرج أحد مسؤولي هذه الجهات، ليصب ماءً بارداً عليه، ويحاول تصحيح وطأته وتخفيفها، حتى لا تستخدمه بعض الأطراف لتأجيج الأزمة.
يتماشى موقف ترامب من الأزمة الخليجية مع تصوراته الساذجة والفهلوية عن منطقة الخليج، والتي لا يراها سوى "بئر نفط" كبير، يجب حلبه، واستنزاف جيوب القائمين عليه، من دون التزام أو تقيّد بسياسة معينة تجاههم.
وهو يدرك أن كل "تويتة" سوف تعود عليه مالاً. مستفيداً في ذلك من اندفاع قادة وساسة خليجيين يسعون، بهمّةٍ، إلى تغيير موازين القوة في المنطقة لصالحهم. معتقدين أن وجود شخصٍ مثل ترامب، الجاهل، بحسب رأيهم، والأحمق، بنص تصريحاتهم المسرّبة، على رأس السلطة في أميركا، فرصة ذهبية قد لا تتكرّر.
ولكن، يبدو أن المؤسسات الأميركية، أو "الدولة" العميقة كما يسميها أنصار ترامب، ترغب في عدم حدوث خللٍ في منطقة الخليج، خصوصاً وأنه ليس هناك ما يدعو إلى ذلك، حيث تتمتع واشنطن بعلاقاتٍ قويةٍ مع معظم بلدانه، كما أنها لا تمتلك رفاهية خسارة أحدها.
لذا، حاولت هذه المؤسسات، ولا تزال، التخفيف من آثار مقامرة ترامب في الأزمة الخليجية، ذلك أن آخر ما تريده واشنطن الآن هو حربٌ بين حلفائها الاستراتيجيين.