القدس العربي-
تحكي إحدى مسرحيّات وليم شكسبير، «ترويض الشرسة»، عن تنطّع شاب ثريّ للزواج بابنة تاجر كبير مشهورة بتهوّرها وشراستها واستخدامه حيلاً عديدة لترويضها تتراوح بين العنف وادعاء الجنون والحرمان من رفاهيات الحياة مما جعلها، بعد نزاع طويل مع زوجها الذكيّ، أكثر بنات أبيها طاعة الذي زاد إرثها إلى الضعف!
تصلح هذه المسرحيّة، بسبب طابعها الكوميديّ ربّما، لمقاربة سياسية للطرق التي تعامل بها زعماء العالم مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المشهور هو أيضاً بتاريخ يجمع التسلية التلفزيونية، والثراء الطائل، مع السياسات الشعبوية الطائشة التي تضرب يميناً ويساراً وتستدعي ردود فعل عنيفة من الدول الأجنبية والمؤسسات السياسية والقضائية والإعلامية الأمريكية والعالمية.
بعض زعماء العالم، كالرئيس المكسيكي السابق فيسنتي فوكس مثلاً خرج عن طوره واستخدم ألفاظاً غير دبلوماسية البتة للرد على دعوات ترامب ببناء جدار فاصل مع المكسيك تدفع هي كلفته وتصدر الهاشتاغ البذيء الذي استخدمه قائمة الأكثر تداولا على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، وبطريقة مشابهة قام سيناتور أسترالي بطبع صورة ترامب على ممسحة أحذية مكتوباً عليها «أستراليا ليست ممسحة حذائك»، وعلى العكس من ذلك فقد قام زعماء آخرون، كالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمديح ترامب خلال فترة ترشحه للرئاسة قائلا إنه ذكي وموهوب، وكرئيس الفلبين رودريغو دوتيرتي اعتبر ترامب «مفكرا واقعيّا».
أظهر المثالان الأخيران أن المديح هو أحد طرق الوصول إلى قلب ترامب الذي دعا دوتيرتي لزيارته في البيت الأبيض وردّ على مديح بوتين بأفضل منه وكان يستعدّ لتأسيس علاقة تاريخيّة معه لولا اندلاع مسلسل الفضائح التي تثبت أن إدارة الكرملين ساهمت، عمليّاً، في إسقاط المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون المنافسة لترامب عبر عمليّات قرصنة واتصالات مشبوهة مع عدد كبير من المسؤولين المرتبطين بترامب بمن فيهم ابنه وصهره.
سارعت بعض الدول العربية لالتقاط الإشارات فقامت الإمارات بدعوة شركات ترامب لإجراء صفقة تجارية وقامت البحرين باستئجار بعض غرف فندق تابع له في واشنطن غير أن المملكة العربية السعودية، المتوجّسة من قانون شرّعه الكونغرس يسمح بمحاسبتها على هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، تجاوزت، بمراحل ضوئية، مقاييس المديح والاسترضاء إلى وضع كل وزنها الاقتصادي والسياسي.
فدعت عشرات الزعماء العرب والمسلمين إلى الرياض للاجتماع بالرئيس الأمريكي وتقديم فروض الاحترام والتقدير، وأنهت الاجتماع بما سمّي «صفقة القرن»، وهي صفقة من طبيعة اقتصادية سياسيّة، كان من المفترض منها أن تدشّن مرحلة عربيّة وإقليمية جديدة غير مسبوقة، توقف النفوذ الإيراني في المنطقة، وتحلّ المسألة الفلسطينية.
«صفقة القرن» المرعبة ما لبثت أن انحسرت إلى تفصيلين أساسيين: الأول هو تقديم تغطية أمريكية لتثبيت ولاية عهد السعودية لابن الملك محمد بن سلمان بن عبد العزيز، وابتزاز قطر بدعاوى كبيرة ليس لها وزن حقيقي ولا مصداقية فيما اختفى بند تخفيض نفوذ إيران وتم تعهيد القضية الفلسطينية للاعبين صغار التزموا بأجندة إسرائيل، كما أن تغريدات ترامب التي ساندت دعاوى السعودية وحلفائها ضد قطر ما لبثت أن تلاشت، وعاد مسؤولو وزارتي الدفاع والخارجية إلى استلام الملفّ وتقليل الأضرار الناجمة عن «شراسة» رئيسهم وشراهته للصفقات.
في المقابل، وبعد تعرّض الرئيس الأمريكي لانتقادات شديدة من زعماء العالم في اجتماعات قمة السبع الكبار وقمة العشرين بشكل بدا فيه معزولا، قدّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مقاربة «ماكرة» جديدة سمحت لترامب باستعادة غروره الجريح، وقامت البروتوكولات الفرنسية الذكيّة وجولات الضيافة، من قبر نابليون إلى مطعم جول فيرن في برج أيفل إلى كنيسة نوتردام والغداء على نهر السين، بأثر خطير على ترامب، وزوجته، فغرّد عن جمال بريجيت زوجة ماكرون وألمح إلى أنه قد يعود عن قراره سحب أمريكا من اتفاق المناخ العالمي.
خلاصة الأمر أن طبيعة ترامب المتغطرسة لا يمكن، في النهاية، أن تسود إذا كان في «سيادتها» ضرر على سياسات ومصالح أمريكا، وأن الصراحة مع ترامب، والحفاوة به، أهمّ بكثير، وأقل كلفة، من محاولة رشوته لتمرير قضايا لا يمكن تمريرها.