نيويورك تايمز- ترجمة منال حميد -
كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن تحذير شخصي وجهه وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، إلى الإمارات والسعودية، من مغبة القيام بأي عمل عسكري ضد قطر، على خلفية الأزمة الخليجية التي بدأت في الخامس من يونيو العام الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الأزمة بدأت في أعقاب الاختراق الذي حدث لوكالة الأنباء القطرية، وبث خطاب مفبرك لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، مؤكدة أن التحقيقات التي نفذها محققون أمريكيون أثبتت أن هذا الاختراق نفذته الإمارات.
وقال ديكلان والش، موفد الصحيفة إلى الخليج العربي، في تحقيق موسع نشرته، إن قطر وعلى الرغم من استمرار الحصار الاقتصادي المفروض عليها من قبل السعودية والإمارات والبحرين، فإن أثر هذا الحصار لا يمكن ملاحظته على واقع الحياة اليومية فيها، حيث تسير بشكل طبيعي جداً بعد أن بدأت بالانفتاح على أسواق جديدة لسد حاجتها من المواد الغذائية والاحتياجات الأخرى.
واستعرضت الصحيفة الأيام الأولى من الحصار الذي فرض على قطر، حيث أغلق المنفذ البري الوحيد الذي يربطها بالسعودية، ومنع دخول الطائرات القطرية إلى أجواء المملكة والإمارات، بالإضافةإلى إجراءات عقابية اتخذتها دول الحصار والتي لم تستثن منها حتى الحيوانات، حيث كانت الإبل القطرية موجودة في الأراضي السعودية، وطرد قرابة 12 ألف رأس منها.
وأعادت الصحيفة التذكير بمقابلة سابقة لها مع أمير دولة قطر في سبتمبر الماضي، عندما علق على تلك الإجراءات، قائلاً: "إنهم لا يحبون استقلالنا".
وبينت الصحيفة أن قطر ومنذ اكتشاف الغاز فيها بدأت في إعادة تصنيعه، مشيرة إلى أن الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، دخل في مغامرة كبيرة عندما قرر تسييله قبل تصديره، وذلك بعد أن وقع عقداً بقيمة 20 مليار دولار مع عملاق الطاقة شركة "إكسون موبيل"، حين كان يرأسها وزير خارجية أمريكا الحالي تيلرسون، ونجح رهان أمير قطر السابق في تحويل بلاده إلى أهم مصدري الغاز بنحو 30% من السوق العالمية.
هذا النجاح اللافت حوّل شعب قطر إلى واحد من أغنى شعوب العالم بمتوسط دخل سنوي يبلغ 125 ألف دولار، وبات من الصعب جداً أن تعثر على فقير قطري، فلقد تحولت شبه الجزيرة الصحراوية إلى واحدة من أكثر بقاع العالم ازدهاراً، كما أن هذه الوفرة المالية الكبيرة مكنت السلطة في قطر من الشروع بتنفيذ العديد من البرامج بمجالات التعليم والصحة، وحتى دخول عالم الإعلام من أوسع أبوابه من خلال إطلاق قناة الجزيرة التي تعد رائدة في العالم العربي، والتي وقفت إلى جانب ثورات الربيع العربي عام 2011.
وقالت الصحيفة إن الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي (32 عاماً)، يشترك مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في عدائهما لإيران، حيث يتهمان قطر بأنها على علاقة واسعة مع طهران، إلا أن واقع الحال يؤكد أن أكبر تبادل تجاري في المنطقة هو بين الإمارات وإيران وليس مع الدوحة، حتى بعد محاصرة قطر واضطرارها إلى الاستيراد من طهران لسد حاجة سوقها المحلي.
وأشارت الصحيفة إلى أن أمير قطر تولى الحكم في العام 2013 وكان عمره حينذاك (33 عاماً)، وهو مثل أبيه حاصل على شهادة أكاديمية من كلية سانت هيرست الملكية في بريطانيا، وهو رجل دبلوماسي يمتلك نظرة مستقبلية لبلاده.
وبينت أن قطر دولة منفتحة ولكن بتحفظ أكثر من دبي، كما أنها دولة محافظة ولكنها ليست كالسعودية المنغلقة، فهي تحاول أن تقدم نموذجاً رائداً في المنطقة. فعلى سبيل المثال بمدينة مشيرب التي يتم تشييدها حالياً وسط الدوحة، توجد عدة متاحف تصور واقع الحياة في الدولة خلال الأعوام المئة الماضية؛ ومنها متحف بين جلمود الذي يروي في جانب منه قصة الرق التي كانت منتشرة في الدوحة والخليج العربي إلى منتصف القرن الماضي، وكيف أن ذلك أصبح ماضياً، إلا أنه ماض يجب التذكير به وعدم نسيانه في ظل النهضة العمرانية والثقافية والحضارية التي تشهدها قطر.
وإذا كانت السعودية قد قررت مؤخراً السماح للمرأة بقيادة السيارة، فإن النساء في قطر يقدن السيارات منذ عقود، وأيضاً تنتشر صالات السينما بالإضافة إلى وجود كنيسة في الدوحة، ورغم ذلك فإن البلاد لم تقطع حبل ودها مع المذهب الوهابي الموجود في السعودية.
قطر استغلت ثروتها الكبيرة أيضاً لتنتهج سياسة مستقلة عن السعودية وتحولت الدوحة إلى صانع سلام إقليمي، وكانت جنيف الخليج، حيث وجدت سبيلاً للحل للكثير من المشاكل في المنطقة سواء بالسودان أو الصومال أو لبنان، فضلاً عن أن أمريكا اختارتها لتكون مقراً لكبرى قواعدها العسكرية.
وكانت جريئة أيضاً في سياستها ودعمت ثورات الشعوب العربية في عام 2011، وكما قال أميرها في برنامج 60 دقيقة على قناة أمريكية إن بلاده قررت الوقوف إلى جانب الشعوب، والحق.
مقابل ذلك كان التحالف بين بن زايد وبن سلمان يخوض المغامرة تلو الأخرى، ولعل أبرزها حرب اليمن المشتعلة بلا هوادة منذ أكثر من عامين.
وتعود الصحيفة إلى بداية الأزمة الخليجية الحالية، مشيرة إلى أنه وفي قمة الرياض التي حضرها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وزعماء الدول الإسلامية، كانت الأمور تبدو عادية تجاه الدوحة، إلا أن ترامب قرر أن يقف إلى صف السعودية فور اندلاع أزمتها مع قطر، ويبدو أن ذلك كان بتأثير مباشر من صهره جاريد كوشنر، صديق ولي العهد السعودي.
وأشارت الصحيفة إلى مواصلة الدوحة لمشاريعها الخاصة بمونديال 2022، ومنها مشروع المترو، وتبني المتحف الوطني الذي من المقرر أن يفتتح نهاية العام الجاري، الذي يعد تحفة معمارية بفعل الأقراص المتقاطعة التي تشكل معماره.
وبنيت أن الأثر الأكبر للحصار الذي يمكن ملاحظته كان على الأسر المشتركة بين قطر ودول الحصار، حيث لم يعد بإمكانها التزاور والالتقاء بسبب القوانين التي فرضتها دول الحصار، وإغلاق المنافذ المباشرة سواء كانت برية أو جوية.
وتشير الصحيفة إلى أن الأيام الأولى من الحصار ربما كانت تتضمن أيضاً عملاً عسكرياً من قبل السعودية والإمارات، إلا أن المخاوف من هذا السيناريو زالت بعد نحو سبعة أشهر، مؤكدة أن وزير الخارجية الأمريكي حذر حينها كلاً من السعودية والإمارات من مغبة الإقدام على مثل هذا العمل، وهو ما كرره لاحقاً ترامب في اتصال مع القادة السعوديين.