مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
انطلقت عملية "إعادة الأمل" في نيسان/ ابريل 2015، وشكّل هذا الإعلان خطوة متقدّمة على مستوى الجهود السعودية والتحالف العربي - الدولي في مسيرة إنهاء محنة اليمن، ومرحلة ثانية من مراحل الخروج من المستنقع اليمني المشتعل، وجاء اختيار العنوان عاطفياً مفعماً بالمعاني والمضامين التي تخلق في النفوس توقّعات وآمالاً إيجابية، وأتت هذه العملية في مقابل إعلان الانتهاء من عملية "عاصفة الحزم" التي كان من أولى أهدافها تدمير الصواريخ الباليستية ووضع حد لاستخدام الأسلحة الثقيلة التي كانت تطال أهدافها، ليس فقط ضمن نطاق جبهة المواجهة بل في عمق المناطق السعودية، ولكن العاصفة خمدت وانتهت واستمر إطلاق الصواريخ، ومسيرة إعادة الأمل تعثّرت لتدخل جبهة اليمن في تعقيدات جديدة سياسية وميدانية.
إعادة الألم؟!
أكثر من ثلاث سنوات على عملية "إعادة الأمل" ولا زال الخنجر اليمني يتعمّق في الخاصرة السعودية، ولم يتغيّر في الميدان إلا تعديل في أمكنة الحروف فتحوّل الأمل إلى الألم، والإعادة باتت مقترنة بعودة النعوش التي تحمل جثامين الجنود السعوديين المشاركين في جبهة "قرود الجبال"، في حين تدحرجت المبادرات الخليجية والدولية على صخور صعدة، ولا إنجاز تحقق سوى تبديل المبعوثين الدوليين وآخرهم مارتن غريفث الذي يبدو أنه سيواجه الفشل كما سابقيه الذين اختفى ذكرهم دون معرفة إلى أين وصلت مساعيهم في ترجمة مضامين اللقاءات والاتفاقات للانتهاء من استمرار النزف الحاصل جنوب البلاد.
لماذا الفشل؟
كان المؤمل أن تتوقف الحرب مع العزم العاصف الذي تولّت الإمارات العربية المتحدة نفخه من جديد في مواقع الجبهة متقدمة على القوات السعودية، ولكن يبدو أن جحافل المقاتلين والهجمات الجوية والبرية توقفت عند حدود مطار "الحديدة" قبل أن تصل إلى المدينة، وهو ما يدفع للتساؤل عن جدوى هذا المخطط العسكري الجديد، خصوصاً مع تطوّر أساليب الحرب لدى مقاتلي الحوثي الذين لم يكتفوا باستمرار إطلاق الصواريخ البالستية على جيزان ونجران، واستهداف المنشآت الصناعية والاقتصادية فيهما، بل بدأوا بتسيير طائرات بلا طيّار مفخخة تستهدف الخطوط الخلفية للجبهة وتقصف مراكز القيادة والعمليات لقوى التحالف، فأين هي المخابرات العسكرية وماذا تفعل؟ وما هي جدوى طائرات المراقبة المتطوّرة؟ وأين هي الأقمار الصناعية التي وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية في خدمة المجهود الحربي؟
خيانة أم تقصير؟
لا شك أن هناك الكثير من علامات الاستفهام التي يجب طرحها في تفسير أو تبرير الفشل المستمر في حسم المعركة، ولا بد من معرفة أسباب قدرة الحوثيين على مواصلة إطلاق الصواريخ في ظل إطباق الحصار العربي والدولي جواً وبحراً وبراً على المناطق التي يسطيرون عليها، فهل هناك خيانة بين أطراف التحالف؟ ولماذا تستفرد الإمارات العربية في قيادة العمليات العسكرية الآن في حين أن السعودية هي التي من المفترض أن تقود التحالف العسكري والأمني في حرب اليمن؟ وكيف يمكن تفسير الأمر الجديد الذي أصدره الملك سلمان بالعفو عن "كافة العسكريين المشاركين في عملية إعادة الأمل من العقوبات العسكرية والمسلكية الصادرة بحقهم وفقاً لعدد من القواعد والضوابط"؟
قتال المرتزقة
لا يمكن إنكار أو إغفال النتيجة الطبيعية لأي حرب على مستوى ارتفاع فاتورة الخسائر البشرية والمادية والمعنوية، ولكن أن نصل إلى مرحلة نعفو فيها عن الجنود الهاربين من الخدمة العسكرية، فهذا يعني أن هناك أزمة انتماء وثغرة في عقيدة القتال لدى قواتنا المسلّحة أولاً، وثانياً هناك نقص في تزخيم ودعم الجبهة بالعناصر البشرية المستعدين للقتال، خصوصاً إذا ما صدقت التقارير التي تتحدث عن الدفع بمقاتلين مرتزقة وأجانب إلى مقدّمات الهجوم، وهو ما أظهرته وسائل الإعلام العالمية التي عرضت مشاهد عن هؤلاء قتلى وجرحى وأسرى، وهذا لا يبشّر بالخير في القادم من الأيام، ولا سيما في ظل التعنّت الحوثي برفض الشروط السعودية المطالبة بالاستسلام قبل إجراء أي حوار داخلي لحل أزمة اليمن.
ابتزاز ترامب
أمام هذه المعطيات لا بد من وقفة تأمّل وإعادة النظر في ما يجري من استغراق في وحول اليمن، ودراسة الجدوى الفعلية من الاستمرار في هذه الحرب، ولا يعني ذلك الانسحاب وإعلان الاستسلام لجماعة الحوثي، بل المطلوب النظر إلى الأمور من زاوية أوسع وأكثر إدراكاً لما ينتظر المنطقة من تطوّرات واتفاقات تجري على طاولة الكبيرين الأمريكي والروسي، أفلا يكفي ابتزاز واشنطن للثروات السعودية تحت عنوان تأمين الحماية الوهمية التي لم نشهد لها أي تطبيق على الأرض حتى الآن؟ وأي معركة خاضها دونالد ترامب حتى اليوم نيابة عن السعودية سوى أنه يوغل في سحب مليارات الدولارات من خزينتنا الوطنية في وقت تحتاج البلاد إلى إصلاحات اقتصادية داخلية جذرية، بعيداً عن أقنعة الترفيه والرقص وتنظيم حفلات الغناء والمسرحيات وعروض الأزياء؟ هي صرخة تحذير مما يمكن أن يواجهنا من مستجدات، وهي ستأتي على حساب السعودية ودول الخليح بالدرجة الأولى، بحيث ستكرّس القوى العظمى تبعية العرب لهما بأموالها وثراوتها.. ولم يفت الأوان بعد.