آرون ميلر وريتشارد سوكولسكي - بوليتيكو- ترجمة شادي خليفة -
منذ مقابلة "فرانكلين روزفلت" التاريخية، عام 1945، مع "عبدالعزيز بن سعود"، مؤسس المملكة العربية السعودية، أظهر كل الرؤساء الأمريكيين حبهم للملوك السعوديين.
لكن لم يحدث في تاريخ العلاقات السعودية - الأمريكية، الذي يصل إلى 7 عقود، أن اقتربت من هذا التملق الفظ الذي يعرّف الآن علاقة الرئيس "دونالد ترامب" بالمملكة العربية السعودية، ودعمه السافر لسياساتها الخطيرة وغير المسؤولة.
ومنذ أن أصبح "ترامب" رئيسا، مكنت الولايات المتحدة ودعمت حربا سعودية كارثية في اليمن، وشاهدت واشنطن الرياض تشن حربا سياسية واقتصادية ضد قطر تقسم مجلس التعاون الخليجي، وتعزز نفوذ إيران.
ووقفت إلى جانب اختطاف السعوديين فعليا لرئيس الوزراء اللبناني الموالي لأمريكا، في محاولة فاشلة لإضعاف "حزب الله".
وبقيت الإدارة الأمريكية صامتة في حين قمع السعوديون الصحفيين والمدونين ورجال الأعمال، وأي شخص آخر تجرأ على انتقاد ولي العهد "محمد بن سلمان"، تحت ستار "الإصلاح".
ولم يقل "ترامب" شيئا حين اتخذت الرياض إجراءات تأديبية ضد كندا، وهي حليف وثيق للولايات المتحدة، حين تجرّأت على تحدي انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية.
وفي 65 عاما من الخبرة المشتركة في العمل داخل وخارج وزارة الخارجية الأمريكية حول سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لم نرَ أبدا مثل استعداد إدارة "ترامب" لربط المصالح الأمريكية بمصلحة المملكة، وهي دولة تسعى بشكل متزايد للسياسات العدائية في الداخل والخارج، التي تقوض القيم والمصالح الأمريكية.
وفي الواقع، في خضم كل إخفاقاتها، كانت أنجح مبادرة للسياسة الخارجية السعودية في الذاكرة الحديثة هي النجاح في كسب "دونالد ترامب" وخداعه.
ارتباط غير سوي
فكيف نفسر ارتباط إدارة "ترامب" الشاذ وغير السوي بالمملكة؟ لماذا يتملقهم، والأهم من ذلك، على ماذا تحصل أمريكا في المقابل؟
وفي حين خرج تقليديا أسلافه الرئاسيون في أول رحلة خارجية لطمأنة جيراننا في كندا أو المكسيك، اختار "ترامب" الظهور لأول مرة في المملكة العربية السعودية، ومن وجهة نظر ما، قد يعطينا ذلك لمحة عن ولع "ترامب" بالإطراء المبالغ فيه، ويكره تماما أي انتقاد.
ومع وجود صندوق ثروة سيادي بالمليارات، وأفراد عائلة مالكة يشترون بعض أغلى اليخوت والمنازل والأعمال الفنية في العالم، فإن السعودية تصبح مكان "ترامب" المفضل.
وتعتبر الثروة السعودية حافزا لقيام "ترامب" بمطالبة الرياض بشراء أسلحة تبلغ قيمتها أكثر من 100 مليار دولار، وليس من قبيل الصدفة أن يصطحب "ترامب" كبار المديرين التنفيذيين الأمريكيين في رحلته الأولى إلى المملكة بحثا عن الصفقات.
وبالنسبة لهذا الرئيس، فإن التعامل مع الأصدقاء يكون على أساس سلسلة من المعاملات، فهو يعتقد أنه، كما هو الحال في أي صفقة تجارية، إذا حصلت من الولايات المتحدة على شيء، فعليك أن تقدم شيئا في المقابل.
ولا شك في أنه يدرك أن كونه لطيفا مع السعوديين قد يضمن له في النهاية صفقات تجارية قد تكون ذات أهمية كبيرة لمنظومته التجارية.
وهناك سبب آخر لعلاقة الحب الأمريكية السعودية، وهو تلهف "ترامب" لإصلاح الضرر الذي يعتقد أن الرئيس "باراك أوباما" قد سببه للعلاقة الأمريكية السعودية بسبب الاتفاق النووي الإيراني، وجعل الرياض شريكا عربيا للعب دور رائد في تحقيق هذا الهدف.
ويملك "ترامب" طموحين كبيرين في المنطقة؛ تحجيم إيران، ومتابعة الصفقة النهائية للسلام العربي الإسرائيلي.
ويشترك السعوديون في الهدف الأول مع الولايات المتحدة و(إسرائيل)، لكن الاعتماد عليهم لفعل الكثير حيال ذلك ليس منطقيا.
لقد شهد العالم الفوضى التي أوجدها السعوديون في اليمن، ومن الواضح أن سياسات المملكة تجاه اليمن وقطر تعمل على توسيع نفوذ إيران بدلا من تحجيمه.
أما بالنسبة للسلام الفلسطيني الإسرائيلي، يبدو ولي العهد "بن سلمان" مهتما بالتدخل، لكن في الآونة الأخيرة، أرسل السعوديون إشارات بأنهم لن يؤيدوا أي اتفاق سلام لا يشمل القدس عاصمة لدولة فلسطينية، وهو ما يبرهن على الأرجح على قلق الملك "سلمان" من اندفاع ابنه للارتباط بالصفقة الأمريكية.
ولكسب السعوديين، ستحتاج إدارة "ترامب" إلى استيعاب الفلسطينيين بطرق لا تبدو مستعدة للقيام بها.
ولا شك في أن الحفاظ على علاقة مثمرة قد خدم المصالح القومية للولايات المتحدة.
لقد انتهى تقريبا عقد النفط مقابل الأمن الذي كان أساسا للعلاقات الأمريكية السعودية لفترة طويلة، وبفضل ظهور النفط الصخري، لا نحتاج إلى نفطهم، وهم لا يريدون الاعتماد على أمريكا غير المضمونة من أجل أمنهم.
ومع ذلك، فإن الحفاظ على النفط السعودي واستقراره في الخليج العربي، الذي يصدر 30 إلى 40% من تدفقات النفط العالمية، لا يزال حيويا لصحة الاقتصاد العالمي.
وفي أعقاب الربيع العربي وانهيار 4 دول عربية، لا تزال المملكة قوة الاستقرار والشريك الأمثل في مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط الخطير والمضطرب.
وما لا نتنازل عنه ولا يمكن إلا أن نلتزم به هو أن تكون علاقات إدارة "ترامب" بالسعوديين مشروطة، خاصة في ضوء سياسات الأمير "محمد" المتهورة في الخارج، وسلوكه القمعي في الداخل.
لقد وقع "ترامب" للسعوديين شيكات "على بياض" على سياسات تقوض قيم ومصالح الولايات المتحدة، دون أن يحصل على الكثير في المقابل، وهم يستغلون ذلك.
وهم يجرون حربا مدمرة في اليمن، أدت إلى مقتل الآلاف من المدنيين، وخلقت كارثة إنسانية، وعززت "القاعدة"، وسمحت للإيرانيين والحوثيين بنصر دعائي وتغطية لأعمالهم السيئة.
ولقد أطلقوا حصارا فاشلا ضد قطر لم يؤد إلا إلى تعزيز نفوذ إيران في الدوحة، وقسم مجلس التعاون الخليجي.
ولقد قاموا بقمع الناشطات الرئيسيات من النساء اللواتي كنّ من بين الأوائل الذين دافعوا عن حق النساء في قيادة السيارات، والناشطات الشيعيات اللواتي اتهمن بتقويض أمن الدولة، واللاتي قد يتم الحكم عليهن بالإعدام، وهو ما يمحو فعليا أي نية حسنة حين سمحوا للنساء بقيادة السيارات.
وقد بالغوا في رد فعلهم على نقد كندا للقمع بإلغاء الرحلات الجوية، وطرد السفير الكندي، وسحب الطلاب السعوديين من الجامعات الكندية، والمرضى السعوديين من المستشفيات الكندية.
وفي مواجهة كل هذا، ما الذي فعلته إدارة "ترامب" لدفع المملكة للتراجع؟ لا شيء تقريبا.
ولقد أرسلت الولايات المتحدة جنرالا من فئة الـ3 نجوم إلى المملكة "للتحقيق" في واحدة من أحدث هجمات البلاد على الأطفال في اليمن.
وهذا الأسبوع، دعا قائد الولايات المتحدة الأعلى في الشرق الأوسط إلى المزيد من الشفافية في استهداف القذائف من قبل المملكة.
لكن البنتاغون ما زال لم يتراجع قيد أنملة عن استمراره غير المعقول في التمكين لجرائم الحرب السعودية المحتملة في اليمن، وهو مستمر في تزويد السعوديين بالاستخبارات، لكنه يؤكد أنه لا يعطي الموافقة المباشرة أو غير المباشرة على اختيار الهدف أو تنفيذ التفجيرات.
وبعبارة بسيطة، لا نعتقد أن البيت الأبيض يهتم بما يكفي بشأن الأزمة الإنسانية في اليمن، أو ما يفعله السعوديون مع قطر أو كندا.
أما بالنسبة لسلوك ولي العهد المتسلط بشكل متزايد، فقد أظهرت إدارة "ترامب" بشكل واضح ولعها في المغازلة والتغاضي عن أخطاء الرجال الأقوياء.
استعادة التوازن
وهناك بالطبع خطوات يمكن أن تتخذها الإدارة لإعادة العلاقة الأمريكية السعودية الخارجة عن السيطرة إلى نوع من التوازن الذي يخدم المصالح الأمريكية، وليس السعودية فقط، بشكل أفضل.
أولا، إذا أراد السعوديون مواصلة حملتهم التدميرية في اليمن، فيمكنهم فعل ذلك دون دعم من الولايات المتحدة.
ويلعب الحوثيون والإيرانيون دورا أساسيا في بؤس اليمن، لكن السعوديين والإماراتيين هم القوة الأكثر تماسكا على الأرض، وهم يعيثون معظم الموت والدمار هناك.
ويجب أن يعلنوا وقف إطلاق النار دون موعد نهائي، وأن يسمحوا لمبعوث الأمم المتحدة بوضع اتفاقية سلام عادلة ومستدامة.
ويجب أن تخبر إدارة "ترامب" ولي العهد بأن الولايات المتحدة تتوقع من السعودية رفع حصارها عن الحديدة، والسماح بالوصول غير المقيد للمساعدات الإنسانية.
وإذا استمر السعوديون في وضع القيود والعراقيل، فيجب على الولايات المتحدة أن تعلق فورا كل الدعم العسكري الأمريكي للعملية العسكرية التي تقودها السعودية ضد اليمن.
ثانيا، ما أن تعلق الولايات المتحدة دعمها لحملة القصف السعودي، يجب أن توضح لولي عهد المملكة أنه إذا واصلوا عملياتهم التي تسببت في سقوط قتلى ومصابين، فإن الإدارة سوف تضغط علنا على السعوديين والحوثيين للتحقيق في الإصابات بين المدنيين، وستدعم التحقيق الرسمي للأمم المتحدة، كما حدث في سوريا، في جرائم حرب سعودية محتملة في اليمن.
ثالثا، تحتاج الإدارة إلى إرسال رسالة واضحة إلى الحكام السعوديين مفادها أنها لن تسمح للمملكة بسحب الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران بسبب الصراع السعودي الإيراني في اليمن، أو الصراع الجيوسياسي والطائفي الأوسع في المنطقة.
نعم، تمثل إيران تحديا كبيرا، لكن علينا أن نوضح للسعوديين أننا لن نساعدهم في حربهم الطائفية بين السنة والشيعة، وأننا سنتعاون مع إيران عندما تخدم مصالح الولايات المتحدة، وسنواجه الإيرانيين عندما يتحدون تلك المصالح.
رابعا، في القمة المخطط عقدها بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي في الخريف، تحتاج الإدارة إلى ممارسة ضغط أكبر على السعودية وقطر قدر الإمكان؛ لإنهاء النزاع المستمر، وأن توضح الولايات المتحدة أنها لن تتسامح بعد الآن مع التعنت السعودي في مطالبها غير المقبولة والمقبولة حتى، وأن تعمل الإدارة، في نفس الوقت، على دفع القطريين من أجل تلبية المطالب السعودية المعقولة.
وأخيرا، على الولايات المتحدة أن تخبر السعوديين أنها تريد العمل معهم على خطة سلام إسرائيلية فلسطينية لها فرصة للنجاح، وتقر بأن هذا سيتطلب معالجة المخاوف الإسرائيلية والفلسطينية، على حد سواء، بشأن القدس ونظام الدولة.
وإذا كانت إدارة "ترامب"، في تحدٍ لكل منطق استراتيجي، وضد مصالحها الخاصة، تريد أن تعامل المملكة كأفضل صديق لأمريكا وفقا لما تمنحه الرياض لواشنطن من فوائد، فإن ذلك قد يكون مقبولا.
لكن على واشنطن أن تتوقف، على الأقل، عن السماح لهم بالتلاعب بها عند كل منعطف.