علاقات » اميركي

زلزال خاشقجي.. سلمنة السعودية على المحك و5 سيناريوهات متوقعة

في 2018/10/18

صحيفة "الغارديان" البريطانية-

"أكبر أزمة دبلوماسية لها مع الغرب منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001"..

هكذا وصفت صحيفة "الغارديان" البريطانية تأثير جريمة اغتيال الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية على المملكة ومستقبل الحكم بها.

فترجيحات مراقبي الأزمة تصب باتجاه مسؤولية ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" شخصيا في التدبير للجريمة، وهو ما أكدته الصحيفة البريطانية بحديثها عن "أياد ملكية" واضحة وراء الاغتيال.

 ومع صعود اتجاه لاعتراف سعودي ضمني بما  جرى، مع تسويغه بدعوى القتل الخطأ، اتجهت توقعات العديد من الصحف الغربية إلى أن آثار أزمة "خاشقجي" ربما تكون عصية على الاحتواء التقليدي الذي سبق أن نجحت فيه المخابرات السعودية تاريخيا بعد خطف العديد من معارضي النظام

ويدعم هذه التوقعات عاملان رئيسان، الأول هو المواقف الدولية الرسمية (خاصة موقف العديد من نواب الكونغرس الأمريكي ودول أوروبا)، التي نددت بما جرى في القنصلية، والثاني هو انقلاب صورة "محمد بن سلمان" بالإعلام الغربي، إلى حد وصف صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية لاسمه الاختصاري (MBS) بأنه بات معبرا عن "السيد منشار العظام" (Mister Bone Saw) في إشارة إلى تسريبات المصادر التركية حول تقطيع جثة "خاشقجي" بمنشار عظام قبل التخلص منها

سيناريوهات وفرضيتان

فإلى أي مدى يصل تأثير الأزمة على مستقبل بن سلمان؟ تشير التحليلات إلى 5 سيناريوهات متوقعة في هذا الصدد، ثلاثة منها مؤسسة على فرضية القضاء على مستقبل "بن سلمان" السياسي، واثنان آخران على محاولة العاهل السعودي "سلمان بن عبدالعزيز" التدخل من أجل ضمان فرص استمرار نجله بالسلطة.

ويعزز من إمكانية تحقق الفرضية الأولى بدء العاهل السعودي الاستعانة ببعض "رجالات الحكم القدامى" لمحاولة لملمة آثار الأزمة التي عجز "محمد بن سلمان" وفريقه عن احتوائها بأدنى درجة، إذ أرسل أمير مكة "خالد الفيصل" إلى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان".

كما يعزز من هكذا فرضية اقتران الهجوم الغربي الواسع ضد "بن سلمان" بعودة طرح "أسماء بديلة" تحل محله في سلطة بدا أنه غير جدير بمسؤوليتها، بحسب توصيف النائب بمجلس الشيوخ الأمريكي "لينسي غراهام".

وبحسب تحليل أستاذ العلوم السياسي "أمجد أحمد جبريل" فإن هكذا تدخل من جانب "سلمان" استهدف تحقيق هدفين؛ أحدهما تحسين العلاقات مع تركيا، وهو ما ظهر جليا في تغير لغة الخطاب بوسائل الإعلام السعودية، والآخر هو استعادة دور الملك المحوري، بوصفه مركز صنع القرار السعودي بعد سنوات من غيابه لصالح "الحاكم الفعلي" كما دأبت وسائل الإعلام الغربية على وصف "بن سلمان".

بينما يعزز من إمكانية تحقق الفرضية الثانية تحليلات أخرى تقوم على معلومات مفادها أن الملك سيقوم بتغييرات في بنية النخبة السعودية الحاكمة بما يحد من صلاحيات نجله "مؤقتا".

بديل مضمون

وتمثل عودة اسم ولي العهد السعودي السابق "محمد بن نايف" لصدارة الاهتمام الغربي بعد اغتيال "خاشقجي" السيناريو الأول في توقعات حلحلة الأزمة، إذ بدأت بعض الدوائر الأمريكية في طرحه مجددا كبديل "مثالي ومضمون" لـ "بن سلمان".

أما كونه مثاليا فيعود إلى أنه "الأكثر تأييدا للولايات المتحدة" بين أمراء آل سعود المحتملين لولاية العهد، بحسب توصيف الباحث بمعهد بروكينغز "بروس ريدل" الذي سبق له العمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والبيت الأبيض.

سبق لـ"ريدل" التحذير من تهور "بن سلمان" والتذكير بخسائر فقدان شخص بإمكانات "بن نايف" بعد إطاحة الملك سلمان به في يونيو/حزيران 2017، حيث اعتبره "ضابط الاستخبارات الأكثر نجاحا في العالم العربي".

وأما كون "بن نايف" مضمونا، وفق التوصيف الأمريكي، فيعود إلى خبرته الأمنية و"احترافية" أسلوبه في تنفيذ عملياته، وهو ما نوه به رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بين عامي 2013 -2017 "جون برينان"، قائلا: "الاستخبارات السعودية والأجهزة الأمنية كان لديها سمعة فظيعة، حيث قامت لعقود طويلة بعمليات خطف مواطنين سعوديين وغير سعوديين، إلا أن هذه الممارسات توقفت مع وصول محمد بن نايف، ولي العهد السابق، لمنصب نائب ثم وزيرٍ للداخلية بين العامي 2004 و2017".

ورأى "برينان" أن "مهنية وحرفية أجهزة الأمن السعودية تأثرت سلبا بالإطاحة بمحمد بن نايف"، في إشارة إلى الأسلوب الذي اتبعته المخابرات السعودية في اغتيال "خاشقجي" بإشراف "بن سلمان".

لكن يظل هذا البديل مصادما لحرص الملك السعودي على استمرار مشروعه لاستئثار "آل سلمان" بوراثة العرش دون باقي فروع آل سعود، من جانب، وعلى صورته الشعبية من جانب آخر، باعتبار أن إعادة "بن نايف" لولاية العهد تمثل تراجعا عن أحد أهم قرارات الاستراتيجية العام الماضي.

وإزاء ذلك، يرى مستبعدو هكذا سيناريو أن الدوائر الأمريكية تستخدم ورقة "بن نايف" فقط للضغط على السعودية من أجل أكبر قدر ممكن من المكاسب المالية، خاصة في ظل مؤشرات تعزز اتجاه إدارة الرئيس "دونالد ترامب" إلى التعامل مع أزمة "خاشقجي" بقدر كبير من البراجماتية.

فما هو البديل الواقعي إذن؟ يلوح هنا اسم الأمير "أحمد بن عبدالعزيز" كسيناريو ثان، لما يتمتع به من سمعة جيدة لدى أمراء آل سعود، خاصة جبهة المعارضة التي تشكلت بعد اعتقالات "ريتز كارلتون"، إضافة إلى تمتعه بـ "شرعية تاريخية" في وراثة العرش، باعتباره أكبر أبناء الملك المؤسس (عبدالعزيز آل سعود) سنا من بين الأمراء المحتملين لولاية العهد.

حركة باريس

ثمة مؤشرات على "حركة" داعمة لهكذا سيناريو داخل العائلة الملكية السعودية، منها ظهور الأمير المعارض "خالد بن فرحان آل سعود" بأكثر من وسيلة إعلام داعيا إلى تقدمه لوراثة الملك "سلمان" باعتباره الأجدر بمسؤولية الحكم

وتشير المعلومات، في هذا الصدد، إلى أن الأمير "عبدالعزيز"، نجل الملك السعودي الراحل "عبدالله"، ونائب وزير الخارجية السابق، والموجود حاليا في باريس، يبذل هو الآخر مساع حثيثة لإقناع قصر الإليزيه بالتحرّك لمنع "بن سلمان" من الوصول إلى الحكم، ودعم الأمير "أحمد بن عبدالعزيز" بدلا منه.

ويمثل الأمير "أحمد" بذلك بديلا واقعيا لجبهة أمراء آل سعود المعارضة لمشروع "سلمنة المملكة"، وهو ما بدا في مقطع فيديو ظهر فيه مناشدا متظاهرين غاضبين في لندن عدم الهتاف ضد آل سعود؛ لأنهم لم يعد لهم دخل بسياسة المملكة منذ صعود "بن سلمان" لولاية العهد، داعيا إياهم إلى توجيه اعتراضهم إلى الملك "سلمان" وولي عهده مباشرة.

وباختيار الأمير "أحمد" الاستقرار بالعاصمة البريطانية، يرى محللون أنه بدء التخطيط فعليا لإعداد السيناريوهات المثلى لإزاحة الملك سلمان، أو على الأقل منع تنفيذ المشروع السلماني بولاية العهد.

ولذا فإن سيناريو "أحمد بن عبدالعزيز" كبديل قد يكون واقعيا للأمراء المعارضين لـ "بن سلمان" وجزء من المجتمع الدولي، لكنه لا يبدو كذلك للملك سلمان نفسه بالضرورة، بحسب مراقبين.

وبإضافة صورة الأمير كصاحب "شخصية مترددة" إلى طاولة التحليل، يمكن اعتبار طرح اسمه مرجوحا، خاصة أن الدوائر الأمريكية هي صاحبة التأثير الأكبر في مستقبل الحكم السعودي، وليس نظيرتها الفرنسية.

وبدا من تصريحات هذه الدوائر، بما فيها تلك الساخطة على "بن سلمان" أن أولويتها تتمثل في شخصية "قوية" لديها قدرة الإشراف على خطط العمل الأمني بالمنطقة قبل السياسي، وهو ما لا ينسجم مع سمات الأمير الذي طالما عول عليه معارضو "آل سعود" سابقا دون جدوى، حتى بعد تجاوز دوره في ولاية العهد بعد الإطاحة بـ "بن نايف" بحسب قاعدة وراثة الحكم، التي أرساها الملك "عبدالعزيز" قبل وفاته.

امتداد سلماني

وإزاء ذلك طرحت بعض التحليلات الغربية اسم "خالد بن سلمان" كأحد البدائل الممكنة لأخيه الأكبر (محمد)، خاصة في ظل تمتعه بعلاقات وثيقة بدوائر الحكم الأمريكية، باعتباره سفير المملكة بواشنطن.

ويعتمد من يتبنون هذا الطرح على معلومات أكدتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مفادها أن "خالد بن سلمان" لن يعود سفيرا لبلاده لدى الولايات المتحدة بعد أن غادر واشنطن، الأسبوع الماضي، عائدا إلى الرياض، إثر أزمة "خاشقجي"

ويمثل هكذا بديل ضمانا لمشروع "السلمنة" الذي بدا العاهل السعودي حريصا عليه، عبر غضه الطرف عن قمع "محمد بن سلمان" لكل جيوب المعارضة المحتملة داخل العائلة الملكية، وهو ما ظهر جليا في حملة الاعتقالات بفندق ريتز كارلتون بالرياض، التي شملت العديد من الأمراء.

ولذا ذكرت صحيفة التايمز البريطانية أنه إذا قرّر الملك سلمان التضحية بنجله "محمد"، فإنه على الأرجح سيفضّل أن يظلّ منصب ولي العهد في سلالته.

لكن يظل هذا البديل ذا حدين، خاصة في ظل ضعف خبرة "خالد بن سلمان" من جانب، وصغر سنه من جانب الآخر، ما قد يزيد حساسية ملف وراثة الملك السعودي اشتعالا.

وبإضافة أداء "خالد بن سلمان" في التعاطي مع أزمة "خاشقجي" خلال الأسبوعين الماضيين، إلى الطاولة، يضع مستبعدو هذا التحليل اسمه في القائمة المرجوحة، خاصة بعد توريطه لأخيه بالتأكيد على استحالة عدم معرفة القيادة السعودية بما يجري داخل اي من قنصليات المملكة حول العالم.

حد الصلاحيات

يمثل سيناريو بقاء "محمد بن سلمان" إذن أحد الاحتمالات القائمة، مع الحد من صلاحياته، وفقا لما أورده مركز "ستراتفور" في تحليله للأزمة.

ويشير المركز، في هذا الصدد، إلى إمكانية سحب وزارة الدفاع من ولي العهد الحالي، وإسنادها إلى أمير آخر، بما يفضي إلى كبح انفراد "محمد بن سلمان" باتخاذ القرار، وعودة الملك "سلمان" إلى الصورة مجددا كرأس لهرم الدولة بعد فترة غياب طويلة.

وقد يوازي ذلك التقليل من ظهور "بن سلمان" إعلاميا، ومنعه من تمثيل المملكة خارجيا، لحين التأكد من امتصاص "آثار" أزمة "خاشقجي" دوليا، بحسب المركز.

لكن مخاطر هكذا سيناريو تتمثل في أن استمرار حالة تجاوز المجتمع الدولي للتعامل مع "بن سلمان" يعني فقدانه لشرعية وراثة السلطة مستقبلا، وهو ما يسعى الملك لضمانه سريعا، خاصة في ظل تقارير غربية تورد معلومات عن معاناته من حالة صحية متأخرة.

احتواء شكلي

وأمام هذا التخوف، يظل احتمال محاولة احتواء أزمة "خاشقجي" دون المساس بـ"محمد بن سلمان" قائما، خاصة في ظل تقارير أخرى تتحدث عن الإطاحة فقط بعدد من مسؤولي المخابرات السعودية، وعدد آخر من الفريق المعاون لولي العهد السعودي باعتبارهم المسؤولين عن "خطأ" قتل "خاشقجي" المزعوم.

وإذا كان هكذا سيناريو أقصر الطرق لمحاولة الالتفاف على أزمة "خاشقجي"، من زاوية نظر الملك ومشروعه لوراثة السلطة، إلا أن ردود الأفعال الدولية لا تصب بهذا الاتجاه، كما أن أي استمرار لـ "محمد بن سلمان" بولاية العهد يعني مضاعفة أزمة داخلية بأوساط آل سعود باتت تهدد شرعية انتقال السلطة بشكل حقيقي.

وبلغت توقعات "بروس ريدل" لهكذا سيناريو إلى حد اتجاه عدد من أمراء آل سعود لمحاولة تنفيذ انقلاب داخلي، قائلا: "ما زال ولي العهد يتمتع بحماية من والده، وهو الأمر الحاسم، لكن لن أكون متفاجئا إذا أزيح (ابن سلمان) عن العرش، أو تم اغتياله".

صحيح أن هؤلاء الأمراء لا يملكون أيا من أدوات القوة، لكن صراع "بن سلمان" مع القبائل التي تشكل صفوف جهاز الحرس الوطني قد يكون إسنادا مهما لهم.

اختمر هذا الصراع على مدار الأشهر الأخيرة بين "بن سلمان" وبين مسؤولي الجهاز الذي تمتع باستقلالية كبيرة عن أجهزة الأمن السعودية لسنوات طويلة ويتألف من مقاتلين يمثلون القبائل المركزية في المملكة

 وإزاء ذلك، اضطر الملك "سلمان" للتدخل بنفسه مؤخرا لتسكين هذا الصراع، خاصة بعد شمول اعتقالات "ريتز كارلتون" لبعض قادة الحرس، وفقا لما أوردته دورية "إنتليجنس أون لاين" الفرنسية.

فهل تصل آثار أزمة "خاشقجي" إلى حد انفجار من هذا النوع؟ لا مؤشرات قطعية على أي من السيناريوهات التي تطرحها الدوائر الغربية حاليا، لكن المؤكد أن مستقبل "بن سلمان" قبل اغتيال الصحفي المغدور ليس كما كان قبله.