علاقات » اميركي

عن ابن سلمان.. الأمير المحارب وفخ الصحافي

في 2018/10/26

جاسر بن أحمد الدخيل- خاص راصد الخليج-

بـ"نية مسبقة" تدفع ادارة الحكم، الدولة الى وادٍ سحيق.. وادٍ ما له من قرار.
ليس الأمر تجنياً على ولي العهد محمد بن سلمان، الذي استلم دفة الحكم قبل نحو 3 سنوات، كان أملنا أن يأخذ ولي الحزم بيد الدولة للخروج من أنفاق دخلت بها.. أو أدخلت بها عنوة، أن ينقذها من بين يدي سلطة دينية حاصرتنا في حدود دين فصلته على قياس مصالحها، وأدارته بقياس عائداته على دعاتها ونشرته خلف الحدود مصحوباً بغل وحقد، فبدل أن تنشر الدين نشرت الكراهية، والتكفير.. ونثرت بذور الارهاب على خلفية الدين.
جاء الأمير الشاب.. واستقبلناه كأمل موعود، باصلاح داخلي يوزع السلطة والثروة على كل أبناء المجتمع، فينصف المرأة، ويعيد للمهمشين حقوقهم، ويحيي الثقافة في دورها.. فاذا الاصلاح الداخلي يتحول الى سجن للدعاة، والاصلاح في الحكم يتحول في ليلة الى مجزرة بحق أصحاب الثروات في واقعة الريتز كارلتون الشهيرة، والثقافة تتحول الى هيئة ترفيه تفتح ساحات البلاد على كل فن هابط، والمرأة التي طالبنا بانصافها دون الاخلال بعفتها صارت تتمايل على وقع أغاني تامر حسني تحت أنظار الرجال.
توسمنا كل الخير بوسامة الامير محمد، وسامة تشي خلفها بشخصية نبيلة، فيها الجرأة والقوة وفيها الطيبة والرحمة، لكن الافعال جاءت مغايرة للشكل، فادارة العلاقات مع الخارج حوّلت بلدنا الى مهزلة أمام العالم، صار الرئيس الاميركي دونالد ترامب شريكاً في ثروة بلادنا، كلما نقصت خزينته سنتاً، قفز الى امام الناس معلناً أنه هو صاحب الفضل والمن علينا في بقاء دولتنا وحماية الحرمين، وتثبيت العائلة وملكنا على عرشه. وطالبنا بدفع ثمن ذلك، مليارات ومليارات من الدولارات، ونحن لا نتردد بدفع هذه الرشوة، في استغلال واضح ومكشوف لضعفنا ورداءة سلطتنا.. دون أن نرد حتى ولو بكلمة تقينا شر الذل ولو في العلن. بالمناسبة مسكين زميلنا العزيز تركي الدخيل فعلها، وقال لا نريد أن ندفع وسنذهب لغير أميركا.. المفاجأة أنه قال ذلك نيابة عن الكل، ولكن الكل تبرأ منه، وكادوا يقطّعون أوصاله، فقد تجرأ على الخوض في جدال مع ترامب ملك الملوك وقال ما لا يحب أن يسمعه ولاة الامر، ممن لا يعيشون بلا الأوكسجين الاميركي.
الامير المحارب وحامي حمى الوطن بحديه الشمالي والجنوبي.. فعل ما لم يجرؤ غيره على فعله، قفز فوق حدود الجنوب في حرب استباقية سريعة ضد الميلشيات الحوثية، للقضاء على هذه الفئة الضالة، وحماية الشرعية في البلد الجار الحبيب اليمن، وقد نجح بالفعل في قتل وجرح وتجويع عشرات الآلاف من اليمنيين الضعفاء، وأمكنه حماية الشرعية اليمنية من خلال الرئيس المهزوز عبد ربه منصور هادي الذي يخفيه في الاقامة الجبرية، ولا أحد يعلم ان كان حياً أوميتاً، والحرب الاستباقية السريعة مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات، لا بل سبقتنا بصواريخ وطائرات الدرون الى عمق الرياض، أما جماعة الحوثي التي ذهبنا للقضاء عليها، فهي تثبت قواعدها أكثر وتصير رقماً صعباً في حسابات المنطقة العسكرية والسياسية.. وقريباً يعترف كل العالم بأنها نصف اليمن أو أكثر.
الأمير القوي، أخرج كل غلّه في جسد مواطن خرج على طاعته، فجند لقتله فرقة من كبار محاربيه، ونجحوا في استدراجه الى قنصليتنا في اسطنبول، لم يقتلوه فحسب، بل مزقوا جسده ارباً اربا. ومع قتل الصحافي الشهير جمال خاشقجي استدرجنا كراهية كل أهل الارض، كلهم شاهدوا بشاعة وفظاعة ما يمكن أن نفعله، لو أن رجلاً تجرأ علينا، سنذهب اليه حيث هو، وسنعيده الى رحاب الوطن ولو ممزقاً.
نعم ونعم، لقد كشف قتل خاشقجي عورتنا، كل ما كنا نخفيه ظهر في طيات مقتل هذا الرجل، كل من كان يداري او ينافق، أخذته الجرأة أمام هول الاعدام المنظم، فقال ما كان يجانب قوله.. وأخرج من دفاتره صور شرّنا القابع في طيات كتبنا وفي عقول امرائنا الذين لا يتورعون عن فعل ما يرضي غرائزهم.
المؤلم في كل هذا الفشل الملكي.. أن لا أحد يخرج في بلدنا عن صمته، صار الصمت طقساً عبادياً يمارسه الكبير والصغير، السكوت لدى السعوديين تقليد يمارسونه حتى لو كل العالم قال.. هم لا يقولون. ولو كل العالم صرخ هم ينامون. نعم قد أجد لذلك تبريراً وحيداً.. هو فظاعة ما يحكى عن الجسد المقطع بالمناشير، والذي أريد له أن يكون صورة تحفر في وجدان هذا الشعب أكثر.. فتجعله مخدراً بجرعات فظيعة من الخوف.