عماد حسن- DW- عربية-
أثار العثور على جثتي الشقيقتين السعوديتين تالا وروتانا فارع على ضفة نهر هدسون في نيويورك الكثير من التساؤلات تضاعفت مع مرور الوقت في ظل تزايد الغموض الذي يحيط بتفاصيل الواقعة وأسبابها. فما هي قصة هذه الوفاة الغامضة؟
غموض شديد يحيط بقضية وفاة الشقيقتين السعوديتين تالا وروتانا فارع اللتان عثرت شرطة نيويورك على جثتيهما في نهر هدسون في مانهاتن مقيدتان معاً بشريط لاصق حول الخصر والكاحل ووجه إحداهما مواجه للأخرى.
كانت كل من تالا فارع (16 عاما) وروتانا فارع (22 عاما) تعيشان في ولاية فرجينيا وفقد الاتصال بتالا فارع منذ الرابع والعشرين من أغسطس/آب الماضي لتلحق بها أختها حتى عثر على جثتيهما.
صحيفة نيويورك تايمز قالت نقلاً عن الشرطة إن الأختين طلبتا اللجوء إلى الولايات المتحدة مؤخراً دون إبداء سبب، وأضافت أن والدتهما تلقت اتصالاً هاتفياً من السفارة السعودية في واشنطن في 23 أغسطس/آب الماضي - أي قبل يوم من اختفاء ابنتيها - لإبلاغها بأن الفتاتين تقدمتا بطلبي لجوء وطلبت من الأسرة العودة إلى البلاد، بحسب ما أفادت صحيفة "يو أس أي توداي".
حادث انتحار أم جريمة عنصرية؟
ورغم أن مكتب الطب الجنائي في نيوريورك لم يحدد بعد سبب الوفاة إن كانت نتيجة قتل أو انتحار، إلا أنه قال إن الجثتين لم تكونا في حالة تحلل عندما عثر عليهما أحد المارة ما يشير إلى أن وفاتهما ليست منذ فترة بعيدة. بيد أن أن طريقة تقييد الفتاتين على شكل صليب في مواجهة بعضهما دفعت آخرين إلى الاعتقاد بأن الحادث قد يكون جريمة كراهية.
تالا وروتانا اختفيتا يوم ٢٤ اغسطس في مدينة فيرفاكس بولاية ڤرجينيا. خبر العثور على جثتيهما في نهر هادسون مرعب جدا. كانت واحدة مقيدة فوق الاخرى في تكوين للصليب مثل افلام الرعب. لا حول ولا قوة الا بالله.
— Samar D Jarrah (@SamarDJarrah) October 29, 2018
خالد طاشكندي مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ استبعد فرضية الانتحار. وقال في مقابلة مع DW عربية إن هذا الاحتمال غير وارد لأن الشرطة الأمريكية قالت إنها لم تعثر على أي آثار لارتطام على جثتي الفتاتين ما يعني أنهما لم تقفزا من على جسر جورج واشنطن وإلا لظهرت آثار الارتطام على الجسد، مؤكداً أنه "لا يمكن الآن تحديد طبيعة الجريمة التي وقعت لأن التحقيقات لا زالت سارية ولم تصدر كثير من التفاصيل عن الشرطة الأمريكية حتى الآن".
أما القنصلية العامة السعودية في نيويورك، فلم تعلق على كثير مما نشر بشأن الواقعة، واكتفت بإصدار بيان قالت فيه إنها عينت محامياً لمتابعة القضية "لتجنب التقارير غير الدقيقة"، مضيفة بأنها تقدم أيضاً "دعمها ومساعدتها" لأسرة الفتاتين "في هذه الفترة الصعبة".
. #بيان من القنصلية العامة في نيويورك pic.twitter.com/jhL7cvQfnb
— القنصلية العامة في نيويورك (@KSAconsulateNY) October 29, 2018
وبحسب القنصلية السعودية، فإن الأختين كانتا تدرسان برفقة أخيهما في واشنطن. وذكرت تقارير إعلامية أن روتانا كانت مسجلة بجامعة جورج ميسون في فيرفاكس بولاية فرجينيا، غير أنها تركت الولاية مع بداية الخريف.
الفرار من السعودية
كثيراً ما تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي قصص لفتيات سعوديات فررن من أسرهن إلى خارج البلاد. بعضهن نجح في ذلك وبعضهن فشل وتمت إعادتهن إلى ذويهن. كان دافع أغلبهن التعرض لاعتداءات جسدية او الإجبار على الزواج أو المنع من استكمال التعليم إلى غير ذلك من الأسباب.
ويرى على الدبيسي رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن "طبيعة البيئة القانونية والتربوية والأسرية والثقافية في السعودية طاردة بشكل كبير للسيدات وأن ما يخفى في هذه المأساة أكثر من المعلن بكثير". ويضيف بأن القوانين في السعودية لا تحمي المرأة بل تُمعن وتساعد على زيادة معاناتها، "فمن تتعرض لانتهاك أو اضطهاد من أي نوع لا تجد قانوناً ينصفها".
ويؤكد الدبيسي أن التعامل مع المواطنين السعودين في الخارج يثير الكثير من الشكوك حينما تقع مثل هذه الحوادث، خاصة وأن النظام السعودي يلاحق منذ عقود في الداخل والخارج كل من يوجه نقداً أو يظهر معارضة للنظام، على حد قول الدبيسي، الذي أشار في حواره مع DW عربية أن "السفارات السعودية في الخارج تتضامن بشكل كامل مع الأهل حينما تفر فتاة من أهلها".
وأضاف الدبيسي أنه "في كثير من الأحداث التي وقعت في الخارج برز دور السفارات السعودية في ذلك. وعلى هذا الأساس من الطبيعي أن تكون الدولة السعودية محط شكوك". وتابع ذات المتحدث "لو أن السلطات السعودية كانت بعيدة عن استهداف المعارضين أو ملاحقة الفتيات التي حاولن الهرب من أهلن لما تم الربط بينها وبين مثل هذه الحوادث المؤسفة".
اتفاق غير مكتوب
يشير موقع وزارة العدل الأمريكية بخصوص تقارير عن طلبات اللجوء إلى أنه في عام 2016 تقدم 16 سعودياً بطلبات لجوء، قبل منها 7 ورفض 6 طلبات. وغالبا ما تواجه طلبات اللجوء المقدمة من طرف مواطنين سعوديين في الولايات المتحدة بالرفض. وفي هذا الشأن، يقول الدبيسي إن "السعودية تخشى بشدة من تزايد أعداد من يطلبون اللجوء، وتحارب هذا التوجه حتى لا يشكل من يخرج من البلاد نواة صلبة لبدء تشكيل مشاريع معارضة للنظام"، منددا "بملاحقة المواطنين السعوديين في الخارج بدل التركيز على إصلاح الخلل في الداخل"، على حد قوله.
ويؤكد رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان على أن "هناك اتفاق غير مكتوب بين السعودية وكل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا على عدم قبول طلبات لجوء من سعوديين فروا من بلادهم"، مشيرا إلى أن السعوديين ممن يسعون إلى طلب اللجوء في هاتين الدولتين يعانون بشدة". وتابع الدبيسي بالقول: "إن ملف اللجوء بالنسبة للسعوديين في الولايات المتحدة وبريطانيا مسيس ويختلف تماماً عن الوضع في باقي الدول التي قد يلجأ لها سعوديون، ما يؤكد أن هاتين الدولتين يداهما غير نظيفتان وتتعاملان مع ملف لجوء السعوديين بعيون استخباراتية وليست قانونية نزيهة".
نقص في الخبرة الحياتية
من جهته، يرى خالد طاشكندي مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ أن أغلب السعوديين، الذين يسافرون في بعثات إلى الخارج، هم من ذوي الأعمار الصغيرة، "وهؤلاء يفتقدون للخبرة الحياتية ما قد يتسبب في تعرضهم للكثير من المشاكل بعضها قد يصل بهم إلى فقدان حياتهم".
ويضيف طاشكندي موضحاً بأنه "في الولايات المتحدة توجد العديد من المناطق والولايات غير الآمنة، بعضها يشهد ارتفاعاً كبيراً في معدل الجرائم، وعندما يسافر شاب مغترب لأول مرة إلى هناك فإنه في الغالب لا يعرف المعلومات الأساسية عن مدى الأمان في المنطقة التي يعيش فيها، كما أن بعضهم قد تصدر عنه تصرفات لافتة للنظر تشير إلى ثرائه وحيازته للكثير من الأموال ما قد يجعله مطمعاً للسرقة".