علاقات » اميركي

نتائج الانتخابات النصفية الأميركية والتداعيات المحتملة على السياسة الخارجية لإدارة ترامب

في 2018/11/13

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات-

مقدمة

أفضت انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة الأميركية، في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، إلى سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلس النواب، في حين عزّز الحزب الجمهوري سيطرته على مجلس الشيوخ في الكونغرس، على نحوٍ يضع حدًّا لتفرد الجمهوريين بالفرعين التنفيذي والتشريعي للحكومة الأميركية، وهي الوضعية التي تمتعوا بها طوال العامين الماضيين. وإذا كان في حكم المؤكد أن سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب تعني متاعب كبيرة لإدارة الرئيس دونالد ترامب، داخليًا، وإعاقة بعض سياساته المحلية، ولا سيما ملفات الضرائب والهجرة والرعاية الصحية، فإن تأثير سيطرتهم على مجلس النواب سيكون أقل في السياسة الخارجية لإدارة ترامب بسبب طبيعة النظام الرئاسي الأميركي.

دينامية جديدة؟

تتمثل الانعكاسات المباشرة للانتخابات الأخيرة في تغيير دينامية العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ أصبح الكونغرس منقسمًا بين أغلبيتين في مجلسيه، النواب والشيوخ، وهو ما يتيح للسلطة التشريعية أن تؤدي أحد الأدوار الدستورية المناطة بها لناحية القيام بدورها الرقابي على السلطة التنفيذية والحد من تغوّلها، وهو الحال الذي كان قائمًا في السنتين الأوليين من عهد ترامب. 

يتمتع الرئيس بصلاحيات واسعة في السياسة الخارجية، مقارنةً بصلاحياته في السياسة الداخلية، إلا أن الأغلبية الديمقراطية القادمة في مجلس النواب تستطيع أن تضع بعض الكوابح لتلك الصلاحيات؛ وذلك عبر تفعيل آليات الرقابة الدستورية الممنوحة للمجلس، وإجراء التحقيقات فيها وحولها. ويبدو من خلال تصريحات زعماء الديمقراطيين الذين سيتسلمون رئاسة اللجان في مجلس النواب، بدءًا من مطلع عام 2019، أنهم جادون في نيّات الضغط عبر أغلبيتهم الجديدة لتغيير ما يرونه نهجًا سلبيًا من جانب الجمهوريين إزاء السياسة الخارجية التي يتبعها ترامب، وبأنهم سيضغطون للتشدد في التعامل مع دولٍ كروسيا والسعودية وكوريا الشمالية[1]. إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أن الرئيس يبقى يتمتع بسلطات دستورية واسعة في حقل السياسة الخارجية التي سيتفرغ لها أكثر، خصوصًا إذا ما اصطدم بعرقلة الديمقراطيين أجندته الداخلية. ويخشى بعض الديمقراطيين أن يحاول ترامب التوصل إلى اتفاق نووي، بأي ثمن، مع كوريا الشمالية، في سياق بحثه عن إرث لرئاسته[2].

وربما يوسع احتفاظ حزبه بالسيطرة على مجلس الشيوخ مساحة المناورة أمام ترامب في السياسة الخارجية. وستكون بعض التغييرات التي جرت في المناصب القيادية داخل حزبه في مجلس الشيوخ في صالحه. فمنها مثلًا، وفاة رئيس لجنة القوات المسلحة في المجلس، السيناتور جون ماكين، وتقاعد رئيس لجنة العلاقات الخارجية، السيناتور بوب كوركر، وكلاهما كان ناقدًا لكثير من سياساته الخارجية. وعلى الأرجح، فإن من سيتسلم رئاسة هاتين اللجنتين الآن هما عضوان مواليان له، وهما على التوالي، السيناتور جيم إينهوف، والسيناتور جيم ريش[3].

التفاعلات المتوقعة

يضع الديمقراطيون السياسة الخارجية لترامب في دائرة استهدافهم، وذلك رغم إدراكهم محدودية تأثيرهم فيها مقارنةً بالسياسة الداخلية. إلا أن هذا لا يعني انعدام هذا التأثير، فكثير من مبادرات إدارة ترامب الخارجية يحتاج إلى موافقة الكونغرس بمجلسيه، الشيوخ والنواب. ولا يخفي الديمقراطيون امتعاضهم من سياسات ترامب الخارجية وأسلوبه في التعامل مع بعض الحلفاء، مثل كندا والاتحاد الأوروبي، ومع الخصوم، كروسيا وكوريا الشمالية، وانسحابه من اتفاقات دولية، كاتفاقية باريس للمناخ، والاتفاق النووي مع إيران. ومن الأمور التي تتطلب موافقة مجلسَي الكونغرس، الاتفاقيات التجارية الجديدة التي تعكف إدارة ترامب عليها مع عدد من الدول، ككندا والمكسيك وكوريا الجنوبية وبريطانيا، بعد اكتمال انسحابها من الاتحاد الأوروبي. وعلى عكس المعاهدات، التي تتطلب تصديق مجلس الشيوخ عليها فحسب، فإن الاتفاقات التجارية تتطلب تصديق مجلس النواب أيضًا[4]. وثمة مبادرات أخرى أطلقتها إدارة ترامب يستطيع مجلس النواب بأغلبيته الديمقراطية تعطيلها، مثل تطوير الترسانة النووية الأميركية وتحديثها، ويتطلب ذلك تحديد مخصصات لها في الميزانية الأميركية. ينطبق الأمر نفسه على "قوة الفضاء" التي يعتزم ترامب إنشاءها والجدار على الحدود مع المكسيك.

لكن الصعوبات التي ستواجه الديمقراطيين في تقييد سياسة ترامب الخارجية سوف تدفعهم على الأرجح، إلى تفعيل دور مجلس النواب بوصفه هيئة تحقيق، أكثر من كونه هيئة تشريعية في السياسة الخارجية، حيث سيترأس ديمقراطيون لجانًا تجري سلسلة من التحقيقات وجلسات الاستماع، وخصوصًا لجان السياسة الخارجية والقوات المسلحة والاستخبارات. وستكون أبرز القضايا التي سيحقق فيها الديمقراطيون شبهة التواطؤ بين حملة ترامب الانتخابية وروسيا، فضلًا عن أي علاقات تجارية مالية واستثمارية لترامب ومؤسساته بدول أجنبية، كالسعودية. ويأمل الديمقراطيون من خلال تسليط الضوء على السياسة الخارجية لترامب عبر التحقيقات ومذكرات الاستدعاء لمسؤولي الإدارة وجلسات الاستماع، أن يضعفوا موقفه في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستجري عام 2020.

الانعكاسات المتوقعة على السياسة الأميركية في الشرق الأوسط

في سياق التقويم العام، يتوقع أن تصبح إدارة ترامب أكثر انخراطًا في قضايا الشرق الأوسط بعد انتخابات التجديد النصفي، ولكن من دون أن تطرأ تغييرات كبيرة على مقارباتها السابقة. وستكون العلاقة بالسعودية أبرز القضايا محل الخلاف بين الكونغرس، بمجلسيه، وإدارة ترامب. كما ستبرز مسألة الاتفاق النووي الإيراني ومستقبل عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية.

1. العلاقة بالسعودية

تمثل مقاربة إدارة ترامب للعلاقة بالسعودية إحدى أهم نقاط الاحتكاك مع الكونغرس الجديد؛ إذ ينتشر منذ سنوات استياء من السعودية بين المشرعين الأميركيين، وذلك بسبب الحرب في اليمن وسجلّها في مجال حقوق الإنسان والتسبب في أزمة في الخليج بحصار قطر. وزادت جريمة اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول، مطلع تشرين الأول/ أكتوبر 2018، الغضب بين أعضاء الكونغرس، من الحزبين، الذين استفزتهم ردة فعل إدارة ترامب المتهاون تجاه الجريمة، وطالبوا بفرض عقوبات على المملكة ومسؤوليها، بمن فيهم ولي العهد السعودي نفسه، الأمير محمد بن سلمان الذي حمّله بعضهم مسؤولية عملية الاغتيال[5].

ويتوقع أن يسعى مجلس النواب القادم، تحت سيطرة الديمقراطيين، إلى الدفع نحو نهج أشدّ صرامة تجاه السعودية، وإلى عرقلة مبيعات الأسلحة الأميركية لها، أو على الأقل استغلالها لفتح نقاش حول السياسات السعودية، ووقف الدعم الأميركي لحرب المملكة والإمارات في اليمن[6]. ومما يعزز من فرضية زيادة الضغوط على السعودية أنّ شخصيات كبيرة من الحزب الجمهوري في الكونغرس تؤيد التشدد معها، مثل عضوَي مجلس الشيوخ، ليندسي غراهام وماركو روبيو. بل إن ثمة احتمالات قوية أن يلجأ الكونغرس ومن طرف واحد إلى فرض عقوبات محدودة على السعودية، حتى من دون موافقة الإدارة. وكان اثنان وعشرون عضوًا في مجلس الشيوخ، من الحزبين، بعثوا برسالة إلى ترامب تطالبه بإجراء تحقيق حول الدور السعودي في اختفاء خاشقجي، لتحديد ما إذا كان ينبغي فرض عقوبات متعلقة بحقوق الإنسان على المملكة. وطالب هؤلاء الأعضاء بتفعيل بندٍ في قانون ماغنيتسكي للمساءلة العالمية بشأن حقوق الإنسان، يلزمه بتحديد ما إذا كان شخص أو دولة أجنبية مسؤولين عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وطالب موقّعو الرسالة ترامب بأن يشمل التحقيق "أرفع مسؤولين في الحكومة السعودية"[7].

وفي دعوة وزيرَي الخارجية والدفاع الأميركيين، مايك بومبيو وجيم ماتيس، أواخر تشرين الأول/ أكتوبر، لوقف الحرب في اليمن، خلال ثلاثين يومًا، والبدء في محادثات سياسية تحت إشراف الأمم المتحدة[8]، إشارة إلى حجم الضغوط التي ترزح تحتها إدارة ترامب حيال موقفها من السعودية. كما أن إعلان السعودية، في 9 تشرين الثاني/ نوفمبر، أنها طلبت من الولايات المتحدة وقف إعادة تزويد طائرات التحالف الذي تقوده في اليمن بالوقود في الجو، وموافقة الولايات المتحدة على ذلك، قد يكونان مؤشرًا آخر على تحسب المملكة وإدارة ترامب لضغوط أكبر من الكونغرس القادم[9].

وقد تذهب ضغوط الديمقراطيين أبعد من ذلك؛ إذ نقل موقع فوكس VOX الإخباري الأميركي أنّ بعض المشرعين الديمقراطيين يسعون إلى تقديم قانون لمعاقبة السعودية بسبب جريمة اغتيال خاشقجي، وذلك عبر محاولة وقف صفقة نووية وشيكة بين البلدين. ويفرض مشروع "قانون لا أسلحة نووية للسعودية لعام 2018"، قيودًا كثيرة على إدارة ترامب وعلى الرياض في حال قرّرا المضي في إنفاذ الصفقة، ومن المحتمل جدًا أن يجد مشروع القانون هذا، إذا ما قدّم في مجلس النواب، دعمًا في مجلس الشيوخ بين الأغلبية الجمهورية[10]. ولا تقف جهود الديمقراطيين عند هذا الحد، إذ إنّ أعضاء آخرين تعهدوا بالتحقيق فيما إذا كان ترامب يخلط بين مصالحه الشخصية والسياسة التي تتبعها إدارته مع السعودية[11].

2. الاتفاق النووي الإيراني

من غير المتوقع أن يكون في وسع الديمقراطيين فعل شيء يذكر لحماية الاتفاق النووي مع إيران، رغم استيائهم من انسحاب ترامب منه. وهو اتفاق لم يتم التصديق عليه أصلًا في مجلس الشيوخ بوصفه معاهدة، وهو ما مكّن ترامب من إلغائه. وتحدّ خشية الديمقراطيين من الظهور بمظهر ودود لإيران من قدرتهم على التصدي لترامب في هذا الموضوع. وأقصى ما يمكن الديمقراطيين فعله في هذا السياق هو تخفيض نفقات الميزانية الدفاعية، ما ينعكس على التمويل الممنوح لـ "عمليات الطوارئ في الخارج"، والتي تمول التدخل العسكري الأميركي في العراق وسورية، على نحوٍ قد يحد من قدرة إدارة ترامب على احتواء النفوذ الإيراني العسكري في الشرق الأوسط وردعه، لكن حتى هذا الأمر غير محتمل الحصول.

3. مستقبل عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية

يمثل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي إحدى الساحات التي قد يبحث فيها ترامب عن إنجاز في مجال السياسة الخارجية. وإذا اختار الانخراط مباشرة في هذه القضية، فإنه لن يجد ممانعة أو محاولات عرقلة من الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، فكلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، منحاز لإسرائيل. كما أن ترامب لا يبذل جهدًا لإقناع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالعودة إلى طاولة المفاوضات، أو وقف الاستيطان أو تحديده. ولا مجال لإقناع الفلسطينيين بجدوى العودة إلى المفاوضات، ولا يبدو ترامب مهتمًا كثيرًا بعودتهم، فبحسب الثلاثي الذي سلّمه ترامب هذا الملف بقيادة كوشنر، يعتبر التطبيع الجاري بين إسرائيل وبعض الدول العربية، تحديدًا الخليجية منها، أهمّ من المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية. فترامب تحدّث كثيرًا عن صفقة كبيرة للسلام بين الطرفين تعمل عليها إدارته، إلا أنه لم يقدم تفاصيل بشأنها بعد، كما أن خطواته بنقل سفارة بلاده إلى القدس، وعدم الاعتراف بقضية اللاجئين عبر وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وعدم معارضته الاستيطان يفرغها من أي مضمون، حتى لو بادر إلى الكشف عن تفاصيلها خلال الأشهر القادمة.

خاتمة

سيكون لنتائج الانتخابات النصفية، بلا شك، تأثيرٌ في السياسة الخارجية لإدارة ترامب، ولكنه تأثير محدود من حيث قدرته على إحداث انعطافة فيها. في المقابل، سيزيد ترامب تركيزه على السياسة الخارجية في ضوء العرقلة المحتملة لسياساته الداخلية من جانب الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب. لكن، سيسعى الديمقراطيون بقوة إلى إثارة نقاش حول سياسات الإدارة الخارجية، وذلك عبر التحقيقات التي سيجرونها، في محاولة لإضعاف موقفه انتخابيًا وصولًا إلى عام 2020.


 

[1] Patricia Zengerle, “How a Democratic U.S. House could alter foreign policy,” Reuters, November 7, 2018, accessed on 12/11/2018, at: https://reut.rs/2qyOsYa

[2] Uri Friedman, “House Democrats Want to Investigate Trump's Foreign Policy,” The Atlantic, November 9, 2018, accessed on 12/11/2018, at: https://bit.ly/2PpbVtR

[3] Joe Macaron, “Will the midterm elections affect Trump's Middle East strategy?,” Aljazeera, November 6, 2018, accessed on 12/11/2018, at: https://bit.ly/2OtLde7

[4] “Trade or Treaty? Why Does the House Approve Free Trade Agreements?,” Congressional Institute,

December 12, 2011, accessed on 12/11/2018, at: https://bit.ly/2JWBBrO

[5] Grace Segers, “Bipartisan group of senators calls for investigation into Jamal Khashoggi's disappearance,” CBS News, October 10, 2018, accessed on 12/11/2018, at: https://cbsn.ws/2QHX7CS

[6] Joshua Kurlantzick, “How Will the Midterm Elections Affect U.S. Foreign Policy?,” Council on Foreign Relations, November 7, 2018, accessed on 12/11/2018, at: https://on.cfr.org/2QvXpwO

[7]Karoun Demirjian, “Senators call on Trump to impose sanctions in Saudi journalist’s disappearance,” The Washington Post, October 10, 2018, accessed on 12/11/2018, at: https://wapo.st/2S8iChx

[8] Robert Burns and Matthew Lee, “Mattis and Pompeo call for Yemen cease-fire, political talks,” Defense News, October 31, 2018, accessed on 12/11/2018, at: https://bit.ly/2Dz6ged 

[9] Shehab Khan, “US to stop ‘inflight refuelling’ of Saudi-led coalition jets in Yemen,” The Independent, November 9, 2018, accessed on 12/11/2018, at: https://ind.pn/2B0lpTG 

[10]Alex Ward, “Exclusive: House Democrat to introduce new bill punishing Saudi Arabia over Khashoggi,” VOX, November 9, 2018, accessed on 12/11/2018, at: https://bit.ly/2PRBByK

[11] Alex Ward, “Democrats won the House — and Trump’s foreign policy may be in trouble,” VOX, November 7, 2018, accessed on 12/11/2018, at: https://bit.ly/2SUQWNu