علاقات » اميركي

قضية خاشقجي أمام القضاء - هل تحاكم السعودية نفسها؟

في 2018/11/17

DW- عربية-

أثار إعلان النائب العام السعودي أنّ المملكة تسعى لإنزال عقوبة الإعدام بخمسة من المتهمين في قضية اغتيال خاشقجي أسئلة من قبيل: هل تُحاكم المملكة نفسها؟ وهل الخمسة هم فقط الجناة؟ أم أنهم مجرد كبش فداء؟

ضمن ردود الفعل الدولية، طالبت وزارة الخارجية الألمانية السعودية بكشف شامل وشفاف لملابسات مقتل الصحفي جمال خاشقجي، عقب إعلان المملكة تحريك دعوى قضائية ضد أحد عشر متهماً.

وما إن فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على سبعة عشر مسؤولا سعودياً لدورهم في قتل خاشقجي، حتى صدر عن المسؤولين في المملكة رد فعل سريع، فقد بادر وزير الخارجية عادل الجبير إلى الإعلان أنّ ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لا صلة له على الإطلاق بقتل خاشقجي. فيما أعلن النائب العام السعودي أنه سيطالب بتطبيق عقوبة الإعدام على خمسة من المتهمين. كما أعلنت المملكة إعفاء خمسة مسؤولين من مناصبهم، وعلى رأسهم نائب رئيس الاستخبارات العامة أحمد العسيري، والمستشار في الديوان الملكي برتبة وزير سعود القحطاني. ومحمد الرميح مساعد رئيس الاستخبارات العامة، وعبد الله بن خليف الشايع مساعد رئيس الاستخبارات العامة للموارد البشرية، ورشاد المحمادي مدير الإدارة العامة للأمن والحماية برئاسة الاستخبارات العامة.

من هم المتهمون في قضية تتغير معطياتها باستمرار؟

السؤال الأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة هو: من هم تحديدا المتهمون، وإلى أين وكيف تسير الدعاوى القضائية ضد المتهمين؟ فالمتهمون ينتمون إلى الدائرة الكبرى الأقرب للنظام السعودي، ويرجّح أغلب المراقبين أنهم تصرفوا بناء على أوامر صريحة من مسؤولين كبار، قد يكون أكبرهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. ولكن المهتمين بالملف لابد أن يأخذوا المشهد بتفاصيله القانونية.

DW عربية تحدث إلى المحامي السعودي الناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان، طه الحاجي، عن هذه التفاصيل فأجاب مبيناً أن أسماء المتهمين لم تُعلن بشكل واضح لكنّ "الأسماء المتداولة اليوم في دائرة الاتهام هي: سعود القحطاني المستشار في الديوان الملكي، والطبيب الشرعي (صلاح) الطبيقي، وماهر مطرب رئيس فرقة الاغتيالات، ولم تصدر تسريبات عن أسماء الآخرين".

الكشوف المستمرة عن أسماء المتورطين في الجريمة، وعن اعفاء مسؤولين كبار من مناصبهم، تجعل المتابع يتساءل: هل هؤلاء معتقلون فعلاً، أم أنهم رهن الإقامة الجبرية في فندق خمس نجوم، وهل سيُحاكِم السعوديون أنفسَهم؟ عن هذا السؤال أجاب المحامي طه الحاجي بالقول: "القضاء السعودي مسيس بامتياز، ولا يوجد أي عدالة، فالقضاء بعيد عن الاستقلال"، ومضى إلى القول "ليس لدينا ثقة في القضاء السعودي ولا في النيابة العامة، ولا نعلم إن كانوا فعلا محتجزين، أم رهن الإقامة الجبرية؟"

"قد يتم تمديد هذه القضية لفترات طويلة إلى أن يهدأ الرأي العام"

الجانب السعودي يواصل تغيير رواياته منذ أثيرت قضية خاشقجي، وعندما سُئل وزير الخارجية عادل الجبير عن احتمال فرض عقوبات دولية على بلاده بسبب القضية، أجاب: "إن هناك فرقا بين فرض عقوبات على أفراد وتحميل الحكومة السعودية مسؤولية ما حدث".

وحاولت DW عربية معرفة وجهة النظر السعودية عن التهم التي ستوجه للمشتبه بهم، فسألت الدكتور محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى السعودي السابق الذي كان موجوداً في الرياض عما يتداوله الإعلام على ضوء ما كشفت عنه تركيا ووسائل الإعلام الأمريكية فأجاب: "كشف الادعاء العام السعودي البارحة عن كل ما توصل إليه التحقيق في قضية خاشقجي، وهي الصورة الكاملة لما وصل إلى الجهات المعنية بالأمن والقضايا القانونية، وبهذا تحددت الرؤية السعودية كاملة وحددت من يتحمل مسؤولية الجرم، وإحالة الأمر إلى القضاء كي يقول كلمته".

ويبدو أن الضغط الدولي يُجبر السلطات السعودية على مزيد من الشفافية في هذا الملف الشائك، ولكنّ المحامي السعودي الناشط في الدفاع عن حقوق الإنسان طه الحاجي قال "من غير المستبعد أن يتم تمديد هذه القضية لفترات طويلة إلى أن يهدأ الرأي العام وينسى القضية، حتى يتم إيجاد مخرج"، ثم استدرك بالقول "ليس من المستبعد التضحية بهم للحفاظ على سمعة ولي العهد المتورط بلا شك في هذه القضية".

هل يُعتبر المنفذون متهمين فيما تقول القاعدة المعروفة "المأمور معذور"؟

الشفافية التي يطالب بها المجتمع الدولي ستزيد الضغط من أجل معرفة مدى قانونية سير المحاكمات المتوقعة. والسؤال الأهم هل سيوجه الاتهام للمنفذين، وهم قد تلقوا أوامر صريحة من رؤسائهم بقتل خاشقجي؟ وهناك قول متداول معروف في مثل هذه الأحوال مفاده "المأمور معذور"؟ في هذا السياق تحدثت DW عربية إلى الناشط علي الدبيسي، رئيس المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان ومقرها برلين، فقال: "بخصوص الدعاوى القضائية الخاصة بالمعتقلين السياسيين في السعودية، توجد في البلد حزمة من القوانين أولاً، بعضها قوانين محلية، وبعضها معاهدات دولية انضمت لها السعودية وصارت بحكم القانون المحلي، كما شرعنت السعودية لنفسها قوانين جديدة تتجاوز بها المعايير الدولية".

"السعودية تعتبر أن من ينتقد الملك أو ولي العهد يرتكب جريمة إرهابية"

وهذا النوع من التشريعات المطاطة، يفتح للسلطة التنفيذية مساحة واسعة تمكّنها من المناورة بشأن الأحكام والمرافعات ذات الطابع السياسي، وهكذا قد تستمر التأجيلات لسنوات طويلة، حتى يطوي النسيان القضية، وبهذا السياق قال الدبيسي "قانون مكافحة الإرهاب بنسخة 2014 ونسخة 2017، يأتي على معظم القوانين الدولية والسعودية، فهو يهدر حقوق المعتقلين، يضعهم في ظروف غير محسومة قانونياً، على سبيل المثال في مراحل التحقيق أو المحاكمة" ومضى إلى القول "السعودية تعتبر أن من ينتقد الملك أو ولي العهد يرتكب جريمة إرهابية، وهذا يعني أن القوانين لا قيمة لها في السعودية".

من جانبه، تحدث الدكتور محمد آل زلفة، عضو مجلس الشورى السعودي السابق، عن المسار القانوني للاتهامات مؤكداً "إذا وصلت القضية إلى القضاء، فالنظام القضائي واضح، ونظام الاجراءات الجزائية السعودية واضحة، كل الأمور تتم على أسس واضحة، ليس فيها لبس لأي أنسان"، فيما نفى المحامي طه الحاجي من جانبه وجود قضاء بالمجمل "لا توجد قضية يسمح فيها للمتهمين بتوكيل محامٍ أثناء فترة التحقيق، ولكن يسمح لهم بتوكيل محام لاحقا، عندما تُنظر القضية أمام المحكمة. لدينا كثير من القضايا، يحتجز فيها المتهمون لسنوات دون وجود محامين وإذا أحيلت القضية بعد أن تنتزع الحكومة الاعترافات بالقسر من المتهم، يسمح لهم بتوكيل محام لتجميل صورة القضاء". وبيّن الحاجي أن القضاة في هذه الحالة "يعتمدون اعتراف المتهم، استنادا إلى القاعدة القضائية "الاعتراف سيد الأدلة" وبهذا يصبح ما يقوله المحامي بدون أي فائدة والأثر وشكلياً".

وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي اليوم صوراً قيل إنّ تركيا سربتها لمراحل تقطيع جثة خاشقجي ووضعها في صناديق كارتون. وهو ما قد يفسر بأنه رد فعل تركي على المزاعم السعودية بأنّ جثة خاشقجي قد سلمت إلى متعهد تركي، وقد أشار الناشط الحقوقي الدبيسي في هذا السياق إلى مستوى استجابة المملكة للضغوط الدولية فقال "رد الفعل السعودي إزاء الضغوط الدولية يظهر أحيانا في التجاهل، وأحياناً في المزيد من الكذب والتضليل، وأحيانا يظهر بالمزيد من التنكيل بالضحايا".