علاقات » اميركي

ترامب يتيح لقادة السعودية الإفلات من العقاب

في 2018/11/22

ميشائيل كنيكه- DW- عربية-

تمثل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تبييض مسؤولية القيادة السعودية عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي هجوماً رديئاً على حقوق الإنسان، وهو أمر يجب أن يكون له عواقب، كما يرى مراسل DW في واشنطن ميشائيل كنيكه.

يمكن القول أن البيان المربك وغير المكتمل الصادر عن البيت الأبيض بشأن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي - والذي بدا وكأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد أملاه بنفسه- ذهب إلى شيء من هذا القبيل: ربما كان ولي العهد السعودي قد أصدر الأمر بارتكاب جريمة قتل وحشية داخل قنصلية بلاده في اسطنبول، لكن خمن بأنني لا استطيع أن أكون أقل اهتماما بحيث أسمح بأن تمثل جريمة قتل متعمدة لصحفي مقيم في الولايات المتحدة حجر عثرة في طريق جني المال من السعوديين واستمرار ملاحقة إيران.

لو كان أي شخص آخر من أصدر هذا البيان لكان سيُطرح عليه السؤالين التاليين:

·       أليس لديك محرر من أجل البيان؟

·       أليس لديك أي أخلاق؟

بالنسبة لشخص كالرئيس ترامب، فإن كلا السؤالين لا يمثل أهمية. وهو على ما يبدو غير مهتم بالتفاصيل اللازمة لتقديم حجة سعودية متماسكة بشأن القضية. ويبدو أنه لا يستطيع حتى أن يهتم بالأسئلة الأساسية حول ما هو جيد وما هو سيئ.

رئيس "المعاملات المالية"

لكن كون المرء جاهل أو ليس لديه الرغبة ليعلم، أو كلا الأمرين، ليتمكن من التمييز بين الخير والشر، فإن ذلك لا يعفيه من عدم فعل ذلك، ناهيك عن أن يكون هذا الشخص هو زعيم أقوى دولة في العالم والذي من المفترض أن يتصرف وفق ما يُتعارف عليه في الولايات المتحدة "بالقيادة ذات الأخلاقيات"، والتي درج الرؤساء الأمريكيون على الاعتزاز بها، حتى ولو كانت أفعالهم لا ترقي إليها.

لكن ترامب مختلف. فهو حتى لا يتظاهر بأنه قائد أخلاقي. وكما أوضح رئيس "المعاملات المالية" هذا، أو الرئيس ترامب  بجلاء، فإن قضيتي المال السعودي وموقفه المناهض بشدة لإيران يفوقان أهمية مقتل كاتب في صحيفة واشنطن بوست، وهي الصحيفة التي يحتقرها ترامب نفسه. هذا السلوك ليس مفاجئًا بالطبع، ولكنه مجرد برهان آخر على طبيعة الشخص الذي تم انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة قبل عامين.

الفرار من عقاب جريمة قتل

ومع ذلك، يُصنف البيان الوضيع الذي صدر يوم الثلاثاء 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018 كواحد من أسوأ الأمور في رئاسة ترامب التي تعج بالخطابات والتصرفات المحرجة والعدائية والخطيرة، لسبب بسيط وهو أنه سمح لقادة السعودية بالفرار من عواقب ارتكاب جريمة قتل.

فوفق كل الحسابات، يُعد إغواء جمال خاشقجي لدخول القنصلية السعودية في اسطنبول، حيث قتل بوحشية على أيدي فريق سعودي، عملاً شديد الوقاحة والتهور لدرجة أنه لا يمكن التخطيط له ووضعه قيد التنفيذ إلا بعد أن تم عرضه على القيادة العليا في السعودية، خاصة على ولي العهد.

إن تجاهل ترامب لاستنتاجات أجهزة استخباراته الخاصة بل والأجهزة الأمنية في دول أخرى، ورفضه توقيع أي عقوبات تتناسب وهذا الفعل المشين، يعني غض الطرف عن الأفعال الهمجية والشريرة التي ارتكبها سعوديون.

الأسوأ من ذلك هو أن قيام ترامب بمحاولة محو عار هؤلاء والتغطية عليه، يعني مساعدة وتحريض طغاة آخرين حول العالم على ارتكاب أفعال مماثلة. وبفضل الرئيس ترامب فقد تحول يوم الثلاثاء المذكور إلى يوم مظلم لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

أولوية جديدة للكونغرس الجديد

إن ما حصل لا يمكن تحمّله. ومثلما حدث حين تردد ترامب في فرض عقوبات على روسيا وتدخل الكونغرس، فإن من الواجب عليه التدخل الآن. وإذا كان الكونغرس كبطة عرجاء يبذل العديد من أعضائه الجمهوريين الجهد لعدم الإساءة إلى ترامب، لن يقوم بعمل فعال ويفرض عقوبات ذات معنى ضد المملكة العربية السعودية، فمن الواجب على مجلس النواب ذو الأغلبية الديمقراطية الدفع في هذا الاتجاه.

وإذا لم يكن التحقيق في سلوك إدارة ترامب تجاه الرياض ومعاقبة المملكة العربية السعودية على رأس جدول أعمال مجلس النواب الجديد في العام المقبل، فقد أصبح هذا الأمر واجباً الآن.