علاقات » اميركي

على أمريكا ألا تمكن بن سلمان من امتلاك مشروع نووي

في 2018/11/29

بول بيلار - ناشيونال إنترست- ترجمة شادي خليفة -

تتعهد إدارة "ترامب" بالشفافية في المفاوضات النووية مع السعودية. ويصر النظام السعودي على إنتاج وقوده النووي الخاص به، وهو ما قد يختلف عن الشروط التي تفاوضت عليها الولايات المتحدة مع بعض الدول الأخرى، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، التي طلبت المساعدة الأمريكية في تطوير برامجها النووية. ولقد رفض السعوديون إجراء عمليات تفتيش دولية شاملة للكشف عن أي عمل يتعلق بالأسلحة النووية. وهدد ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" صراحة بتطوير أسلحة نووية، ردا على أي تطور مماثل من قبل إيران.

وهناك نموذج مفيد للتعامل مع هذا الموقف يتضمن إيران. والنموذج هو خطة العمل المشتركة الشاملة، وهو الاتفاق متعدد الأطراف المعروف باسم الاتفاق النووي الإيراني، والذي انتقده "دونالد ترامب" ونقضته إدارته بفرض عقوبات اقتصادية جديدة، على الرغم من استمرار امتثال إيران لخطة العمل المشتركة. وأغلق الاتفاق جميع المسارات الممكنة لتطوير سلاح نووي إيراني، عبر فرض قيود صارمة على تخصيب اليورانيوم، وإطفاء المفاعلات التي يمكن استخدامها لإنتاج البلوتونيوم، ومنع أي إعادة معالجة من جانب إيران للوقود النووي. كما أقام الاتفاق نظام تفتيش شامل لا يقتصر على المراقبة الروتينية للمنشآت النووية فحسب، بل يشمل أيضا قدرة المفتشين الدوليين على تفتيش أي مواقع أخرى قد يكون لديهم سبب للاشتباه في أنها تحتوي نشاطا نوويا، مع وجود أطراف أخرى في الاتفاقية قادرة على ردع إيران في حالة عدم الامتثال. وهذا هو نوع ترتيبات التفتيش المتطرفة التي يقال إن السعوديين يرفضون تطبيقها على أنفسهم.

وكان المفاوض الرئيسي للولايات المتحدة هو وزير الطاقة "ريك بيري"، الذي يعتبر لا زال في تجربة تعلم في هذا المنصب. ولم يكن "بيري" في البداية على علم بالمسؤوليات النووية لوزارة الطاقة، واعتقد أن وظيفته تتضمن فقط تعزيز صناعة النفط. ويتناقض هذا مع سلف "بيري"، "إرنست مونيز"، وهو فيزيائي نووي لعب دورا رئيسيا في التفاوض على خطة العمل المشتركة الشاملة المفصلة للغاية.

وعلى الرغم من أنه تم الإعلان عن القليل من تفاصيل المفاوضات، إلا أن تقارير صحفية كشفت أن "بيري" تناقش مع السعوديين حول اتفاق محتمل يضع مهلة زمنية تتراوح بين 10 إلى 15 عاما حول أي قيود على إنتاج الوقود السعودي. ومن المفارقات، أن هذا هو الإطار الزمني نفسه لـ "بنود الغروب" التي تنطبق على بعض (وليس كل) الأحكام الواردة في خطة العمل المشتركة الشاملة بشأن تخصيب اليورانيوم، والتي كانت موضع تركيز الهجوم من قبل معارضي الخطة.

وكان النظام السعودي لعدة أعوام يبدي رغبة في "الحصول على ما تحصل عليه إيران"، كما لو أن خطة العمل المشتركة الشاملة بين إيران والغرب كانت تسمح لطهران بالحصول على شيء النووي وليست رفضا لبرنامجها النووي وتقييدا له. وينبغي أن يكون الرد الأمريكي المعقول على هذه المطالب السعودية القول: "حسنا، يمكننا التوصل إلى اتفاق بالشروط التي تتطابق مع ما ورد في خطة العمل المشتركة الشاملة". ويعني هذا، إلى جانب القيود الصارمة على كمية ومستوى تخصيب اليورانيوم، حظر إعادة المعالجة المحلية لوقود المفاعل المستهلك. لذلك على الرياض أن تتخلى عن أحلامها في استخدام المفاعلات لصنع وقودها النووي الخاص بها. ويشمل هذا النوع من الترتيبات التفتيش بعيد المدى الذي تخضع له إيران، بما في ذلك عمليات التفتيش والتدقيق في منشآت غير معلن عنها. ولا يضمن هذا الترتيب أي مساعدة من الولايات المتحدة في مبيعات المفاعلات أو غيرها من المساعدات اللازمة تلطوير برنامج نووي. ولن تحصل المملكة على أي شيء نووي من الولايات المتحدة، لأنه في ظل خطة العمل المشتركة الشاملة لم تحصل إيران على أي شيء نووي من الولايات المتحدة.

وقد يضيف المرء أنه، لتتماشى مع تجربة إيران، ستخضع السعودية لعقوبات اقتصادية، حتى وإن وافقت على جميع هذه الشروط. لكن هذا مجرد إشارة إلى أحد أكثر سياسات الإدارة تجاه المنطقة نفاقا تجاه المنطقة.

وعلى الرغم من أن إيران في ظل الشاه قد حصلت على بداية قوية مقارنة بجيرانها العرب عبر الخليج في تطوير برنامج نووي، إلا أن السعودية أبدت منذ فترة طويلة على الأقل قدرا كبيرا من القلق المشروع بشأن انتشار الأسلحة النووية. وقد ساهمت علاقات الرياض الأمنية مع باكستان، التي أنتج برنامجها النووي "القنبلة السنية" الأولى، وهو برنامج موله السعوديون، في منح الرياض ميزة قيمة لا شك أنها ستستفيد منها إذا قررت المضي في نفس الطريق.

وفي خضم كل الحديث بين معارضي خطة العمل المشتركة حول الصواريخ الباليستية، تجدر الإشارة إلى أن السعودية كانت متقدمة على جيرانها الإقليميين في هذا الصدد أيضا. وقبل عقدين من الزمن، اشترت السعودية سرا صواريخ متوسطة المدى من الصين. وعلى الرغم من أنها تم تعديلها على ما يبدو لحمل أسلحة تقليدية، إلا أنها كانت من النوع المصمم أصلا لإيصال رأس حربي نووي. ولقد قام السعوديون في الأعوام الأخيرة بتحديث قوتهم الصاروخية، واعتمدوا مرة أخرى على الصين كمورد.

وتعد المملكة مصدر قلق أخطر من معظم الدول فيما يتعلق بتداعيات حصولها على الأسلحة النووية. فلقد قصفت السعودية اليمن لتحولها إلي كارثة إنسانية، واختطفت رئيس وزراء لبنان وحاولت إكراهه على الاستقالة، واستخدمت منشآت دبلوماسية في دول أجنبية لاغتيال معارضين سلميين. ويتجه الأمير الشاب المتهور الذي يقف وراء هذه السياسات نحو حكم الرجل الأوحد، متجاهلا حتى قيود الحكم الجماعي التاريخي داخل الأسرة المالكة.

وأثار مقتل "جمال خاشقجي" بعض الضوء حول هذا النمط من السلوك، على الرغم من أنه لم يمنع "دونالد ترامب" من مواصلة التمسك بـ"بن سلمان" بغض النظر عما يفعله. ولقد لاحظ النائب "براد شيرمان" كحقا أنه "لا يمكن الوثوق بأية دولة تستخدم منشارا عظميا ضد معارضيها ألا تنتج وتستخدم الأسلحة النووية".

ويعد خروج واشنطن من الاتفاق النووي وليس الاتفاق نفسه هو السبب المنطقي الذي قد يدفع المملكة للحصول على الأسلحة النووية. وإذا نجحت حملة "الضغط القصوى" الأمريكية في تقويض الامتيازات الاقتصادية لخطة العمل المشتركة الشاملة، فقد لا يجد القادة الإيرانيون أي مفر من إعلان بطلان وانتهاء الاتفاق. ومن شأن هذا أن يحرر إيران من جميع قيودها النووية بموجب الاتفاقية، والتي قد توفر بدورها المنطق المثالي للرياض -ما دام "بن سلمان" هو المسؤول- للحصول على القنبلة النووية المنشودة.