علاقات » اميركي

ليس هناك سبب يحول دون تحقيق الكونغرس الأمريكي والرئيس ترامب أهدافهما الخاصة بالسعودية

في 2018/12/03

دينيس روس- وشنطن بوست-

تجسّد السياسات - وليس فقط السياسة - حالة انقسام حادة اليوم. فيصبح كل خيار مزدوجاً من دون وجود أي حل وسطي.   

رداً على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، يتعين على الولايات المتحدة إما معاقبة السعودية ومحاولة إرغام ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على التخلي عن السلطة، أو ببساطة نسيان الأمر لأن مصالح واشنطن في المملكة كبيرة للغاية. وقد اختار الرئيس ترامب المسار الأخير، متغاضياً عن القيم الأمريكية من خلال الإعلان أن مصالح الولايات المتحدة في السعودية أكثر أهميةً مما إذا كان ولي العهد قد أعطى الأمر باغتيال أحد الصحفيين. 

للأسف، إن أي رئيس أمريكي منذ فرانكلين ديلانو روزفلت لم يجعل القيم جزءاً أساسياً من مقاربة واشنطن إزاء المملكة. بل على العكس، كل واحد منهم - على غرار ترامب - فضّل المصالح الأمريكية المحددة على نحو ضيّق. وصحيح أنهم كانوا أقل فظاظة من الرئيس الحالي، لكن النفط والأمن كانا يشكّلان علامات مميزة في سياسة واشنطن، وقد غضت الولايات المتحدة الطرف عن سياسة السعودية المحلية وتمويل المدارس الدينية المتطرفة على المستوى الدولي.     

ويأمل الكثيرون في الكونغرس الأمريكي الاستفادة من مقتل خاشقجي للتشدد في مقاربة واشنطن إزاء السعودية. لكن نظراً إلى اعتقاد ترامب بأن السعوديين مهمون للغاية بالنسبة إلى أسعار النفط والوظائف الأمريكية، ستكون مهمتهم عسيرة. مع ذلك، سيحاولون فرض عقوبات إضافية على المملكة، ربما حتى من خلال استخدام قانون ماغنيتسكي لمحاولة فرض عقوبات على ولي العهد شخصياً.  

وبدلاً من إحداث أزمة، على الكونغرس أن يسأل ما الذي يتوجب على الولايات المتحدة السعي إلى تحقيقه. وثمة هدفان أساسيان: أولاً، توجيه رسالة مفادها أنه تماماً كإقدام روسيا على تسميم عميل سابق في بريطانيا، فإن إقدام السعودية على قتل صحفي منشق هو أمر غير مقبول؛ فالمعايير العالمية مهمة، وعند انتهاكها يجب أن يدفع الفريق المخالف الثمن.   

ثانياً، التأثير على سلوك ولي العهد في المستقبل. يجب ألا يتمثل الهدف بالعقاب لإثبات وجهة نظر فحسب ولكن أيضاً الاقتصاص من القيادة السعودية وحثها على اعتماد سياسات مدروسة بشكل أكبر، لا سيما نظراً إلى احتمال بقاء ولي العهد في السلطة لسنوات كثيرة بعد.    

ويتطلب كل هدف من الرئيس ترامب والكونغرس التوصل إلى مقاربة مشتركة، وقد لا يكون ذلك بعيد المنال كثيراً. إن فرض عقوبات على ولي العهد لن يجمع الأصوات الضرورية لإبطال فيتو رئاسي، لكن تعليق بيع بعض الأسلحة إلى السعوديين سيسفر عن أغلبية ساحقة من الحزبين. ولن يرغب ترامب في أن يتمّ تخطّيه. فضلاً عن ذلك، يمكنه أن يبرّر أنه درأ بعض الإجراءات الصارمة وتمكن في الوقت نفسه من منح السعوديين أنظمةً مضادة للصواريخ وغيرها من الأنظمة الدفاعية. ويمكن فرض عقوبة منطقية أيضاً نظراً إلى الأثر المروع للقصف السعودي في اليمن.     

ومن شأن فرض عقوبات ضمن حدود معينة أن يساهم أيضاً في تحقيق الهدف الثاني، ألا وهو حث السعودية على اعتماد سياسات أقل اندفاعاً وتهوراً. فالمساومة القديمة المتمثلة بأنهم "يحافظون على سوق نفط متوازن فيما تعتني واشنطن بأمنهم" عكست واقع أن السعوديين كانوا بحاجة إلى الولايات المتحدة كجهة ضامنة في وجه التهديدات الخارجية وما زالوا، وهذا ما يمنح واشنطن القوة.

كذلك تفيد التقارير أن ترامب غير راضٍ عن الوضع الذي وجد نفسه فيه بسبب مقتل خاشقجي وما وصفه بأنه "عملية التستر الأسوأ في التاريخ". لقد حان الوقت للذهاب إلى الملك وولي العهد وطلب "عدم القيام بأي مفاجآت أخرى". ولا يجب أن يكون السفير الذي اختاره ترامب وهو الجنرال المتقاعد جون أبي زيد وحده قادراً على النفاذ إلى الملك وولي العهد عند الضرورة، إنما تريد واشنطن أيضاً إقامة قناة للمحادثات رفيعة المستوى والمنتظمة بشأن السياسة - يجب أن يعقد وزيرا الخارجية والدفاع الأمريكيين اجتماعات كل ثلاثة أشهر مع ولي العهد ووزير الخارجية السعودي وأعضاء في الديوان الملكي لمناقشة القضايا والمخاوف.

وفيما عدا ذلك، حان الوقت لتصحيح السياسات المضللة التي تصعّب التصدي لسياسات إيران العدائية في المنطقة. لذا يجدر بالرئيس الأمريكي أن يقول إن الولايات المتحدة ستقدم اقتراحاً لحل الوضع المعقد بين السعودية وقطر وأنها تتوقع من السعوديين القبول به. وعلى نحو مماثل، في ما يخص اليمن، لا تكفي الدعوة إلى وقف إطلاق النار مشروط بوقف الحوثيين إطلاق النار أولاً؛ فعلى السعوديين أن يعلنوا من جانب واحد وقفاً لإطلاق النار لأسبوعين وأن يقولوا إنه قابل للتمديد إلى أجل غير مسمى إذا ما التزم الحوثيون به. بهذه الطريقة يمكن التخفيف من وطأة الأزمة الإنسانية، وقد تكون هناك فرصة أمام العملية السياسية. وإذا لم يتعاون الحوثيون، تقع حينها المسؤولية شرعاً عليهم وعلى داعميهم الإيرانيين.

وجاء مقتل خاشقجي والروايات السعودية المتغيرة كنعمة بالنسبة إلى الإيرانيين (وتركيا)، مما حوّل الانتباه عن أفعالهم الشريرة ووضع السعودية في موقف دفاعي. وإذا أرادت المملكة تغيير هذا الواقع، يتعين على ولي العهد تغيير سياسته إزاء المنشقين، وقبول المسؤولية وتغيير السياسة والأشخاص من حوله على السواء. كما عليه أن يُظهر مجدداً التزامه بالإصلاح وبالتحول الاجتماعي.

ولتحقيق هذه الغاية، على الإدارة الأمريكية الحث على اتخاذ عدة خطوات ومنها: إطلاق سراح الناشطات السجينات، ووضع حدّ لقوانين الوصاية على النساء، وتغيير الكتب المدرسية السعودية التي تواصل، كما تظهر دراسة حديثة لـ"رابطة مكافحة التشهير"، تشويه صورة اليهود والمسيحيين. ويصعب أخذ ادعاء ولي العهد بأنه يصنع مجتمعاً يقوم على المعرفة على محمل الجد في وقت لا تزال فيه الكتب المدرسية تعلّم شعارات خطيرة.

ولن ينفي أي من هذه التدابير مسؤولية السعودية عن مقتل خاشقجي، لكن هذه الإجراءات مجتمعة من شأنها أن تفرض عواقب على مقتله ومن المرجح أن تغيّر سياسات السعودية التي تدعو إلى الاعتراض - وهما هدفان يستحقان العناء.