علاقات » اميركي

ابن سلمان يرمّم السعودية على أنغام أم كلثوم

في 2019/01/14

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

تتحضر السعودية لتحطّم الأرقام القياسية بوتيرة لا سابق لها، ليس في المملكة فحسب بل في كل العالم قديماً ومستقبلاً، فهي دخلت في سباق عالم الترفيه من بابه الواسع، وأصبحت تفرد له موازنات خاصة وبرامج شهرية وفصلية وسنوية تتلاءم مع الفصول والمناسبات، ويبدو أن الأمور تتجه إلى توسيع أكبر لهذه المروحة مع دعوة رئيس الهيئة السعودية العامة للترفيه تركي آل الشيخ المصارف المحلية والأجنبية والمستثمرين المحليين والأجانب لتقديم خطط تمويل مشاريع جديدة تهدف إلى تشجيع أنشطة الترفيه، وفق روزنامة فعاليات متنوّعة تنسجم مع الوجه الجديد للمملكة، وتنساق مع رؤية 2030 التي يراهن ولي العهد محمد بن سلمان أن تضع السعودية في مكان متميّز في سلّم الدول المتطوّرة، وتجعلها قبلة السوّاح العرب والأجانب.

تغييرات بالجملة

أتى هذا الزخم مع تنظيم المملكة مجموعة من الفعاليات الرياضية والفنية، ومن أبرزها إجراء سباقات الـ "فورمولا إي" ومباريات ملاكمة عالمية، وتنظيم مباريات كرة قدم لفرق أوروبية مشهورة وصولاً إلى احتفالات "العلا" في إطار مهرجان "طنطورة" الشتوي، وتستمر على مدى سبعة أسابيع، تنتهي في 9 فبراير / شباط من العام الجاري، وتوّجت هذه الاحتفالات بحفلة غنائية هي الأولى من نوعها في السعودية، واستضافت مجموعة من الفنانيين العرب والأجانب الذين قدّموا الأغاني والوصلات الموسيقية، واستعادت حضور أم كلثوم في عمل فني ضوئي مبهر. وانعقدت الآمال في تحويل المدن السعودية الكبيرة إلى ملتقىً فني عالمي يعطي صورة جديدة عن السعودية، وينزع عنها قناع التشدّد والتعصّب والإنغلاق الديني، ممّا ينعكس طردياً على تلميع صورة العهد الجديد للحكم في السعودية، ولا سيما مع التعديل الحكومي الأخير الذي أطاح بالوجوه السوداء ليحلّ مكانها وجوه تتّسم بالاعتدال والمرونة.

إسرائيل قطب الرحى

يتعمّد المسؤولون في السعودية من وقت لآخر إطلاق تصريحات تطمئن المجتمع الدولي على أن الاستقرار الاقتصادي في البلاد ثابت، لا سيما مع وجود الكم الهائل من الاحتياطيات النفطية، وبالتالي فإن ما يجري إنفاقه على صفقات التسليح من جهة، وعلى المشاريع الاستثمارية التجارية من جهة ثانية لن يتأثر، بل سيؤدي إلى حالة نمو في المستقبل، ولذلك تمضي الرياض في آليات موازية تقضي بتطوير القطاعات الرياضية والفنية بمختلف الأوجه والمجالات، وهو ما يستلزم انفتاحاً على أكثر من صعيد على المستويين الداخلي والخارجي، ولا تضع هذ الآليات أي محذور أو محظور أمام أي جهة لمساعدة السعودية على تحقيق أهدافها، وهي أهداف لا تنفصل بنتيجتها عن المنحى السياسي التي تنتهجه المملكة في البعدين العربي والعالمي، مع ما يتطلّب ذلك من تماهٍ وتعايش مع المشروع الأمريكي لإنشاء شرق أوسط جديد الذي تسوّق له واشنطن، مع ما يقتضي هذا المشروع من عقد اتفاقات ومعاهدات تشكّل إسرائيل فيها قطب الرحى.

هل يتغرب الشعب؟

هذا التغيير الجذري في تفاصيل الصورة الخارجية للسعودية رسم علامات استفهام لدى المراقبين الغربيين الذين لا يزالون ينظرون بعين الريبة إلى ما يجري، فهم على الرغم من استحسانهم للاتجاه السعودي في الإنضمام إلى بوتقة الثقافة الغربية، إلا أنهم يتساءلون عن مدى الجديّة الفعلية أو القدرة الواقعية على أن يكون لهذا التغيير ترجمة مقابلة على مستوى الهوية الأساسية للمملكة، وهل أن الصخب الذي يعمّ كل نواحي المدن السعودية يهدف إلى إدخال الشعب السعودي المؤطر أيديولوجياً وفق التعاليم الوهابية؟! أم أنه لا يعدو كونه محالة لتلميع صورة السعودية، وابن سلمان على وجه الخصوص، بعد سلسلة التهشيمات التي ضربت هذه الصورة خلال السنتين الأخيرتين؟! وهل أن الإيغال في إنفاق الأموال السعودية قد يعطي ثماره في المدى المنظور في استعادة الرياض مكانها على مسرح المعادلات العربية والإقليمية والدولية؟!

السعودية عدو وليس حليفاً

تقول الـ"اندبندنت" في مقال لها إن السعودية "تستطيع في أي مرحلة أن توقف حنفية النفط بشكل ترسل الإقتصاد العالمي في هبوط لولبي، ولكن النفط، بالطبع سينضب يوما ما، ومن أجل فطم اقتصادها عنه، على السعودية التنويع، وعليه فهي بحاجة للاستثمارات الخارجية، وحتى تحصل عليها فهي بحاجة لأن يحبها الناس.."، ولعلّ الرياض اتخذت الرياضة والفن والترفيه وسيلة لكي يحبّها الناس، ولكن أي أناس تبحث السعودية عنهم كي يحبّونها؟! خصوصاً أن "الصراع في اليمن وحصار قطر، فضلاً عن تنامي وتيرة الهجمات الإرهابية في أوروبا، رفع من التكلفة السياسية للأعمال التجارية السعودية مع الدول الغربية، ومن الواضح أن ثقة شعوب مختلف القوى الغربية في المملكة تكاد تكون منعدمة"، وفق تقرير نشرته صحيفة "كونفيدينسيال" الإسبانية، التي أفادت وفق استطلاع حديث للرأي أجرته مؤسسة "غالوب"، أن "نسبة الأمريكيين الذين يتبنّون نظرة سلبية تجاه السعودية ارتفعت من 55 إلى 65 بالمئة في غضون سنة واحدة؛ وفي فرنسا وألمانيا بلغت نسبة التأييد للمملكة 25 بالمئة، في حين يعتبر 39 بالمئة من البريطانيين السعودية بمثابة عدو وليس حليفاً للدولة".

الوقت يلعب ضد ابن سلمان

من الطبيعي وأمام هذه الأرقام السلبية، وبعدما فشلت في تجيير وسائل الإعلام الغربية لتبييض صورتها، أن تعمد السعودية إلى تجييش حركة إعلامية عالمية تركّز على جذب الناس إليها، ولذا تعتزم الرياض إنشاء مراكز متخصّصة في العلاقات العامة، في كل من لندن وباريس وبرلين وموسكو كمرحلة أولى، ومن ثم تلحقها بمراكز مماثلة في كل من مومباي وبكين وطوكيو، وكل ذلك من أجل استرجاع الصورة السابقة للسعودية التي تشوّهت بسبب الأداء الأرعن والانفعالي في الكثير من الملفات الداخلية والخارجية، وأيضاً من أجل تقديم صورة إيجابية مغايرة لولي العهد محمد بن سلمان سعياً لاستعادة مكانته ودعم نفوذه في إدارة الحكم في المملكة، ولكن هذا الأمر قد يأخذ البلاد إلى ازدواجية في الأداء، فإن مجالات الترفيه والرياضة والفن قد تنفع في عملية الإبهار البصري أمام أعين الخارج، ولكنها لا تنفع في تثبيت الاستقرار الداخلي الذي يتطّب إصلاحات مالية وإدارية واقتصادية واجتماعية تحتاج إلى الكثير من الوقت لتطبيقه داخل حدود المملكة، والوقت بالتأكيد لا يلعب لمصلحة ابن سلمان.