علاقات » اميركي

هل يدفع الانسحاب الأمريكي من سوريا للتقارب بين روسيا والخليج؟

في 2019/01/21

مارك كاتز - لوب لوج- ترجمة شادي خليفة-

في هذه المرحلة، ليس من الواضح متى ستفعّل إدارة "دونالد ترامب" قرار انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، الذي أعلنه الرئيس الأمريكي في وقت سابق.

وتم تنقيح بيان "ترامب" الأولي، الذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة ستنسحب في غضون شهر بعد هزيمة تنظيم "الدولة الإسلامية" ليتحول الأمر إلى الحديث حول انسحاب تدريجي قد يستغرق 4 أشهر.

وعدل مستشار الأمن القومي "جون بولتون" الخطة مرة أخرى، بعدما جعل الانسحاب متوقفا على الهزيمة الفعلية لتنظيم الدولة. وفي الآونة الأخيرة، يبدو أن الانسحاب قد بدأ بالفعل. ولن يكون من المستغرب، على الرغم من ذلك، إذا كان هناك المزيد من التعديلات على سياسة "ترامب" في سوريا.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت القوات الأمريكية قد غادرت فعليا أو بقيت أو تم إعادتها إلى سوريا بعد رحيلها.

لكن أيا كانت الكيفية التي سينتهى بها الأمر، يبدو أن روسيا استفادت على وجه الخصوص من عدم اليقين الذي خلقه "ترامب".

وخوفا من أن يؤدي انسحاب الولايات المتحدة إلى تدخل تركي ضدهم، رد الأكراد السوريون بالسعي إلى تحالف مع نظام "الأسد"، وهو أمر لطالما طالبتهم به موسكو.

وعلى الرغم من أن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" رحب بشدة بإعلان "ترامب" الأولي بأن الولايات المتحدة ستنسحب سريعا من سوريا، إلا أنه عاد ليعلن غضبه من مستشار الأمن القومي "جون بولتون"، لقوله إن ذلك يتوقف على ضمانات الحماية لشركاء الولايات المتحدة، الأكراد السوريين، وهو ما يخدم مصالح موسكو على المدى الطويل حيث تستفيد من تدهور العلاقات التركية الأمريكية.

كما تشعر روسيا بالسعادة مع تزامن انسحاب "ترامب" من سوريا مع الاتجاه السائد بين دول الخليج للتعامل مع نظام "الأسد".

وأعادت الإمارات والبحرين فتح سفاراتها في دمشق، وأعلنت الكويت أنها ستفعل ذلك حالما يتم إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ولم تكن عمان قد أغلقت سفارتها في سوريا.

أما المملكة العربية السعودية، فإنها لم تفعل ذلك بعد، لكن تفيد التقارير أنها تفكر، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة ومصر، وربما حتى (إسرائيل)، في العمل مع نظام "الأسد" كطريقة للحد من النفوذ التركي.

وترحب موسكو بالطبع بأي اعتراف خليجي عربي بنظام "الأسد"، وتأمل أن يؤدي هذا إلى تقديم دعمها المالي لإعادة إعمار سوريا.

وتبقى السعودية والإمارات مختلفتين تجاه الوجود الإيراني في سوريا. وكانت الآمال السابقة للرياض، بأن الإطاحة بنظام "الأسد" من قبل خصومه من العرب السنة ودفع إيران إلى الخروج تماما من سوريا، كانت قد تلاشت عندما أدى التدخل الروسي، الذي بدأ في سبتمبر/أيلول 2015، إلى ضمان بقاء "الأسد".

ويهدف الوجود العسكري الأمريكي في سوريا إلى محاربة السلوك الإيراني في سوريا بنسبة ما، ولكن بمجرد حدوث انسحاب أمريكي، ستزول هذه الإمكانية.

وبالطبع، يمكن الاعتماد على (إسرائيل) لضرب القوات الإيرانية وحلفائها في سوريا كلما شعرت بالتهديد من جانبهم. وهناك أيضا بعض التعاون الخليجي، بالإضافة إلى تعاون دول عربية أخرى، مع (إسرائيل) ضد العدو الإيراني المشترك.

لكن معظم الحكومات العربية الخليجية، وحتى (إسرائيل)، تشهد أيضا تحسنا في العلاقات مع روسيا، فضلا عن استعدادها لقبول التعامل مع نظام "الأسد"، كطريقة لحث موسكو على كبح جماح إيران في سوريا.

ومن المؤكد أن موسكو مسرورة جدا، لأنه بسبب انسحاب الولايات المتحدة المحتمل من سوريا، والخوف مما قد تفعله إيران هناك بعد ذلك، فمن المرجح أن ينظر الخليجيون العرب إلى الوجود الروسي في سوريا كعامل استقرار قد يحميهم، ليس فقط من إيران، ولكن من تركيا أيضا.

وتقدر موسكو التعاون مع السعودية والإمارات على وجه الخصوص، لأن كلا البلدين تتاجران مع روسيا وتستثمران في روسيا، ما يساعد موسكو على تجنب العقوبات الاقتصادية الغربية، إضافة إلى التعاون القائم في الحد من إنتاج النفط عبر اتفاق "أوبك بلس"، وقد توفر المساعدة في إعادة إعمار سوريا فرصة لموسكو، التي ليست مستعدة ولا قادرة على القيام بالمهمة وحدها.

وفي الواقع، قد تكون العلاقات الخليجية الروسية أفضل من أي وقت مضى. وساهمت المصالح المشتركة في ذلك، ولكن السياسة الخارجية غير المتناسقة للولايات المتحدة لم تترك مساحة لعرب الخليج، وكذلك لـ(إسرائيل)، إلا للتحوط ضد إمكانية المزيد من الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وهو ما يدفعهم نحو روسيا، التي تنوي البقاء بوضوح.

ومع ذلك، لا يعد عدم الرضا المشترك عن سياسة الولايات المتحدة ضامنا أن العلاقات الخليجية العربية الروسية ستستمر في التحسن أو أنها ستتفادى الاحتكاكات. ويأمل العرب في الخليج أن قبولهم لنظام "الأسد"، وتحسين العلاقات مع روسيا، سوف يدفعان موسكو للابتعاد عن طهران، لكن هذا لا يبدو أنه يحدث. وما حدث فعليا هو أن موسكو وطهران قد زادا من تعاونهما الأمني.

لكن لماذا تفعل روسيا ذلك رغم أنها تريد تحسين علاقاتها مع عرب الخليج؟ قد تكون موسكو ترى أنه في حين لم تعد الولايات المتحدة راغبة في حماية مصالح دول الخليج العربي في سوريا، فإنه لا خيار أمام الخليجيين العرب سوى زيادة اعتمادهم على روسيا، على الرغم من تعاون موسكو مع طهران.

وفي الواقع، قد ترى موسكو زيادة تعاونها مع إيران كطريقة لدفع عرب الخليج إلى العمل بجدية أكبر من أجل كسب تأييد موسكو، تماما مثلما قد يجبر التعاون الروسي المتزايد مع دول الخليج إيران على فعل الشيء نفسه. لكن الخطر الذي يواجه روسيا في اتباع هذه الاستراتيجية هو أن يتراجع الخليجيون العرب عن التعاون مع روسيا إذا لم تكن قادرة على احتواء إيران أو لم تكن ترغب في احتوائها.