علاقات » اميركي

المعارضون السعوديون يخشون حكومتهم.. حتى داخل أمريكا

في 2019/03/09

متابعات-

"ينتقدون الحكم السعودي، وهو حق يحميه القانون الأمريكي، لكنهم ليسوا بمأمن من رقابة سلطات المملكة حتى داخل الولايات المتحدة، ولا حماية لهم منها"..

هكذا سلطت قناة PBS الأمريكية الضوء على حالة العديد من الطلبة والباحثين والناشطين السعوديين ممن يقيمون بالولايات المتحدة ويخشون على حياتهم وحريتهم، خاصة بعد جريمة اغتيال الكاتب الصحفي "جمال خاشقجي" داخل قنصلية المملكة بمدينة إسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

واستضاف مراسل القناة للشؤون الخارجية "نيك شيفرين" 3 حالات، تمثل عينة لما يتعرض له المعارضون السعوديون من مضايقات داخل الولايات المتحدة، على خلفية انتقاداتهم لحكومة المملكة، في ظل تصاعد سياسة القمع التي ينتهجها ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" ضد معارضيه.

وشملت هذه السياسة، بحسب تقرير PBS، قطع ابتعاث الطلاب من ذوي الآراء الناقدة للنظام السعودي عبر حرمانهم من استكمال تمويل برامج دراستهم، ومحاولة استدراجهم للعودة إلى المملكة، وتوجيه رسائل تهديد مباشرة إلى حسابات الباحثين والناشطين المعارضين على شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة "تويتر".

وتضمنت رسائل التهديد تحذير الطلبة والناشطين المعارضين من استمرارهم في انتقاداتهم العلنية، وإلا فسيتم إحضارهم إلى المملكة عنوة واعتقالهم بسجونها.

قطع الابتعاث

ومن بين هؤلاء الذين تعرضوا لهذه المضايقات الطالب بجامعة سان دييغو "عبدالرحمن المطيري"، الذي أكد أنه يحاول البقاء على حذر دائما لأن هناك من يحاول إلحاق الضرر به.

مارس "المطيري" نشاطه عبر مدونة لبث الفيديوهات، وفي أغسطس/آب الماضي، بدأ في انتقاد المؤسسة الدينية المتشددة بالسعودية، الأمر الذي أكسبه آلاف المتابعين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، سواء على مستوى المملكة أو على المستوى الدولي.

وإزاء ذلك، تلقى الناشط السعودي تحذيرا من السفارة السعودية بأن يبقي صامتا، وعندما استمر في التعبير عن رأيه تلقي رسالة بريد إلكتروني بإلغاء منحته الدراسية، وإيقاف حسابه في بوابة الطلبة المبتعثين.

وجاء قطع ابتعاث "المطيري" على خلفية قائمة نشرتها الحكومة السعودية، عام 2017، للقواعد التي ينبغي على المبتعثين الالتزام بها، وعلى رأسها "عدم الخوض في النقاشات السياسية والدينية أو الإدلاء بتصريحات إعلامية".

وبسبب عدم انصياعه لهذه القواعد، انتهي الأمر بـ "المطيري" بالإفلاس (بعد إلغاء البعثة)، في الوقت الذي اعتبر فيه منتقدوه، عبر "تويتر"، أن إيقاف ابتعاثه ليس كافيا، وطالبوا بـ "صلبه".

وعلق "المطيري" على ذلك بقوله: "هذا لأني عبرت فقط عن معتقداتي الدينية، دون أن الحق الأذى بأي أحد".

جريمة خاشقجي

استمر "المطيري" في تركيزه على التعبير عن معتقداته الدينية حتى اغتيال الكاتب الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" وتقطيع أوصاله خلال زيارته لقنصلية المملكة بإسطنبول، إذ تحولت بوصلة انتقاداته إلى الحكومة، ليعلق في مقطع فيديو بعد الحادث: "المصيبة إنك ما قتلت بس مواطن سعودي.. المصيبة إنك قطعته، هل هذه حكومة أم مافيا؟!"

وأكد الناشط السعودي أن عدم دراية ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بالجريمة مستحيل، قائلا: "إذا لم يكن يدري عن أمر قتل خاشقجي فهذا يعني أنه لا يعلم أي شيء عن ما يدور في البلد، ولا يعلم عن ما يدور بحرب اليمن ولا يعرف أنني مواطن سعودي يعبر عن رأيه وبسبب ذلك تم سحب منحتي، وأنا الآن تحت خط الفقر".

وبحسب القناة الأمريكية، فإن "المطيري" أشار إلى أن الحكومة السعودية أصدرت تعليمات إلى عائلته بقطع المال عنه، مؤكدا أنه لم يتكلم معهم منذ ذلك الحين.

وأضاف: "أفتقدهم كثيرا، وأتمني أن يشاهدوا هذه المقابلة ويعلموا أنني بخير، وأن يدعوا الله أن يحميني وأن أتقابل معهم قريبا".

وتابع "المطيري" أن شعوره بالخوف بعد اغتيال "خاشقجي" دفعه لتغيير موقعه أكثر من مرة، إذ لم يكن يعلم ما قد يحدث له لاحقا، أو ما يمكن توقعه.

وأشار إلى أن أحد زملائه من السعوديين عرض عليه مرافقته للعودة إلى المملكة كي يتمكن من لقاء والديه، لكنه رفض؛ لأن "أفضل سيناريو – في حال عودته - سيكون هو ذهابه إلى السجن لـ 10 أو 15 أو 20 سنة، وأسوأ سيناريو سيكون إعدامه على الملأ" حسب قوله.

جواسيس للمراقبة

وفى واشنطن، يقيم سعودي آخر يواجه المعاناة ذاتها، هو "عبدالله العودة"، نجل الداعية السعودي المعتقل بالمملكة "سلمان العودة"، والباحث بجامعة جورج تاون، وعلى الرغم من ابتعاده مسافة 6 آلاف ميل عن وطنه، إلا أنه يشعر بالقلق، ولا يجد مكانا للاختباء من ظلال المراقبة السعودية.

كان "العودة" مبتعثا بجامعة بيتسبرغ عام 2014، قبل أن يتم قطع منحته الدراسية أيضا بسبب انتقاداته للحكومة.

وعبر الباحث السعودي عن قلقه بقوله: "إنهم (مسؤولو الحكومة السعودية) ليس لهم حدود، وبإمكانهم الوصول إليك في كل مكان، ويخشون من أي انتقاد وأي رأي مختلف".

وأضاف: "قالوا عن الخط الأحمر إنه انتقاد ولي العهد، لكن هل قتل صحفي داخل القنصلية ليس خطا أحمرا؟".

وأكد "العودة" أنه يتلقى تهديدات يومية من حسابات على "تويتر" من أشخاص يعتقد أنهم ذوي صلة بالحكومة السعودية بطريقة أو بأخرى، من بينها رسالة جاء نصها: "سوف نجدك ونحضرك إلى السعودية لوضعك في زنزانة بجوار والدك".

وأضاف "العودة" أن المحققين بالمملكة أوردوا اسمه في التحقيقات مع والده وقال له أحدهم: "سنلقي القبض عليه وسنعذبه"، مشيرا إلى أنهم يريدون إرسال رسالة مفادها أن كل ما يفعله سيكون له انعكاسه على أبيه والطريقة التي يعاملونه بها. 

وتنقل القناة الأمريكية عن "العودة" أن مواطنا سعوديا اقترب منه في إحدى المناسبات العامة، عام 2016، وأخبره بأنه جاء للتجسس وتقديم تقرير لسلطات المملكة، الأمر الذي أصابه بخوف شديد، عبر عنه بقوله: "الحكومة السعودية لا حدود لها، ولذا فإنك عندما تتعامل مع شخص هكذا فإنك تكون فزعا".

وفي عام 2017، تقدم "العودة" بطلب لتجديد جواز سفره، ليتلقى ردا من السفارة السعودية مفاده: "إذا كنت تريد تجديد الجواز عليك أن تعود إلى المملكة".

وبسؤاله عن ما إذا كان يعتقد أنهم كانوا يستدرجونه للعودة، قال: "نعم، أعتقد ذلك بقوة.. حالة جمال خاشقجي كانت مجرد مثال آخر".

إنكار سعودي

وتنكر الحكومة السعودية مراقبتها أيا من مواطنيها بالولايات المتحدة بواسطة سفارتها أو ملحقيتها الثقافية، التي تشرف على طلاب المملكة، أو محاولة تتبعهم.

وقال المتحدث باسم السفارة السعودية بواشنطن "فهد ناظر": "أعتقد أن الادعاء بأن الملحقية الثقافية تجمع المعلومات عن الطلبة أو تتبعهم في بلد ضخم هو نوع من السخف".

وأضاف أن "تجربة أغلبية المبتعثين السعوديين بالولايات المتحدة إيجابية، وأن أكثرهم يعودون إلى بلدهم ويساهمون بإيجابية في مجتمعاتهم المحلية".

وبينما أشارت القناة الأمريكية إلى أن "ناظر" نفسه واحد من مئات الآلاف الذين حصلوا على منحة سعودية للدراسة بالولايات المتحدة، أكدت أن إفادات الطلاب السابقين والناشطين تؤكد أن نفيه ليس صحيحا.

احتقار النساء

وقدمت المصورة "دانه المعيوف" واحدة من هذه الإفادات، إذ عبرت عن قلقها من هؤلاء الذين "يهاجمونها طوال الوقت، ويريدون وضعها في السجن".

كانت "دانه" طالبة بمنحة دراسية سعودية، ومنعها الخوف من المجاهرة بنشاطها حتى لا يتم قطع ابتعاثها، حسب قولها، لكنها الآن باتت ناشطة بمجال الدفاع عن حقوق السعوديات.

وبسؤالها عن إمكانية عودتها للمملكة، قالت: "أنا أحببت الحرية، ولا أريد العودة (..) لقد علمونا بالأساس أننا أقل شأنا من الرجال، الذين يفترض أن لا يتزوجوا بواحدة، بل بأربعة، وغيرها من الأفكار السامة التي تعلمناها في المدارس".

وبعدما باتت "دانه" ذائعة الصيت، تلقت رسالتين من سعوديين اثنين، إحداهما بالبريد الإلكتروني، تعرض عليها وظيفة بالسوق المالية السعودية براتب يبدأ من 14 ألف ريال مقابل السكوت ووقف نشاطها، والثانية عبر واتس آب، تحذرها من تحريك الحكومة الأمريكية لقضية مزعومة ضدها، وأن ستواجه الترحيل من الولايات المتحدة.

وترى الناشطة الحقوقية أن الأمر كله كان فخا لإعادتها إلى المملكة، وبسؤالها عن من تعتقد أنه يقف وراء ذلك، قالت: "الحكومة.. إن أسوأ كابوس لهم أن يشاهدوا الناس يتكلمون، خاصة النساء".