علاقات » اميركي

السعودية تدخل السباق النووي بقرار أمريكي

في 2019/04/01

د. سعيد الشهابي- القدس العربي-

من المؤكد ان رغبة اية دولة في تصدر المشهد السياسي يجعلها مكشوفة امام الرأي العام، ويفرض عليها التزامات كثيرة على صعيد نمط الحكم ومعاملة المواطنين واحترام القانون الدولي وسلوك المسؤولين. ومع ان هذا الانكشاف قد تخفف منه طبيعة العلاقات الدولية واشكال التحالف مع الدول الكبرى الفاعلة، فانه يضغط كثيرا على الحكومة المركزية لذلك البلد. ولتوضيح المسألة، تجدر الاشارة الى المملكة العربية السعودية وتوجهاتها في السنوات الاخيرة.
في الماضي كان الاهتمام بما يجري داخل حدودها في الماضي محدودا ولا يلفت انتباه الكثيرين، ولكن عندما قررت ان تتصدر المشهد السياسي العربي وتمارس دورا قياديا في المنطقة وتتصدى للتيارات التي تعتبرها تهديدا لنظامها السياسي وانتمائها الايديولوجي اصبحت اوضاعها مكشوفة بشكل اوضح للعالم الخارجي. فما اكثر الرجال والنساء الذين قطعت رقابهم بايدي السيافين طوال العقود السابقة، وما أشد التنكيل الذي لحق بالمعارضين خصوصا في العقود الاربعة الاخيرة، ولكن الاهتمام بذلك بقي محصورا بالمنظمات الحقوقية التي كتبت التقارير واصدرت التوصيات، ولم يكن الشأن السعودي الداخلي موضع اهتمام عالمي واسع. وحتى عندما صدر فيلم «موت أميرة» في نهاية السبعينيات انحصر الاهتمام بظروف الفيلم ثم بالعلاقات التي توترت مع بريطانيا. اما اليوم، فقد اصبح الوضع الداخلي السعودي تحت المجهر الدولي. صحيح ان العالم الغربي اصبح اقل اهتماما ومبدئية بقضايا الديمقراطية وحقوق الانسان، ولكن مناوئي النظام تعددوا واصبحوا اقدر على توجيه اهتمامات العالم للداخل السعودي. ومن المؤكد ان قضية جمال خاشقجي ساهمت في تكثيف الاضواء المسلطة على الجزيرة العربية ونمط حكمها وعلاقاتها الداخلية والاقليمية. هذا الاهتمام لن يتلاشى ما دام الشخص المتهم باصدار قرار التصفية بالطريقة الوحشية التي حدثت بها يتصدر المشهد السياسي السعودي.
امام هذه الحقيقة كيف يمكن التعاطي مع قضايا عديدة ذات صلة؟ كيف يمكن استيعاب الموقف الامريكي الذي يتصدره دونالد ترامب والذي قضى مؤخرا بتزويد المملكة بالتكنولوجيا النووية؟ لماذا افرجت السعودية عن بعض السجينات السياسيات مع استمرار محاكمتهن؟ ومن الذي طلب من السعودية فتح سفارتها في دمشق بعد ثمانية اعوام من غلقها؟ وما نصيب السعودية من نجاح دبلوماسيتها الاقليمية التي تسعى للتطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي والتأزيم مع دول اخرى بعضها عضو بمجلس التعاون الخليجي؟ وكيف تنظر السعودية لمستقبل ذلك المجلس في ضوء التوترات التي تدب في اوصاله وبروز شبح الحرب على حدوده المطلة على بحر العرب ومضيق هرمز والضفة الشرقية الجنوبية من الخليج؟ ان من الصعوبة بمكان تمرير خيط يجمع هذه الحبات المتناثرة مع استمرار الرياح التي تعصف بالمنطقة واستمرار قرع طبول الحرب في اجوائها. فمثلا الى متى سيتم تجاهل التحالف السعودي ـ الاماراتي الذي يعبث بالوضع العربي الاستراتيجي؟ وماذا عن القصف اليومي الاسرائيلي لقطاع غزة تارة، واختراق الاجواء اللبنانية ثانية وقصف مواقع سورية بشكل متكرر ثالثا؟ الامر المؤكد ان الدبلوماسية السعودية الحاضرة مستنسخة من ايديولوجية الرئيس الامريكي التي تروج للفوضى الخلاقة وتضرب الثوابت السياسية التي ميزت السياسة الامريكية واحدثت الوانا متعددة في الاطياف السياسية الاقليمية بوتائر غير مسبوقة. وفي ضوء الاضطراب والفوضى الناجمة عن تلك السياسة، فان السعودية ترتكب اخطاء فادحة اذا استمر تفكير قادتها بالنمط الحالي ولم يسعوا لاصلاح واحد من اكثر الاخطاء تعقيدا وخطرا، وهو تماسك البيت السعودي الذي كان الركيزة الاولى لاستمرار الحكم طوال تسعة من العقود.

يمكن الادعاء بقدر من الثقة ان حكام الجزيرة العربية اصيبوا بردة فعل مدمرة قبل ثمانية اعوام عندما كادت رياح الثورة تعصف بالنظام السياسي العربي. وكما هي عادة بعض الانظمة الخليجية فقد اصيب العديد منها بالذعر وكانت ردة الفعل الاولى تخصيص اموال طائلة لمواجهة ظاهرة التغيير السياسي من منطلقات ثورية. وبدلا من مراجعة اسباب انفجار الاوضاع العربية، نجم عن تواصل القوى الاقليمية اقامة محور قوى الثورة المضادة الذي شمل كلا من مصر و «اسرائيل» والامارات بالاضافة للسعودية، بموافقة انكلو ـ امريكية. ويمكن اعتبار السياقات السياسية في السنوات الاخيرة امتدادا لقناعات قادة هذا التحالف بان الغرب لن يألو جهدا لدعم هذا التوجه بهدف الحفاظ على الوضع الراهن والتوازنات السياسية والعسكرية القائمة. ويمكن اعتبار هذا التوجه قفزا على الواقع ومحاولة للتأثير على مسار القانون الطبيعي الذي يربط بين البقاء والسعي المتواصل للتطوير من خلال التغيير التدريجي. هذا التوجه ينطلق من تنامي قناعة ناقصة لدى الانظمة التي تمتلك اموالا نفطية هائلة بان المال يمثل مفتاح الحل وان ما لا يمكن تحقيقه بالدبلوماسية والعلاقات العامة مع الموطنين، يتحقق بالمال الذي يسخر العسكر والامن لخدمة اهداف النظام السياسي. اما مصالح البلدان فما تزال مربوطة بمصالح الافراد او العائلات او الاحزاب الحاكمة. وهذا امر خطير. اذ يجب التمييز بين ما هو اساس طبيعي للوجود السياسي وما هو اطروحات مفتعلة للايهام بان الحل لن يتحقق الا في ظل انظمة القمع. ويمكن التوصل لنتيجة ذات اهمية بالغة بان تحالف قوى الثورة المضادة التي تقودها السعودية في الوقت الحاضر لن يكون خيارا بديلا للتغيير السياسي المنشود، وان هذا التوجه لاحتواء ظاهرة الربيع العربي لن يحل المشكلة الجوهرية المتمثلة بغياب الحريات والحقوق والمنظومة السياسية العصرية المتطورة. والاوضاع المضطربة في الجزائر والسودان والبحرين تؤكد ذلك.

في السنوات الاخيرة انفتحت شهية نظام الحكم السعودي على الهيمنة والزعامة وتوسيع النفوذ، منطلقا من الاعتقاد ان بالامكان تطويع اغلب البلدان المناوئة للسياسات السعودية وذلك بتحييد مواقف قادتها وشرائهم بالمال النفطي. وسعت لكسب موقف التحالف الانكلو ـ امريكي بتوقيع المزيد من الاتفاقات العسكرية خصوصا مع ادارة ترامب. وتجاهلت في الوقت نفسه مطالب مواطنيها الذين زجت بهم في السجون ومارست بحقهم ابشع اصناف التنكيل. وينطبق الامر نفسه على الامارات والبحرين اللتين سعتا لكسر شوكة المعارضة بارتكاب انتهاكات حقوقية مشينة. ولكن هل هذا كفيل بوقف مسار التغيير؟ ربما يمثل اطلاق سراح بضع نساء ناشطات في الايام الاخيرة دليلا على ضياع بوصلة النظام بين تكريس القمع والاضطهاد من جهة والتظاهر باللين خصوصا ازاء المرأة من جهة اخرى لتحييد المنظمات الحقوقية الدولية والراي العام. المرأة تصدرت المشهد السياسي والحقوقي في السنوات الاخيرة بعد أن اكتظت السجون بالمعتقلين من الرجال. وبرغم عقود من محاولات التغريب والتخدير تحركت المرأة منذ بضع سنوات لاستلام زمام المبادرة في قضايا الشأن العام، فاعتقلت وعذبت وتعرضت لأصناف التنكيل. هذا ما افصح به عدد من السجينات السياسيات في الايام القليلة الماضية امام القضاة الذين أصروا على اجراء المحاكمات سرا. وربما خشي المسؤولون فضائح اكبر اذا سمح للدبلوماسيين الاجانب والإعلاميين بحضور محاكمات علنية، لأن افادات السجينات سوف تضيف للغضب الذي اكتنف العالم بعد قتل خاشقجي وتكشف مدى سادية عناصر الامن السعودية. ان اصرار الرياض على سرية محاكمة المعارضين اصبحت مصدرا لانتقاد الحكم السعودي. وقبل يضعة ايام قالت خبيرة في حقوق الإنسان بالأمم المتحدة إن الجلسات السرية التي تجريها السعودية لأحد عشر متهما في مقتل الصحافي جمال خاشقجي لا ترقى إلى المعايير الدولية وينبغي أن تكون مفتوحة أمام العامة والمراقبين. ودعت أنييس كالامار مقررة الأمم المتحدة المعنية بالقتل خارج نطاق القضاء، التي تقود تحقيقا دوليا في جريمة القتل التي جرت في القنصلية السعودية في اسطنبول في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، السعودية إلى الكشف عن أسماء المتهمين ومكان عشرة آخرين تم احتجازهم في بادئ الأمر. وما لم تفعل الرياض ذلك فسوف يستمر الغمز واللمز حول طبيعة النظام وسيزيد عبئه على حلفائه الغربيين وسيحرجهم كثيرا.