مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
أن تكون إرهابياً فهذا يعني أنك ستواجه حكم الإعدام.. هذه هي القاعدة التي تتّبعها المملكة السعودية في تنفيذ عمليات الإعدام تحت مسمّى "حدّ الحرابة"، وتشمل كل من يتواجد على الأراضي السعودية، دون تفريق بين عربي أو أجنبي، سعودي أو غير سعودي، ولكن هذه المرّة شمل الإعدام، الذي جرى يوم الثلاثاء الماضي في خمس مناطق إدارية، 37 سعودياً دفعة واحدة، واللافت أن 32 من المعدومين هم من الشيعة، من مدن وقرى محافظتي القطيف والأحساء والمدينة المنورة، وتنوّعت التهم بحقهم بين التجسّس لجهات خارجية وبين القيام بعمليات اعتداء وتخريب في الداخل وإثارة الفتنة الطائفية.
أتت دفعة الإعدامات هذه في وقت لم تتوقف المطالبات الغربية بوقف تنفيذ هذا النوع من العقوبة - التي تتصدّر السعودية قائمة البلدان التي تعتمدها - لا سيما أن تاريخ اعتقال البعض منهم يعود إلى العام 2011، ومنهم ستة قاصرين لا يتجاوز عمرهم 17 عاماً، كما لم تسمح السلطات القضائية السعودية بلقاء محامي المسجونين خلال فترتي الاعتقال والتحقيق، وتم اقتصار الجلسات التي انعقدت عام 2016 على تلاوة القاضي لوائح التهم وتأكيدها وتثبيت حكم الإعدام بحقهم؛ ويوجّه ناشطو حقوق الإنسان انتقادات للمحكمة السعودية أبرزها أن اعترافات الكثير من الموقوفين جاءت تحت الضغط والإكراه، وتم إجبارهم على التوقيع على اعترافات لم يدلوا بها ولا يعلمون عنها شيئاً، فضلاً عن تعرّضهم للضرب والتعذيب، وهذه الوقائع لم تعترف بها السلطات السعودية فضلاً عن أنها غير موثّقة بالصوت والصورة.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يتم فيها إعدام سعوديين بالتهمة نفسها، إلا أن ما يجدر التوقّف عنده هو توضيح صيغة تهمة الإرهاب وتحديد مبانيها الجنائية، وإعادة النظر بالأسس التي تعتمدها المحكمة السعودية في إدانة أي شخص بالإعدام، فقد نفهم أن يتم إعدام شخص ارتكب جريمة قتل، ولكن هل الدعوة إلى التلاقي وعقد حوار وطني في المملكة تستدعي الاعتقال وقطع الرأس؟ هذه الحالة تنطبق على محمد عبد الغني العطية الذي دعا، بالصوت والصورة في حوار متلفز، إلى عدم التمييز بين الانتماء المناطقي والقبلي والديني في المملكة، لأن هذه التفرقة تؤدي إلى آثار سلبية على مستوى التمسّك بالانتماء الوطني، معتبراً أن مشكلة الإنتماء المناطقي مردّها إلى تركّز النخبة في السعودية في مناطق معينة، وتخصيص إمارات ومناطق بخدمات مميّزة على حساب مناطق أخرى، وطالب بضرورة توزيع تلك الخدمات بشكل عادل لتقوية الانتماء الوطني لدى السعوديين.
لم يشفع للعطية وصفه خلال الحوار المتلفز الملك المؤسس في السعودية بـ"القيادة الرشيدة التي تعزّز فرص الانتماء الوطني"، وكان نصيبه الاعتقال والإعدام بتهمة إثارة النعرات الطائفية، فهل المطالبة بالمساواة والعدل والإنماء المتوازن في أرجاء البلاد تهمة تستوجب الإعدام؟ وهل الدعوة إلى عقد حوار وطني وإقرار عقد اجتماعي يعزّز الانتماء ويوثّق الهوية الوطنية جريمة يُعاقب عليها بقطع الرأس؟
إن المملكة لا تزال تعاني من أزمات داخلية غير مسبوقة على مستوى البطالة وارتفاع معدلات الفقر وضعف النظام الاجتماعي الذي يكفل للمواطنين الرفاهية المطلوبة على المستوى المعيشي، في ظل ارتفاع نسبة المديونية العامة واستمرار النزف المالي في الحرب على جبهة اليمن، فهل الإعدامات التي جرت تتوافق مع السياسة التي يعتمدها ولي العهد محمد بن سلمان وبناء "نيو سعودية" وأسلوب الإنفتاح وفتح المجال أمام المزيد من الحرية لدى المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية بعيداً عن حالة الإنغلاق والتقوقع التي حكمت البلاد لعشرات السنين بحسب قول ابن سلمان نفسه؟
سمعنا ورأينا حديث الشيخ محمد عبد الغني العطية ولم نسمع ونرَ باقي المعدومين، وكان القرار الصارم بإقامة "حد الحرابة" عليهم وإعدامهم، وسمعنا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يكرّر إهانة المملكة، وتابعنا حديثه التهكّمي خلال حديثه مع الملك سلمان نفسه، بحيث لا يرى ترامب في السعودية سوى بلد يمتلك الأموال لدفعها إلى الولايات المتحدة لقاء تأمين الحماية العسكرية لها، وهو الذي وصف المملكة يوماً بأنها "البقرة الحلوب"، ويسعى بتصريحاته القبيحة إلى إجبارها على زيادة الإنتاج للحفاظ على التوزان في الأسعار العالمية للنفط، ولكننا لم نسمع ولم نرَ أي موقف رسمي إزاء هذه الإهانة من شخص امتهن سياسة الابتزاز المباشر، وأتقن خطاب التحقير والإذلال، فهل يستحق ترامب أن نمنحه 450 مليار دولار ونرضى بإهاناته المتكرّرة، أما أبناء الوطن فلا يستحقون التفاتة رشيدة تقود إلى شد أواصر اللحمة بين المواطنين على اختلاف انتماءاتهم المناطقية والدينية؟ إن الحماية الخارجية مهما اشتدّت واتّسعت دائرتها ستزول يوماً ما في حسابات الربح والخسارة، وأبناء الوطن هم وحدهم الذين يشكّلون السياج الحامي للبلاد الذي لا تهزّه الرياح والعواصف، ولكن الخوف اليوم في تكرار نموذج العطية لتصبح القاعدة: "في الصمت النجاة".. وعلى الوطن السلام.