صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية-
قالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إن الدور الذي تلعبه الإمارات والسعودية في السودان والمتمثل في دعم المجلس العسكري السوداني، وضع محاولاتهما لبسط نفوذهما في القرن الأفريقي عن طريق الاستثمار تحت المجهر.
وذكرت الصحيفة أن السودانيين وجهوا أصابع الاتهام لنائب المجلس العسكري، "محمد حمدان حميدتي"، قائد قوات الدعم السريع، وأيضا السعودية والإمارات بعد عملية فض اعتصام المعارضين المطالبين بنقل السلطة للمدنيين، والتي نفذتها قوات "حميدتي".
وأشارت الصحيفة إلى أن قمع قوات الدعم السريع للاعتصام كان بمثابة رسالة من المؤسسة العسكرية أنها لن تستجيب لمطالب نقل السلطة.
ونوهت إلى أن كثيرا من السودانيين تساءلوا إن كانت هاتان الدولتان قد أعطتا الضوء الأخضر لقوات الدعم السريع لفك الاعتصام واستخدام القوة.
وفي المقابل نفت السعودية والإمارات أي معرفة مبدئية بالهجوم على المعتصمين وأكدتا العلاقات السياسية والاقتصادية مع السودان الذي يعتبر جسرا بين العالم العربي وأفريقيا ولديه ساحل طويل على البحر الأحمر.
ومع ذلك، لم ينج البلدان من التساؤلات حول دورهما الجديد في سودان ما بعد "البشير"، الذي جاء في وقت ينفق فيه البلدان مئات الملايين على عقود مجزية لتطوير الموانئ بالقرن الأفريقي.
وأشارت الصحيفة البريطانية إلى العلاقات التاريخية الاقتصادية والدينية بين منطقة القرن الأفريقي ودول الخليج، حيث تم الاتجار بالمواشي والجمال والبخور وغير ذلك بينهما، فيما عبر الحجاج لقرون البحر الأحمر وخليج عدن لأداء الحج في مكة، فدول المنطقة؛ الصومال والسودان وجيبوتي، ذات غالبية مسلمة، مع تجمعات كبرى للمسلمين في إريتريا وإثيوبيا.
ومع تطور العلاقات، استخدمت السعودية وقطر والإمارات موارد النفط لتمويل مشاريع في الدول الأفريقية، وفي محاولة للاستفادة من الأسواق الكبرى فيها.
ولكن المصالح القومية كانت واضحة، مثل الاستفادة من المصادر الزراعية والموانئ فيها.
وقال "زاك فيرتين"، من معهد بروكينغز في الدوحة، إن زيادة العلاقات السياسية والاقتصادية والإستراتيجية غير مسبوقة، مضيفًا: "هذا عن تحول المنطقتين لواحدة".
وأهم مثال هو الصراع على الموانئ؛ ففي عام 2014 حصلت شركة "البيرق" على حقوق إدارة ميناء مقديشو، وردت شركة "دبي للموانئ" العالمية بتوقيع عقود مع مناطق شبه مستقلة مثل بونت لاند وصومالي لاند. وفي عام 2017 حصلت تركيا وقطر عام 2018 على عقود لتطوير موانئ في السودان.
ورأت الصحيفة أن البحر الأحمر الذي يفصل أفريقيا عن الجزيرة العربية ظل منطقة تنافس؛ ففي عام 1888 أقامت بريطانيا محمية في صومالي لاند لحماية السفن التجارية القادمة من آسيا وعبر قناة السويس.
ويقول وزير خارجية الصومال السابق "سعد علي شير"، إن التنافس الحالي هو من أجل استعراض القوة والتحكم بالتجارة كما في القرن التاسع عشر.
وقال: "كان الاهتمام موجودا، لكن الإمارات وتركيا اليوم دولتان ثريتان وتريدان إظهار أنهما قوة يحسب لهما حساب في المنطقة”.
وتعبر نسبة 8% من التجارة العالمية من وإلى ميناء باب المندب، وتعتبر الإمارات الأكثر نشاطا؛ فبالإضافة لإدارتها كلا من ميناء باساسو وبربرة أقامت قاعدة عسكرية في عصب بإريتريا و6 موانئ على الجانب الآخر من البحر الأحمر.
وتعهدت الإمارات بمساعدات مالية بقيمة 3 مليارات دولار العام الماضي لإثيوبيا، وساهمت مع السعودية بحل خلاف عمره 20 سنة بينها وبين إريتريا.
ويرى وزير الشؤون الخارجية الإماراتي "أنور قرقاش" أن التوسع الإماراتي في القرن الأفريقي يتساوق مع تحول بلاده لمركز التجارة والمال في الشرق الأوسط.
وقال: "كل شيء له علاقة بحقوق الطيران والمناطق الحرة والمخازن والموانئ هو جزء من الرواية التي تشير لنجاحنا.. ولهذا علينا الوصول إلى 100 مليون إثيوبي بحاجة إلى أكثر من ميناء".
لكن التجارة هي جزء من القصة؛ فمنذ التدخل في اليمن عام 2015 رأت السعودية والإمارات أنهما بحاجة لداعمين على طرفي البحر الأحمر للتدريب ونشر الجنود.
ففي ديسمبر/كانون الأول عقدت السعودية اجتماعا ضم مصر وجيبوتي والأردن وإريتريا واليمن والسودان للبحث في تحالف يحمي مصالحها ومصالح "جيرانها"؛ "تحالف البحر الأحمر".
ويرى "أحمد سليمان"، الباحث في "تشاتام هاوس" في لندن، أن اجتماع التجارة والأمن والخطوط الجيوسياسية الفاصلة يعني "عسكرة" القرن الأفريقي، ويعني جر دول القرن الأفريقي إلى التنافسات الإقليمية.
فعندما قررت السعودية والإمارات قطع العلاقة مع قطر طلب من بقية الدول في المنطقة اختيار طرف، فمحاولة الحكومة الفيدرالية في الصومال الوقوف على الحياد لم يكن كافيا للرياض وأبوظبي، إذ نظر إليها بأنها تقف مع قطر وتركيا.
وقال الشيخ "محمد عبدالرحمن آل ثاني"، وزير الخارجية القطري، إن "بعض الدول، خصوصا التي تحتاج للدعم السعودي والإماراتي، تعرضت للابتزاز واتباع السياسة نفسها من قطر".
وقبل سقوط "البشير"، وجد السودان نفسه وسط الأزمة في الخليج، حيث بردت العلاقات مع الإمارات والسعودية عندما رحب الرئيس السابق بقطر وتركيا لتطوير الموانئ السودانية.
ومع رحيل "البشير" سارعت الدولتان إلى تقوية العلاقات، وبالمقارنة باتت علاقات الدوحة مع السودان "محدودة" وفقا للشيخ "عبدالرحمن".
ويرى "فيرتين" من "بروكينغز"، أن الإمارات والسعودية تريدان علاقات قوية مع السودان وتشكيل المرحلة الانتقالية، وبالنسبة للمعارضة السودانية التي ترى أن هذه الدول مهتمة بمصادر البلاد وموقعها الإستراتيجية، فنظام ديمقراطي يعني صعوبة تحقيق غايات الدول الخارجية.